غابات الغاف والسدر والمخططات الإسكانيَّة

 

 

محمد بن سعيد الرزيقي

 

حبا الله سبحانه وتعالى أرض عُمان بثروة فريدة في التَّنوُّع البيولوجي؛ فالطبيعة الخلّابة، والمناظر الجذَّابة، والتضاريس الفاتنة والأشجار البرّية، كلها أمور تسرُ النَّاظرين.

وتقف أشجار الغاف والسدر شامخة في عنفوان وإباء، تحكي لنا وللأجيال القادمة محطات رَكب المسافرين، وغدو ورواح المرتحلين، وقصص الغابرين، وسيَر السابقين، الذين استظلوا بظلها، وبنوا تحتها بيوتهم، وآووا إليها أنعامهم؛ فما زالت هذه الأشجار تغدق عليهم بكرمها لتُحجب عنهم وطيس الشمس المحرقة، ولهيب الصيف القائض يومَ كانت الكهرباء بعيدة المنال.

وفي قرية الفالع بولاية قريَّات ما زالت مسميَّات غابات الغاف تسمى بأسماء من استوطنها؛ كديار سلوم، وديار علي، وديار نهَد وغافة الحميدي، وغافة محمد بن سالم، والقائمة تطول. وما تزال غافتان معمّرتان تعيشان في هذه القرية؛ حيث يبلغ ارتفاع كلّ واحدة منهما أكثر 40 مترًا، وعرض جذعها نحو مترين.

وتتميز أشجار الغاف والسدر بمقاومتها للحرارة، والملوحة والعطش، وظلالها الوارفة، وإخضرار أوراقها طول العام، وتعتبر من الأشجار المعمّرة؛ فقد يمتد بها العمر لتعيش مئات السنين، ولا تحتاج إلى رعاية ولا اهتمام ولا سقي؛ فما إن تمد جذورها في باطن الأرض وتصل إلى الماء حتى تترعرع، وتكبر شيئًا فشيئًا.

نعلم أنَّ الحكومة الرشيدة أولت اهتمامًا بالغًا بالأشجار والبيئة عمومًا؛ فمنذ بواكير النهضة الحديثة لعُمان التي قاد مسيرتها المباركة السلطان الراحل قابُوس بن سعيد- طيب الله ثراه- فكان الاهتمام بالبيئة وعناصرها واضحًا، لا يختلف عليه اثنان من خلال سَن القوانين البيئيَّة وإقامة المحميَّات الطبيعيَّة، كما أنَّ رؤية "عُمان 2040" عُنيت بالبيئة المستدامة وجعلتها إحدى ركائزها الرئيسة.

وإنَّ مما يقتضي مراعاته عند التخطيط العمراني غابات أشجار الغاف والسدر واستثنائها من التخطيط؛ فمراعاة هذه الغابات وإخراجها من المخططات الإسكانيَّة وجعلها محميَّات طبيعيَّة أو حدائق وطنيَّة، وتطويرها وإضافة بعض أنواع نباتات البيئة العمانيَّة، ونباتات الزينة الأخرى؛ لهو أمرٌ بالغٌ الأهميَّة من النَّاحيَّة البيئيَّة والجماليَّة والاقتصاديَّة؛ فشجرة واحدة تُعطي كمًا هائلًا من الأكسجين المنعش، وتمتص مقدارًا كبيرًا من التَّلوُّث الهوائي عن طريق عملية التمثيل الغذائي، وتنشر ظلها على مساحة لا بأس بها من الأرض، وتأوي عددًا لا يُحصى من الطُّيور التي تصدح بأصواتها الشجيَّة، وألحانها الندّية.

ويُتداول بين الناس أن من المرتقب الكشف عن مخطط إسكاني في منطقة دغمر بولاية قريَّات خلف قرى الفالع والخوبار، وهذه المنطقة مليئة بغابات أشجار الغاف البكر التي تأوي إليها أنواع مختلفة من الطَّيور، والظباء، وهي المتنفس الطبيعي المتبقي في الولاية بعد أن تم إزالة مئات الهكتارات في مخطط الساحل، ومن هنا نأمل من المختصين بوزارة الإسكان والتخطيط العمراني وهيئة البيئة الوقوف على هذا الإرث البيئي، وحمايته من تأثيرات التخطيط العمراني.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة