مرباط.. والوالي الجديد

 

د. عبدالله باحجاج

كنت أخططُ لأن يكون عنوان المقال "مرباط في حقبة اللامركزية"، غير أنني عدلت عنه بتوجيه البوصلة لمُخاطبة إحدى أدوات اللامركزية المباشرة، وهو الوالي بعد التغييرات والإصلاحات الجديدة؛ فالوالي ينبغي الآن أن يُدير بشراكة محلية، مُنتخبة وأهلية مثل "اللجنة الاجتماعية " وكذلك أعضاء منتخبين في مجلسي الشورى والبلدي، ونتمنى إقامة منصة حوارية ثابتة تجمعهم لمناقشة الأولويات داخل كل ولاية، مما يتوسع معه نطاق هذه الشراكة، وتصبح المسؤولية جماعية، خاصة وأن هناك كفاءات محلية في كل المجالات قد أُحيلت للتقاعد وينبغي الاستفادة منها في خدمة ولاياتهم.

هذه الشراكة واجبةٌ الآن، بعد هندسة تدوير الولاة وعدم تسكينهم في ولايات محافظاتهم للكثير من الدواعي أبرزها الحيادية والابتعاد عن الديموغرافيات المحلية وحساسيتها، والمطالبة بالإنجازات التي ينبغي أن تكون ملموسة داخل الولايات.

وعندما نتحدَّث عن ولاية مرباط، فإننا نكون أمام تاريخ مهيب، تشعر بهيبته وجلاله منذ الإطلالة الأولى لها، ولو من بعيد، وعندما تكون في قلبها تشعرك بروحانياتها في كل جوارحك. وعندما نتحدث عن مرباط، تظهر لنا مواقعها السياحية الطبيعية وشواطئها وخلجانها الجميلة. وعندما نتحدث عن مرباط، فإننا نذكر العيون المائية الطبيعية المنتشرة في أرجائها، والمعالم الأثرية المتمثلة في العديد من المباني القديمة المتسمة بالطابع المعماري العربي الإسلامي، كبيتِ سيدوف. ونتحدث كذلك عن القلاع والحصون والأضرحة والمقابر القديمة.

مرباط هي رباط العلم؛ فتاريخها الفكري والثقافي تلمسه بكل جوارحك ووجدانك، عندما تتجول في أحيائها القديمة قبل أن تقرأه في كتب التاريخ، وعندما تفتح كتب التاريخ، سيظهر علماؤها منذ العصور الإسلامية الأولى، ومن ثم ستتساءل كيف جعلنا تراثها العمراني والمعماري وحواريها وأحياءها التاريخية، تصبح أثرًا بعد عين في ظل وجود مؤسسات دولة متخصصة؟

ومرباط لا تبتعدُ عن حاضرة ظفار سوى قرابة 74 كيلومترًا، ويحتضنها من الشمال جبل سمحان، وتطل جنوبًا على بحر العرب، وهاتان الجهتان تشكلان شخصيتها الجغرافية، وتميزها كبقعة جغرافية في إطار امتدادها الجغرافي لمحافظة ظفار، وبهما "البحر والجبل" أسست تاريخها العميق، وأقامت علاقات بحرية مع الدول الشاطئية للمحيط الهندي، وكل زائر أو سائح من داخل البلاد وخارجها تطأ أقدامه حاضرة ظفار- صلالة- يجد نفسه لزامًا عليه زيارة مرباط، كما إن مرباط أصبحت تجذب استثمارات سياحية لإقامة فنادق ضخمة على بحر العرب، وأخرى استثمارات خاصة ونوعية، وستتجه إليها الكثير من مثل هذه الاستثمارات الاستراتيجية على الصعيدين الوطني والأجنبي.

ماذا تحتاج مرباط الآن؟

هذا التساؤل نضعه على طاولة الوالي الجديد؛ لكنني أرى أن تكون من بين الأولويات خطة سريعة لتجميل مرباط واستكمال بنيتها الأساسية من شوارع و"إنترلوك"، والحفاظ على ما تبقى من تراثها المادي، وإقامة حدائق، وتحويل فراغاتها المفتوحة إلى عناصر تشكل لوحات جمالية جاذبة للسياحة الداخلية، وتجعل سكانها وزائريها يعيشون حاضرهم بتفاعلية المستقبل، عوضًا عن حصر فكرهم على الماضي فقط، فكل السيكولوجيات التي تزور مرباط لا ترى فيها سوى حقبها التاريخية السياسية والاقتصادية والإنسانية؛ لذلك تظل مشدودة للماضي بحسرة التفريط في تراثها المادي.. سيكولوجيات لا تلامس الفكر الإبداعي وقدرته التجديدية رغم ملامح الحداثة.

وتنتاب الزائر تلكم المشاعر منذ أن يدخل مرباط التاريخية من جهة البحر؛ فالمشهد العام لبيوتها التاريخية المتهالكة والمتساقطة والآيلة للسقوط التي تنازع البقاء، يجعلك تشعر أنك في زمن مختلف، حاولت توصيف ملامحه فعجزت، أو قد يدخلني في توصيفات قاسية؛ لذلك فإنَّ تطوير وتجميل مدخل الولاية واستكمال بنيتها الأساسية وترميم بيوتها، يمثل أولية نضعها بين يدي الوالي الجديد، الذي ينبغي أن يعمل جاهدًا على إقناع اللامركزية بضرورتها على كل المستويات؛ بما فيها الجانب الإنساني؛ حيث يسكنها الكثير من المواطنين. والجانب الجمالي الذي يجعلها تعيش الحاضر بأمل المستقبل، لا بهواجس الماضي. والجانب الاقتصادي؛ حيث أصبحت من المناطق السياحية الجاذبة.