ما جاز خيال يركب على جاموس!

علي بن سالم كفيتان

لا أدري إن كانت مقولة "ما جاز خيّال يركب على جاموس" مثلًا شعبيًا أم أنها شطر من بيت شاعر نبطي ظفاري، كما إنني لا أعلم من قائلها، لكنها تصاعدت إلى ذهني مباشرة عقب أحداث مباراة نهائي كأس الخليج في البصرة؛ فمنتخبنا كان الخيال (الفارس) البارع في مضمار البطولة، واستطاع تخطي كل الحواجز والخوض في المناطق الموحلة، وحتى المقفرة، لكننا لم نتوج بالبطولة، رغم أننا كُنّا الأجدر بها، وأعتقد أن ذلك الخيال المزهو بنِزالاته اكتشف في الختام أنه راكب على جاموس كما ذكرت المقولة.

بيّن الاتحاد العماني لكرة القدم ضعفه في المباراة الفاصلة عندما تنازل عن حصته من المشجعين في ساحة الميدان تحت ضغوط واعتبارات ليس لها علاقة بكرة القدم، رغم أن قرار إيفاد المشجعين أتى من سلطة قدّرت أهمية الحدث، فدفعت بمئات المشجعين عبر الطائرات إلى البصرة، ولم يكن مقبولًا عودتهم على متن نفس الطائرات دون مشاهدة المباراة أو توزيعهم على ممرات الخدمة بملعب جذع النخلة؛ فالجهة التي لم تستطع تأمين 5 آلاف مقعد في ملعب يتسع لثمانين ألف مشجع، لا تستحق المجاملة التي حصلت، والعذر الذي ساقه اتحاد الكرة كان أقبح من الذنب؛ فالأحرى أن تكون الدولة المُنظِّمة هي الأكثر حرصًا على إنجاح البطولة وليس نحن الضيوف، لكن الظاهر أن الآية انقلبت، رغم أنَّ هذا لا يُقلل من تعاطفنا مع الشعب العراقي ولهفته للعودة لبوابة الخليج من خلال هذه البطولة.

وكما قلنا في مقال سابق، أن كرة القدم باتت تمثل اليوم إحدى أدوات القوى الناعمة التي تمارسها الدول بحرفية لتنعكس إيجابًا على وضعها الاقتصادي وموقعها السياسي؛ ففوزنا بالكأس سيُساهم في فرحة كنا بحاجة لها في الداخل، لذلك كنت أتوقع أن يكافح الاتحاد العماني لكرة القدم ومن خلفه مؤسسات الدولة الفاعلة لإسعاد العُمانيين، كهدف يساهم في تعزيز الروح الإيجابية، ويُعبِّر عن ذهنية جديدة تعظّم الفرح في الداخل، لا أن نتنازل عن حقوقنا بحجة إنجاح الدورة! فالواضح أن الشباب في الملعب كانوا يقاتلون لوحدهم، فلا جمهور ولا اتحاد بات له صوت في جموع إستاد البصرة الهادر؛ فاستبسل الرجال وخاضوا النِزال بمفردهم، وكانوا الأجدر بالبطولة.

لم يكن الحضور في المنصة الرئيسية ذا أي بُعد غير الحضور التشريفي، وليس له علاقة بالملعب ولا ما يجري فيه من أحداث جسام أبطالها شباب يدافعون عن رياضة وطنهم بمعزل عن الجميع، وكما قال أحد المعجبين بصمود لاعبينا "إنهم يضعون صمامات في آذانهم كي لا يسمعوا أحدًا"، فلا أحد يستحق السماع أو المشاهدة في تلك الأمسية غير تلك الثلة العظيمة من رجال عُمان الذين لم يرهبهم هدير المشجعين العراقيين، فقد صال المسلمي ورفاقه وجالوا في كل جنبات الملعب ورسموا ملحمة وطنية لا تنسى، لقد كانت عُمان كلها تشجعهم وتقف معهم في الوقت الذي خذلهم الاتحاد العُماني لكرة القدم.

لن ننظر لتصريحات الاتحاد الخليجي وخروجه عن الحياد المطلوب عبر رئيسه حول تمنياته بفوز طرف على آخر؛ فهذه سابقة لم تحدث من قبل، لكنها تعكس جانبًا من تسييس الدورة واستثمار نتائجها اقتصاديًا أو حتى سياسيًا، وربما يكون ذلك هدفا مشروعا لدولة، ولكن ليس للاتحاد الخليجي، ولن ننظر كذلك لتمنيات بعض أعضاء وفدنا الإعلامي الرسمي بفوز الخصم؛ فكلها سقطات متوقعة، وفي المقابل نُحمِّل كامل المسؤولية للاتحاد العُماني لكرة القدم على هذا الموقف الهزيل والتعامل غير المسؤول مع الحدث، ولا شك أنَّ مطالبة الاتحاد بالاستقالة باتت طلبًا مشروعًا.

لا أدري إنْ كنَّا سنجني من هذا الموقف فائدة تعود على الوطن والمواطن بالخير بعيدًا عن لغة المجاملة التي أصبحنا أسيادها في العالم بامتياز؛ بل وأصبح الجميع يردد مقولة "العُمانيين طيبين" ويمكن أخذ جزء من حقهم، فهم متسامحون بالفطرة، ويمارسون فلسفة العفو والصفح بشكل أسطوري! لكوننا ندخل كل مواقفنا وتنازلاتنا ووساطاتنا تحت بند "السمت العُماني"؛ فالعُمانيون لم يفهموا أبعاد هذا السمت الإنساني النادر الذي انقرض من كل الدنيا وبات يستوطن مواقفنا الخارجية دون الحصول على أي مقابل للداخل، لو فزنا لكان أجدر للداخل المتعطش للفرح، وهذا يكفي! لكن الظاهر أن الأمور تجري في الاتجاه المعاكس.

حفظ الله بلادي..