"سيعشب العراق بالمطر"

 

غالية عيسى

عيناك غابتا نخيل ساعة السحر ،

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر.

عيناك حين تبسمان تورق الكروم

وترقص الأضواء كالأقمار في نهر

منذ أن بدأت بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم، وأنا أتابع بصمت وعن كثب، وقد كنت من قبل أتساءل كيف يستطيع العراق أن يستضيف دورة الخليج؟ ونحن نسمع ونرى، حجم الجراح التي يُعاني منها عراقنا العظيم، ونرى امتداد ملح الزمان على عذوبة نهر الفرات.

مرت الأيام الأولى من "كأس الخليج"، والحياة تستجيب للعراق، والمجد يستجيب كذلك.. كيف لا؟ ونحن نتحدث عن حضارة وارفة بالفن واللغة والأدب والجمال. فالشمس تأبى إلا أن تُرسل أشعتها الحانية على الجبال الشامخات، إنها شمس السياب التي ليس مثلها شمس.

في البصرة مازالت النخلات باسقات، كأنوف النَّاس وكبريائهم هناك، طلعها نضيد، كسخاء البلاد وعطائها، مازالت العصافير تغرد، والنوارس البيضاء تهمس في أذن السماء نشيد الحب والسلام والخلود.

وما أنبل الضيوف الذين وطأت أقدامهم أرض العراق، وهم يبررون ذهابهم هناك؛ إنه من أجل مُشاركة منتخباتهم وتشجيعها. وإن كنت أشعر أن هناك غايةً أخرى أكثر عمقا، غاية تكمن في أرواحنا المتآلفة رغم جغرافيا المسافات، وفواصل التاريخ، وشتات الضمير في سياسة صناع الحروب؛ بل إن تلك الغاية نسجها الشوق إلى أرض الرافدين، والرغبة الكامنة- في الدم العربي- بحلم اللقاء الجديد، وسيبقى المؤمنون إخوة، وأن تفرقوا فحبل الله ممدود لمن اعتصموا، ولن تذهب ريحنا بإذن الله؛ بل سنزهو، وسيعطر ريحاننا الأرض والسماء، وإن غدًا لناظره قريب.

نعم، ما زال العراق قبلة العربي، تطوف في فؤاده، تستقيم تارةً وتميل تارةً أخرى على جانبيه وضلوعه الممتدة من المحيط إلى الخليج.

والآن، وقد شارفت بطولة كأس الخليج على الانتهاء، فأنا لا أنتظر نتيجة المباراة الأخيرة، ففوز العراق، هو فوز لعُمان واليمن وكل الخليج.

لقد قرأت ورأيت وسمعت آراء بعض زائري البصرة، في هذه الفترة، وكلهم يتحدثون بإجماع عن كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال، والفرحة التي تقفز حبا في أعين أهل العراق، مهللين مرحبين بضيوف الخليج.

ومن هنا ينتابني سؤال: أما آن للخليج أن يُعانق العراق؟ أما آن الوقت بعد لإضافة مقعدين لليمن والعراق في قمة الخليج؟ أما آن لهما أن يكونا ضمن قائمة دول مجلس التعاون الخليجي؟ ما المانع؟ وما الضرر؟ علام التأجيل.. وإلام الانتظار؟

عراقنا العظيم: ابتسم، فنحن نحبك، ومازالت بغداد بهجتنا، مازالت أجنحتنا العربية ترفرف على "غابتي نخيلك ساعة السحر، على الشرفتين اللتين ما زال ينأى عنهما القمر". ما زلنا نقف على أبواب الرجاء ننتظر البعث والنهوض والمطر:

 سيعشب العراق بالمطر... "

أصيح بالخليج: "يا خليج..

يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والردى!"

فيرجع الصدى

كأنه النشيج:

"يا خليج

يا واهب المحار والردى"

وينثر الخليج من هباته الكثار،

على الرمال، رغوه الأجاج، والمحار

وما تبقى من عظام بائس غريق

من المهاجرين ظل يشرب الردى

من لجة الخليج والقرار،

وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق

من زهرة يربها الفرات بالندى.

وأسمع الصدى

يرن في الخليج

مطر

مطر

مطر".

تعليق عبر الفيس بوك