بين المؤثر والاقتصاد

 

فاطمة الحارثية

التأثير على بعضنا البعض سمة من سمات البشر، ولكن نتفق أن ثمَّة تباين واختلاف وزوايا كثيرة في هذا الميدان، منها الأسباب التي مكنت الفرد من التأثير، كالسلطة الطبيعية مثل الأقرباء، الأبوين، الأصدقاء، والسلطة الاجتماعية مثل المدرسين والأساتذة والمديرين والمسؤولين والقائمين على النظام، وغيرهم، والاستجابة هنا تكون رغبة أو رهبة؛ ويختلف المؤثر عن آخر في أمور كثيرة، فثمة مؤثر محدود التأثير وثمة المحترف والقوي واللامحدود، كل مؤثر له مرحلة ووقت وقدرات ومساحة تسمح له بالتأثير، والأكثر تعقيدا وتميزا هو المؤثر الذي لا يمتلك السلطة بل ولد بالقبول العام والتمكين من الله عزَّ وجلَّ.

العوامل والمناخ الذي يصنع ويشكل المؤثر اتسع في عصرنا، فتعدد المؤثرون على النشأة وعلى عموم الناس، كسلطة المدرس والأستاذ الجامعي والإعلامي ووسائل الإعلام واتسعت رقعة بلوغ الأخبار، وأصبح حال الناس أكثر حساسية بسبب القيل والقال. وإن نظرنا إلى أهلية المؤثر والعوامل التي تحفزه سوف نقع في صدام حقيقي وذهول، فالبعض بصدق ليسوا مؤهلين لأخذ مثل هذا الدور الحساس جدا، فالمؤثر اليوم لا يقتصر تأثيره اجتماعيا فقط، بل نستطيع أن نلمس تأثيره الكبير والعميق على الاقتصاد والأمن والاستقرار؛ وعلى سبيل المثال، عندما أنظر من خارج الدائرة أو لنقل حسب الدارج خارج الصندوق، أرى أن الدولة تتكبد الكثير من المصروفات في سبيل تنمية الشباب، وتقوية قدراتهم وتمكينهم وتعزيز دورهم الحيوي، وحسب ما نعلم أنه من الممكن أن نمكن الشباب حتى قبل بلوغ العشرين من عمرهم، لأن تفاوت القدرات والذكاء أمر نؤمن به، ونوفر الكثير من التكاليف لأنه ينتقل من مرحلة المُستهلك إلى مرحلة المنتج، وهذا إن قدرنا قدراتهم وقمنا بانتقاء المعلمين والأساتذة بأمانة وطرق صحيحة؛ اليوم أرى شابا قد ركب سفينة الإنتاج وهو قد قرب الثلاثين من عمره، أي بعد اثني عشر عاما في المدرسة ثم خمس سنوات قضاها لنيل الشهادة الجامعية وعامين أو أكثر في التدريب لتأهيله للعمل ليتسلم الوظيفة؛ في المقابل نجد أنه في زمن العلم وليس التعليم تقلد أسامة بن زيد قيادة جيش في الثامنة عشرة من عمره، وزيد بن ثابت أصبح كاتبا للوحي في عمر الثلاثة عشر، ومحمد القاسم فتح بلاد السند وكان عمره سبعة عشر، وغيرهم الكثير الكثير.

أما آن لنا أن نأخذ الشباب بجد ونقلل من تكاليف المعاهد والتأهيل وما بعد الجامعة؟ ونختزل الاثني عشر عاما؟ أما آن لنا أن ننتقي المدرسين والأساتذة ونحد من سلطتهم على أبنائنا؟ فهم في هذا الزمن لم يصنعوا لنا رجالا ولا نساء بل شبابا رخوا هشا؛ وأنا لا أجمع هنا ولكن لي أن أقول الكثير منهم يُدمرون أطفالنا وشبابنا، وأنا هنا لا أتحدث عن فراغ بل عن تجارب عشتها مع الكثير من الأطفال والشباب.

التوجهات نحو استثمار مهارات المؤثر، باتت ضرورة مُلحة من أجل الاستفادة من الكثير من الأموال التي تُصرف بسبب ضعف مخرجات التعليم، الحفاظ على التوازن بين حقوق المؤثر وحُسن التوجيه؛ فالمدرس وأساتذة الجامعة عناصر مؤثرة وتأثيرها كبير وعظيم، وأي سوء يبدر منهم يُكلف الدولة الكثير من النفقات ويهدر شباب شبابنا وقوتهم التي نحن في أشد الحاجة لها، ليصعدوا بعمان نحو مصاف الدول وليأخذوا بزمام تنفيذ توجيهات أولي الأمر بالشكل المطلوب والصحيح.

نعم، ربما من أشير إليهم بعضهم من أبناء هذا الوطن أيضًا، لكن جميعنا نقر بأن ثمة المخلصين وثمَّة النرجسيين، وثمة من يستحقون نيل تكلفة الأمانة وسلطة التأثير، لأنهم يزرعون الطيب ويسعون نحو تنمية عمان وخدمتها بإخلاص، وثمة من وجب وضعهم في أعمال أخرى عادية بعيدة عن التأثير لما في النفس البشرية من نفس أماره بالسوء.

ألق...

نحن لن ندوم ولم يُكتب لنا الخلود، فلتتفكر كل نفس بما تأتي وتصنع، ولتتذكر أن دورنا هو ترك المكان أفضل مما وجدناه من أجل أبنائنا وأبناء هذا الوطن فهو الملاذ وهو نعيمنا في الدنيا.