مختصون يشيدون بالتجربة الجديدة.. وتحذيرات من جرائم إلكترونية نتيجة سوء الاستخدام

"GPT 3".. هل يتفوّق الذكاء الاصطناعي "المُذهل" على العقل البشري؟

◄ الجعيد: GPT تعتمد على بنية مشابهة للبنية العصبية للدماغ

◄ العلوي: التقنية خطوة مهمة في مسيرة تطور الذكاء الاصطناعي

◄ العجمي: تساعد في تحليل البيانات ووضع الحلول للمشكلات

◄ الشعيلي: التقنية قد تقتل الابتكار إذا تم الاعتماد عليها بشكل كامل

الرؤية- سارة العبرية

أحدثت تقنية GPT3 ثورة جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تسير هذه التقنية نحو عصر مختلف للحصول على المعلومات بشكل دقيق وسريع بعيدًا عن محركات البحث التقليدية، وسط تخوفات من المختصين والباحثين من التعدي على الملكية الفكرية وتغذية التقنية ببيانات خاطئة قد تؤدي لعدم الدقة أو تضليل المستخدمين.

ذكاء اصطناعي (1).jpg
 

وتم إطلاق الجيل الثالث المطور من هذه التقنية باسم "ChatGPT" في نوفمبر 2022 من قبل شركة OpenAI  المؤسسة عام 2015 في سان فرانسيسكو، كبرنامج محادثة ذكي يجيب على تساؤلات المستخدمين في بعض الدول، حيث أشاد المستخدمون بنتائج التقنية المعتمدة على اللغة الإنجليزية وضعف نتائج اللغة العربية.

وطلب الباحثون من روبوت الدردشة كتابة 50 ملخصًا للبحث الطبي استنادا إلى مجموعة مختارة نشرت في JAMA ومجلة نيو إنجلاند الطبية وBMJ وThe Lancet وNature Medicine، وثم قارنوها بالملخصات الأصلية من خلال تشغيلها من خلال كاشف الانتحال وكاشف إخراج الذكاء الاصطناعي، وطلبوا من مجموعة من الباحثين الطبيين اكتشاف الملخصات الملفقة، وكان متوسط درجة الأصالة 100%، مما يشير إلى أنه لم يتم اكتشاف أي سرقة أدبية.

ويقول المهندس أحمد بن عبدالله الجعيد مرشد وخبير سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية وباحث دكتوراه في تقنية سلاسل الكتل (BlockChain) بالمملكة العربية السعودية، إن تعريف Generative Pre-Trained Transformer 3 (GPT3)  يشير إلى قدرة النموذج على إنشاء نص مدرّب مسبقا (Pre-Trained) على مجموعة بيانات كبيرة من النصوص قبل استخدامه لمهمة محددة، مضيفاً أن المحوّل Transformer  يشير إلى نوع هيكلة البناء التي يستخدمها النموذج في معالجة اللغة الطبيعية، حيث تعد المحولات نوعا من الشبكات العصبية المصممة لمعالجة نص الإدخال بطريقة تشبه كيفية فهم البشر للغة.

م. أحمد الجعيد.jpg
 

ويوضح أنَّ تقنية الـGPT تعتبر نموذج تعلّم الآلة وهي من نماذج المحولات التوليدية للمعلومات، مما يعني أنه يمكنه التعلّم وتحسين المهام، وأنه للقيام بذلك يستخدم الشبكات العصبية الاصطناعية (الذكاء الاصطناعي) للانخراط في التعلّم العميق (Deep Machine learning)  وأنَّ هذا يسمح له بتدريب نفسه على ملايين المستندات والكلمات باستخدام شبكات خوارزمية تشبه الدماغ للإجابة على الأسئلة والتزويد بالمعلومات، كما أنه يعمل على تطوير نفسه باستمرار مع السماح للمستخدمين بتقييم صحة معلوماته، لافتاً إلى أن هذا النموذج يعتمد على بناء وتحويل ما يتم إدخاله من بيانات باستخدام اللوغارثميات المدربة مسبقا إلى مخرجات منطقية قادرة على معالجة كميات كبيرة من النصوص وتعلّم أداء المهام ومعالجة اللغة الطبيعية بشكل فعال للغاية.

ويشير الجعيد إلى أن نموذج GPT3 على وجه الخصوص من أكبر الشبكات العصبية ونماذج التنبؤ اللغوي؛ حيث يبلغ حجم المعاملات من نصوص وكلمات التي تعلم عليها 175 مليار وحدة ما بين مستند وكلمة، مما جعله أكبر نموذج لغوي تم تدريبه على الإطلاق بعشرة أضعاف نموذج مايكروسوفت Turning NLG 17 الذي تضمن مليار وحدة.

