منتخبنا الوطني.. المُزن

منصور بن حبيب الرحبي

إن أفضل ما يقال عن الإنسان العُماني بسجيته وأخلاقه وسلوكه أينما يكون ينزل كالمُزن، فيروي أرضه العطشى في حضوره والمزن هو السحاب الذي ينزل بكثرة، وقديما سميت عُمان مزون كقول الشاعر

إن كسرى سمى عمان مزونا

ومزون ياصاح خير بلاد

بلدة ذات مزرع ونخيل ومراع ومشرب غير صاد

فلا عجب أن يكون المزن ويحسب للمنتخب الوطني مشاركاته وللجماهير العمانية حضورها في مشاركات بطولات كأس الخليج وآخرها كأس العالم البطولة الثانية والعشرين في دولة قطر الشقيقة وكانت مشاركاتهم متميزة وتفاعل الشعوب معهم.

هم عنوانٌ للطيبة والكرم والتسامح وهم أينما حلوا يكونون سفراء لبلدهم ويضيفون بوجودهم على البطولات رونقهم الخاص، والفن رفيقهم وصوت اليامال والرزحة والعازي والبرعة وكل الفنون تسكنهم، فيرقص المكان مزهوًّا بهم، فشكرًا للجماهير العمانية كفيتم ووفيتم، لكننا في هذه البطولة لكأس الخليج 25، وعلى الرغم من قساوة المشهد، كان المنتخب على قدر المسؤولية، فحضنوا وجودكم في ذاكرتهم برغم غيابكم، وأغانيكم كانت حاضرة في أذهانهم تترجمها أقدامهم. نعم.. كانوا رجالًا أوفياء أحرجوا المنتخب العراقي في ثانية وخيم الصمت على المدرجات بعددهم الكبير، وكأن على رؤوسهم الطير في ثانية فقط، وكأن لا وجود لجمهور عراقي حاشد.

وجاءت المباراة بسيطرة عمانية من الشوط الثاني، وفي الشوط الإضافي كدنا نخرج فائزين لولا خطأ الدفاع والحارس في وقت الحسم، لكننا نقول إن كرة القدم فوز وخسارة، ونعتبر أنفسنا منتصرين بوصولنا للنهائي الخامس بالبطولة على التوالي، وفي مباراة صعبة، وفي ظل ما وقع من أحداث، لكنها كانت أفضل نهائي عمَّا سبق من بطولات.

لقد حان للتاريخ أن ينصفنا ويسجل للكرة العمانية حضورها المميز كبطل في بطولات كأس الخليج على الرغم من إمكانيات دول الخليج وقوة دوريهم وما يشتمل عليه من محترفين.

وحول ما يساق ضد الاتحاد العماني لكرة القدم في عدم مشاركة الجماهير العمانية والتواجد في المجمع، فلكل مكان وبلد ظروفه وأحوال متباينة، ولكل حادثة حديث؛ فليس من الحكمة فيما نقول، لكن علينا قراءة المشهد بما يحقق السلامة للجمهور، خاصة وأن بعضهم اتجه عبر المنافذ البرية.

يقول الشاعر

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

والرأي يعني استجماع كافة المعطيات خيرها وشرها، ثم اتخاذ القرار يكون بالإجماع، ولقد كانت لإدارة الاتحاد بالتشاور مع الجهات ذات العلاقة قبل اتخاذ القرار ما يؤمن ويحقق السلامة للاعبين وجمهور منتخبنا الوطني، ولإنجاح البطولة في بلد ما يزال يبحث عن متنفس لاستعادة توازنه بين نفسه في وضعه الداخلي وبين إقناع جيرانه والوفود المشاركة بوجود الأمن والقدرة على إنجاح البطولة في هذه الظروف والأوضاع الأمنية، التي ما زالت تحوم حولها التساؤلات؛ فلا يمكن المقارنة بينها وبين أي دولة مستقرة أمنيًا، وكلنا يعلم ما حل بالعراق الشقيق من مآسٍ ودمار وهجرة لسنين طويلة، ولا يمكن لمن هو خارج هذه الدولة أن يُفتي ويصدر أحكامه أو يُملي رأيه لتأجيج الرأي العام ويتحامل على إدارة الاتحاد.

ومن تابع التصريحات قبل البطولة يجد أن إقامة البطولة أصلًا كان أشبه بالمستحيل، وكأنه ضربٌ من جنون أو اجتماع طارئ يعقد بين وفود المنطقة، وكان لزامًا على الجهات المسؤولة في السلطنة مجتمعة ودور السفارة العمانية في بغداد إجراء التشاور الطارئ حول ما حدث من قبل الجمهور العراقي والانفلات الأمني الذي لم يقم المسؤولون عن البطولة باتخاذ الإجراءات الأمنية الواجبة قبل المباراة؛ مما أدى إلى دخول الجماهير العراقية واستحواذهم على كافة مقاعد الجمهور العماني، الذي حُرم من التواجد لمؤازرة منتخبنا، فكان القرار هنا أبعد من صلاحية اتحاد كرة القدم؛ لأن الأمر يتعلق بسلامة المواطنين العمانيين. لكن القراءات على الواقع أثبتت أن القرار كان صائبًا حفاظًا على سلامتهم، وكلنا يعلم ما يحدث في شغب الملاعب وما يخلفه من ضحايا وتخريب، ولو قارنَّا عدد جمهورنا الذي يعد رقمًا صغيرًا مقارنة بالجمهور العراقي، فلن تتمكن قوات الأمن من توفير الحماية للعمانيين.

خلاصة القول.. لقد جمعت بطولة كأس الخليجي الجماهير الخليجية وشاهدنا كرم أهل البصرة والحفاوة والألفة وحسن الاستقبال، وعلى الرغم من ظروف المباراة النهائية وقيام الجهات العراقية باتخاذ التدابير الاحترازية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فقد تم تخصيص مقاعد للعمانيين على أرضية الملعب مع توفير الحماية، وشاهدنا العمانيين بين الجمهور العراقي، وهو دليل إخاء ومحبة متبادلة.

أثبت اللاعبون رغم كل هذه التحديات، أنهم على قدر المسؤولية في ظل الظروف المحيطة، وتعاملوا مع المباراة بحزم وثقة، وأثبتوا أنهم الفرسان في الميدان، وسيسجل تاريخ الكرة العمانية، مواقفهم مع أشقائهم في الخليج.

تعليق عبر الفيس بوك