تحديات المحافظة على القيم

 

سلطان بن ناصر القاسمي

منذ القدم، والمجتمع العماني مُحافظ على عاداته، وتقاليده، وقيمه الأصيلة، وهي له نمط حياة، تربى عليها الإنسان في هذا المجتمع الكريم، وقبل الخوض في حديثنا لابد من ذكر تعريفها، وهي:

 العادات: هي مجموعة أمور اعتدنا على القيام بها منذ الصغر.

أما التقاليد فهي موروثات ثقافية، ورثناها عن الآباء، والأجداد، تؤثر في نشأة الإنسان، كركائز أساسية في التكوين النفسي، والفكري، والعقلي في المجتمعات التي تحكمها الظواهر الاجتماعية، في تكوينها، وهي أمور تتابعها الأجيال، وتلتزم بها، وتتربى عليها دون العلم بأصلها، ويعد التخلي عنها شيئا منتقدا من المجتمع بشكل عام.

أما القيم الإنسانية فهي مجموعة من الأخلاق، والعادات الاجتماعية، والسلوكية، والمبادئ، والمُثل التي ينشأ عليها الفرد منذ نعومة أظفاره، وتستمر معه، وهناك أنواع من القيم الإنسانية، منها القيم الفردية، المرتبطة بالفرد نفسه، والقيم العائلية التي تربى عليها الفرد في عائلته، ومنها القيم المهنية التي ترتبط بعمله، والقيم الوطنية، والقيم الأخلاقية، والقيم الروحية.

وعندما نأتي إلى تعريف العادات، والتقاليد لغويًا فسنراها قد عرفت في كثير من المعاجم العربية على أنَّها نمط من السلوك، أو التصرف المعتاد، يتم فعله مرارا، وتكرارا.

والعادات في اللغة جمع عادة، وتمثل نشاطا بشريا من طقوس، أو تقاليد تستمد عادة من قناعة فكرية.

والمجتمع العماني زاخر بالعادات، والتقاليد، والقيم الإنسانية التي يجب على المجتمع في وقتنا الحاضر أن يُحافظ عليها، وينتبه لها؛ لكثرة انشغال الجيل الحالي بمواقع التواصل، والبرامج التي قد تغيب عنها هذه العادات، والتقاليد، والقيم التي اعتاد عليها المجتمع العماني، وكذلك اختلاف نمط الحياة الآن في المجتمع عن الزمن السابق، ومن الممكن أن ننوه إلى بعضها في الآتي:

أولًا: من العادات الجميلة التي تربى عليها الشعب العماني هي إكرام الضيف، وأجمل من ذلك حينما تجد الأبناء يقومون مقام آبائهم في استقبال الضيوف، وتقديم القهوة العمانية لهم حتى وإن لم يكن آباؤهم موجودين في المنزل مع أخذ العلوم (الأخبار) من الضيف، وهذه عادة تربى عليها الأجيال بشكل عام إلا أن ما نلاحظه الآن هو الانشغال عن هذه القيمة التربوية لدى بعض الشباب، حيث يتم استقبال الضيوف، وبعد السؤال عن آبائهم لا يقدم الشباب الدعوة للضيف بالدخول، متناسيًا هذه العادة على عكس السابق.

وهنا أرجو أن ينتبه الآباء وكبار السن إلى غرس هذه العادة القيمة، والتنبيه عليها؛ لما لها من أهمية كبيرة في بقاء تلك العادة الكريمة، وتعريف الأجيال بها.

ثانيًا: ارتباطا بالنقطة الأولى نشير أيضًا إلى أهمية اصطحاب الأبناء لحضور المناسبات الاجتماعية، والالتزام بذلك، حيث نجد تجاهل ذلك من بعض الأسر، وينتج عن ذلك التجاهل أن الأبناء يقدمون التزاماتهم مع أصدقائهم، وزملائهم على مرافقة كبار السن في المناسبات الاجتماعية.

وهنا أشدد على أهمية غرس هذه العادة القيمة لدى الأبناء؛ لكي تستمر القيمة المعنوية، والاجتماعية لمثل هذه القيم الاجتماعية الطيبة.

ثالثًا: إنَّ من أعظم العادات، والقيم في مجتمعنا أن تجد الأبناء في كل صباح يقبلون رؤوس والديهم؛ لأخذ البركة، والرضا.

فما نلاحظه الآن هو ترك هذه العادة القيمة في كثير من شرائح المجتمع، باستثناء بعضهم بالطبع، وبعيدا عن التعميم، تجد هناك من يتركها، ولا يهتم بها.

رابعًا: احترام مقام الوالد، ومن في حكمه، ومكانته، ومنزلته، لكن يُلاحظ في بعض التجمعات في المناسبات، وغيرها، أنَّ الابن يرمي السلام على الجميع، مرورًا بهم جميعًا، وهناك في التجمع أو في المجلس يوجد والده، أو جده، أو من في مقامهما، ولا يُعير ذلك الأمر اهتماما، وكأنه مرَّ على أحد من أصحابه، أو زملائه.