ويتابع أن طريقة عمل GPT تعتمد على بنية مشابهة للبنية العصبية للدماغ والتي بدورها يكون لها القدرة على البحث والربط والتباين والفهم وتوليد إجابات للأسئلة، ومن هذه النصوص يتعلّم النموذج أداء مهام معالجة اللغة الطبيعية وإنشاء نص متماسك منطقي ومكتوب جيدا، وبمجرد الانتهاء من تدريبه يمكن استخدامه لأداء مجموعة واسعة من المهام، كذلك يمكن استخدام التغذية الراجعة من المستخدمين لتدقيق صحة البيانات وتطويرها، مضيفا أنه يمكن لـ ChatGPT3 إنشاء أي شيء له بنية لغوية مسبقة في النظام باستخدام الذكاء الاصطناعي والإجابة على الأسئلة وكتابة المقالات وتلخيص النصوص الطويلة وترجمة اللغات، وكتابة أكواد لغات البرمجة .

مميزات تقنية GPT3

ويرى المهندس أحمد الجعيد أن  GPT3يتميز بكفاءته العالية وقابليته للتطوير وإمكانية استخدامه في تطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي بتشغيله على مجموعة واسعة من الأنظمة الأساسية لأجهزة الكمبيوتر المحمولة والجوالات الذكية ومجموعات الخوادم واسعة النطاق مما يسهّل استخدامه ونشره في مجموعة متنوعة من التطبيقات .

ويؤكد فهد بن صالح العلوي، مهتم بالتقنية الحديثة، أنَّ GPT3 يشكل خطوة هامة في التقدم التكنولوجي وفي مجال تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يعمل على اللغة الطبيعية، وذلك بتضمين العديد من الخوارزميات الذكية المختلفة، مثل التدريب الذاتي والتشفير الذاتي والتعلم العميق والتعليم التفاعلي وتحديد الخطوة التالية ذاتيًا، والذي بدوره يشجع على تطوير المزيد من التطبيقات الجديدة والمبتكرة في نفس المجال.

فهد العلوي.jpg
 

ويعتبر محمد بن خميس العجمي، متخصص في تقنية المعلومات، أن هذه التقنية سوف تساعد في عملية تحليل البيانات وإعطاء النتائج بشكل سريع ودقيق، وبناء تطبيقات أخرى مبنية على استخدام الذكاء الاصطناعي، ووضع الحلول للمشكلات والتحديات التي تواجه قطاع الأعمال في مختلف المجالات.

مخاطر GPT-3

في ورقة بحثية نشرت بتاريخ 28 مايو 2020 والمقدمة من OpenAI  قام الباحثون بوصف تفصيلي لـ"الآثار الضارة المحتملة لـ GPT-3والتي تتضمن تزويد المستخدمين بمعلومات مضللة، وإرسال وكتابة بريد عشوائي مؤذٍ، وممارسة التصيد الاحتيالي وإساءة استخدام الإجراءات القانونية والحكومية وكتابة المقالات الأكاديمية الاحتيالية.

ويقول الجعيد إن أهم المخاطر المحتملة من هذه التقنية هي التعدي على الملكية الفكرية حيث يتم تدريب ChatGPT على كمية هائلة من البيانات النصية، بما في ذلك الكتب والمقالات والمواد المكتوبة الأخرى، مضيفا أنه إذا كانت بيانات التدريب هذه تتضمن أعمالًا محمية بحقوق الطبع والنشر، فمن المحتمل أن تنتهك نواتج ChatGPT  حقوق الطبع والنشر لهذه الأعمال، وقد يؤدي ذلك إلى اتخاذ إجراء قانوني ضد من يستخدمها، والذي قد يُنظر إليه على أنه يساهم في الانتهاك.

وذكر: "على سبيل المثال في حال عدم الحصول على موافقات أصحاب الحقوق الفكرية من قبل مبتكري هذا البرنامج، يحتمل أن تنتهك الحقوق الفكرية للمؤلفين أو المبرمجين من قبله، وذلك بطلب المستخدمين بحوثا علمية ومقالات أو أكواد برمجة عليها حماية مسبقة واستخدامها بشكل سيئ، كذلك يمكن أن تعطى نفس المعلومات والبيانات لأشخاص متعددين وتستخدم على أنها معدّة من قبلهم بشكل خاص ومن بنات أفكارهم، ثانيًا التحيّز والتمييز من المخاطر القانونية الأخرى لهذه التقنية وقد ينتج عنه محتوى مسيئا أو تشهيريا كنموذج لغوي، لأن ChatGPT  لديه القدرة على إنشاء نص مشابه للمحادثات البشرية، ومع ذلك فهي لا تتمتع بنفس القدرة على فهم سياق أو دلالات الكلمات التي تولدها؛ وإلى الآن غير واضح ما إذا كانت OpenAI  تتبع معيارًا مثل ISO / IEC TR 24027: 2021  لمنع التحيز والتمييز، أم لا".

