مخاطر أخلاقية في صلالة

د. عبدالله باحجاج

اتصلتْ بي "أم طارق"، وهي امرأة عُمانية تقطن في منطقة صلالة الجديدة، تشكو من ظهور نساء أجنبيات في شوارع وطرقات المنطقة، يُحاولن جذب سائقي كل عربة تمر عليهن بإغراء في اللبس والمشي وحتى الكلام، وقد بدت عليهن المبالغة في إغرائهن، ويتخذن من إحدى العمارات المقابلة لمنزلها مسكنًا لهن ومقرًا لمهنتهن.

أبدت هذه المرأة مخاوفها من انعكاسات هذه الحالات على قيم وأخلاق المجتمع، وتساءلت كيف سنتمكن من تربية أبنائنا وبائعات الجسد داخل الأحياء؟ ولم أقرر الكتابة عن هذه القضية إلا بعد أن انتظرت الحل المؤسساتي الذي لم أجده حتى كتابة المقال. وبالأمس عندما تواصلت مع أم طارق لتحديث المعلومات، بادرتني فورًا بالتساؤل: لماذا تتغلغل بائعات الجسد وتتمدد في المجتمع؟

ويبدو أنَّ هذه الحالات لم تعد محصورة في منطقة أم طارق فقط، أو أنها تنتشر منها لتوسيع نطاق جغرافية هذا التصرف؛ بحيث يمكن مشاهدتها في مناطق أخرى قريبة منها، فهل هي حالات أم ظاهرة في صلالة؟ مهما يكن فالأمر ما زال تحت السيطرة حتى الآن، ولابُد من القضاء عليها عاجلًا، فمرحلتنا لا تتحمل أبدًا تفشي أمراض مُعدية، وهي كذلك لا تتحمل ممارسات سلبية خطيرة، وكل المصائب تأتي من قضايا الدعارة قياسًا بتجارب عربية وخليجية التي وراؤها أسرار وخفايا.

اللافت، أنَّ بائعات الجسد لا يمارسن هذه التصرفات في سكون الليل والناس نيام، على غرار ما هو متعارف عليه في المجتمعات الأخرى؛ حيث يبدأ عملهن مع ساعات المساء الأولى إلى موعد لقاء الشمس مع القمر، وإنما يمارسن ذلك منذ الصباح، وتحديدًا منذ العاشرة صباحاً (حسب رواية أم طارق)، والزائر للمنطقة يمكنه مشاهدة البائعات في بعض شوارعها وطرقها بعد عملية بحث قصيرة، ويمكن أن يحصل على أرقامهن بسهولة للتواصل مع بعضهن، كما فعل أحدهم، واتصل بواحدة منهن بحضوري، وسمعته يساوم إحداهن على السعر المالي الذي تم تحطيمه بسهولة! وهو في متناول الكثير من المُراهقين!! ورغم كل ذلك، فالقضية وفق استقصاءاتي لم تصل لظاهرة، لكنها قد تصل لو تُركت وفق سياقاتها الراهنة، فالبائعات يبدو أنهن على استعداد لقبول أي سعر يعرض عليهن.

وهنا مكمن الخطر، فتحطيم السعر يهدف إلى اختراق سيكولوجية المراهق، أو مراعاةً للظروف المالية وتقلباتها أو إسقاط المغرر بهم في شهواتهن وملذاتهن كمقدمة للإيقاع بهم، ومن ثم الابتزاز، ولن نستبعد أن تكون وراءها خلفيات وأسرار يمكن إطلاق العنان لها دون قيود أو محظورات؛ لأننا في مرحلة المخدرات بمختلف أنواعها، ومرحلة انفتاح المجتمع على ديموغرافيات متعددة لدواعي الاستثمار والسياحة، وقد لا تكون هذه السيناريوهات المفترضة واقعية، لكنها لن تكون مُستبعدة، كما قد تكون ضمن سيناريوهات محتملة إذا لم يوضع حدٌ عاجل لها، فكل من يقرأ عن خلفيات وأسرار هذا العالم اللاأخلاقي، سيسقطها في ذهنه افتراضًا أو واقعًا أو محذرًا منها.

نحمّل أعضاء المجلس البلدي الجديد في ظفار مسؤولية مُناقشة هذا الملف العاجل، والتنسيق والمتابعة مع جهات الاختصاص فيه، ونطالب بالتشديد فيه، والحل لن يكون في القبض على البائعات وتسجيل إقرار عليهن، ومن ثم إطلاقهن، وإنما ترحيل كل من تثبت عليها التهمة، وإثبات التهمة يكون بمجرد رصدهن في محاولة الاستقطاب على الطرقات والشوارع، مع تشديد الرقابة على بعض المطاعم والمقاهي التي أصبح بعضها حديث الخواص.

ونُكرر أخيرًا، أن كل المصائب- التي في أذهاننا- تأتي مع انتشار الدعارة، ولن يقبلها عاقل أن تتنشر وتتمدد داخل الأحياء السكنية خاصة، وفي بلاده عامة، وعنوان مقالي صحيح فيه استفزاز، لكن له ما يبرره، وقد تناولها المقال في حيثياته، ونضيف عليه هاجس القلق لمرحلة ما بعد القضاء على الدعارة في الخوير في محافظة مسقط، ولنا في حل قضية الدعارة في الخوير نموذج نطالب به، فقد تمَّ أخيرًا، القبض على شبكة دعارة فيها.

ومن هنا نطالب باجتثاث الحالات في صلالة من جذورها قبل أن تستفحل، ويكون الحل مكلفًا من حيث الجهود والأموال أو صناعة ردود أفعال مجتمعية مختلفة.