 

خامسًا: عدم تقدم الوالد، أو من في مقامه في أثناء المشي، وكذلك عدم البدء في تناول الطعام قبله، والانتهاء منه قبل الكبير.

لكننا اليوم نلاحظ تسابق الأبناء في المشي، أو الدخول، أو الخروج من موقع مُعين أمام والديهم، أو من في مقامهم، أو حتى هؤلاء الذين يكبرونهم سنًا. وبالطبع لا أعمم هذا على كل المحافظات في السلطنة، ولكن يتوجب علينا الانتباه إلى مثل ذلك، وغرس ذلك الخلق النبيل في نفوس الأبناء.

سادسًا: لبس الخنجر العماني في المناسبات، والأعياد؛ حيث نلاحظ وجود قلة قليلة من الذين يحافظون على ارتدائها في بعض المحافظات.

وعليه.. إن لم ينتبه الآباء الآن لأبنائهم، فلن تجد تلك العادة الطيبة في قادم الأيام ضمن خياراتهم، ومن القيم الوطنية التي يجب المحافظة عليها هي التمسك بالزي الوطني أينما ذهبت، وتنقلت داخل أو خارج البلد، ونجد التخلي في كثير من المناسبات عن الزي الوطني... فيحب أن نتنبه إلى ذلك؛ لأنه يعتبر من قبيل تمثيل الفرد لأسرته، وبلده، وينقل الصورة الإيجابية التي تليق به كعنصر ضمن الأسرة، أو كمواطن حيث يراه الآخرون.

وعلى سبيل المثال، نجد كثيرا من الشباب يرتدون الملابس الرياضية في أماكن لا يحبب ارتداؤها فيها، وهناك فئة أيضاً منهم يلبسون الملابس المخصصة للنوم عند الذهاب إلى المساجد، أو في المراكز التجارية، والأماكن العامة، ولا ننسى أن المواطن الموفد للدراسة، أو العمل خارج البلاد يؤثر في تشكيل صورة بلاده لدى المجتمع الجديد بالحفاظ على تلك العادات العمانية الكريمة.

وفي أثناء زيارتي الأخيرة لإحدى الدول العربية ما شدني فعلًا هو التزامهم كمُجتمع بالزي الوطني من: كبيرهم، وصغيرهم، ورجالهم ونسائهم، وهذا في حد ذاته يعد مفخرة لهم، وهو من توجهات المجتمع نفسه، ويبدأ تطبيق المحافظة على هذه العادات، وتلك القيم من البيت نفسه، وتأتي لتؤكد ذلك المدارس، والكليات، والجامعات، وتحضرني هنا حادثة من أحد المعلمين الأفاضل الذي يعتبر القدوة الحسنة نراه قد تخلى عن هذه القيم والعادات، حيث كنَّا نحضر إحدى المناسبات، وقدمت لنا القهوة العربية، ومن عاداتنا، وقيمنا أن يتم الإشارة إلى الأخذ من اليمين، أو نبدأ بالأكبر سنًا- كما هو متعارف عليه لدينا في عُمان- إلا أنني أدهشني ذلك التصرف: أنه لا يراعي ما تعلمناه من تلك القيمة، وما درجنا عليه منها.

وهنا لابد من التنويه إلى ذلك، وذكر ما تربينا عليه في هذا المقام.

وهنا أود أن أشير إلى بعض المصطلحات المهمة: مثل الخص، والقص، والنص.

وسأشرح ذلك في الآتي:

القهوة إنما هي (خص)، وهنا يقصد بها أن تخص ذا المقام العالي كالآباء، أو المشايخ، ومن في حكمهم من ذوي المناصب في المجتمع، وإن لم يعرف من هو ذو المقام العالي، حيث يقف مقدم القهوة، ويبدأ في خرخشة الفناجين حتى يقوم أحد الحضور بدلِّه عليه.

أما تقديم الشاي مثلاً، فيقدم (قص) من بداية المجلس، وحتى نهايته.

أما تقديم الذبيحة أو الوليمة فهنا يطلق عليها (نص)، وهنا يقوم المضيف بالكلام للضيف، ويدعوه إلى الوليمة بقوله:" تفضل، هذا واجبك".

وهنا المستضيف قد نصَّ على المضيف بشخصه، ويتبع هذه العادة أن يقوم المضيف بأخذ رأس الذبيحة، ويكسره شكرا، وإجلالا للضيف.

وفي ختام حديثي هذا، علينا كمجتمع عماني أصيل في كل شيء- أن نحافظ على عاداتنا، وتقاليدنا، وأن نغرس قيمنا الإنسانية في أبنائنا، وأن نحافظ على قيمنا الروحية المتمثلة في المحافظة على تعاليم ديننا الحنيف، والمحافظة على تأدية صلواتنا في جماعة، وكذلك المحافظة على احترام من هم أكبر منِّا سنا، وأن نلتزم بارتداء ملابسنا في كل مناسباتنا؛ للحفاظ على هويتنا العمانية.

حفظ الله عُمان، وأهلها، وأبقى لنا عاداتنا، وقيمنا الأصيلة، ورزقنا الحفاظ عليها، والله من وراء القصد، وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل.

تعليق عبر الفيس بوك