ويقول إنه من ضمن مخاطر هذه التقنية هو قدرة ChatGPT  على مشاركة البيانات الشخصية مع مستخدميها، وتعني هذه الوظيفة أنها ربما تنتهك معظم قوانين حماية البيانات في العالم، بالإضافة إلى القدرة إنشاء نص محادثة يثير المخاوف وإنشاء الأخبار المزيفة أو المحتوى المضلل، وقد يكون لهذا الأمر أضرار كثيرة.

ويبيّن الجعيد أن الأمور القانونية المرتبطة باستخدام ChatGPT بشكل غير أخلاقي غير واضحة، ولكن من المحتمل أن يواجه مستخدموها إجراءات قانونية إذا كانت أغراضهم مضرة بالأشخاص أو المؤسسات، مشددا على ضرورة معالجة هذه المخاطر لضمان استخدام الشركات والأفراد للتكنولوجيا بشكل أخلاقي وقانوني ومسؤول.

ويلفت فهد العلوي إلى أنَّ تقنية GPT3 كونها مبنية على اللغة والتعلم من مصادر هائلة ومنوعة ومختلفة، فهناك خوف من بعض المخاطر مثل: الإساءة للحقوق الشخصية كنسب حقوق شخصية لشخص آخر، التزوير الذاتي كإنشاء شخصية زائفة وغير حقيقية واستخدامها في جرائم تتعلق بالملكية الفكرية مما يصعب معرفة الشخص الحقيقي، والتغيير الذاتي كتغيير الشخصية الحقيقية للشخص وإنشاء شخصية مشابهة له.

ويوضح محمد العجمي أن المخاوف من سوء استخدام هذه التقنية متعلقة بالأمور الأخلاقية وانتهاك الخصوصية وكذلك حقوق الملكية الفكرية، كاستغلال هذه التقنية في إنشاء بحوث علمية بطريقة غير قانونية، وإنشاء البرمجيات المتعلقة بإنشاء الهجمات الإلكترونية التي قد تتسبب بالكثير من الاختراقات على مستوى أنظمة المؤسسات، ناصحا باستخدام هذا النوع من التقنيات في الجوانب الإيجابية التي تسهل عملية الحصول على النتائج بشكل سريع ودقيق، وتجنب كل ما يسبب الضرر أو يدخل المستخدم في إطار الجريمة الإلكترونية.

محمد العجمي.jpeg
 

مستقبل  ChatGPT

ومن وجهة نظر الدكتور سالم بن حميد الشعيلي، مدير مشاريع الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة بالمركز الوطني للفضاء والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، فإن مستقبل روبوت الدردشة chatgpt  يحظى باهتمام الكثير من المختصين في هذا المجال، بما في ذلك تطوير الذكاء الصناعي للحصول على قدرات عالية تعادل القدرات البشرية، موضحا أن gpt3 يعالج تقريبا 170 مليار وحدة، بينما من المتوقع أن يعالج gpt4  المستقبلي أكثر من 100 تريليون وحدة، وقد يصل إلى مستوى قريب من العقل البشري أو أسرع وأدق.

د. سالم الشعيلي.jpeg
 

ويرى أن محرك Chatgpt يقوم بمعالجة الكلمات والحصول على المعلومة التي يبحث عنها المستخدم وإظهارها بسرعة، دون وجود أي مصدر لها وكأنها من كتابة المستخدم نفسه، في حين أن محرك البحث جوجل يبحث عن المعلومة من مصدرها مع إظهار المصدر وبه المعلومة، وبالتالي فإن المستخدم عند استخدامه للتقنية سيشعر وكأنه يتحاور من إنسان طبيعي آخر مثله، لافتا إلى أن هذا الأمر يقلق إدارة محركات البحث لأن المستخدمين سيعتمدون على هذه التقنيات أكثر من محركات البحث، وسوف يعتمد عليه الكثير من الكتاب والباحثين والصحفيين.

ويذكر الدكتور سالم الشعيلي، أن الشركات العملاقة لا تعتبر مثل هذه التقنيات تهديدا لعملها بل يحاولون دائما تحويل التحدي إلى وسيلة يمكن أن تكون جذب للمستخدمين في وقت واحد، مضيفا: "مايكروسوفت مثلا تخطط لدمج ChatGPT مع جميع منتجاتها وإتاحتها كمنصات للشركات الأخرى للبناء عليه".

ويؤكد الشعيلي أن التقنية سلاح ذو حدين، وينبغي على جميع المستخدمين أن يحسنوا استغلالها، كما أنه من التحديات التي تواجه القطاع التعليمي اعتماد الطلاب على هذه التقنيات مما قد يؤدي إلى قتل الإبداع والابتكار لدى الطلبة.

تعليق عبر الفيس بوك