مغالطة التوازن

 

أم كلثوم الفارسية

 

إذا أرادت الأفكار أن تفسد حياة إنسان أقنعته بفكرة التوازن!!

الحياة ليست حبلًا في سيرك يسعى المهرج جاهدًا أن يقطعه بتوازن حتى لا يسقط؛ بل حياتنا هي مجموع السقوط والنهوض مرات متتالية!!

نحن في الحياة على عكس رجل السيرك نصل إلى خط النهاية حين نشد على ساق ونرخي أخرى حسب ما يتطلبه موقعنا في الأيام .ربما هذه الحقيقة قد تفسد دهشة العرض ولكنها وسيلة أقرب للواقعية فلا يمكننا النجاح في مجال مُعين إلا إذا منحناه طاقة وجهدا وسعيا مركزا في فترة معينة وذلك لا يتحقق إلا برفض فكرة التوازن ذاتها.

ما يصنع الفارق في حياة الإنسان التركيز الكبير على شيء محدد فترة محددة والعكس صحيح أن قلة التحسن في الحياة مردها إلى التركيز القليل على كل شيء طيلة الوقت.

التوازن وهمٌ؛ بل ونكتة، وإن العيش العادي الخالي من أي نفس للحياة ما هو إلا نتيجة نسخ متكرر لعقليات تبنت مبدأ التوازن في الحياة.. العاديُّون يعتقدون أنَّ التوازن هو الإنجاز الأعظم الذي يؤدون به واجباتهم الحياتية يظنون أنه هو الطريق الوحيد المؤدي للسلام والسعادة!

معنى التوازن الذي يعيشه معظمنا يتقارب من معنى المساواة ونحن ما نحتاجه لحياة أكثر توازنا وأكثر بهجة وأكثر إنجازا هو العدالة ..أي أنك تعطي كل جانب من جوانب حياتك ما يستحقه من جهد واهتمام حتى تتأكد أنك حققت فيه ما تريد مهملا الجوانب الأخرى لفترة مؤقتة ثم تنتقل لجانب آخر ثم آخر وهكذا.

وإن جئت للحق- يا صديقي- فإنَّ التوازن فكرة تحول بينك وبين التغيير الذي تنشده في حياتك.

تخيل معي أنه وصلك خبر أن ما تبقى من حياتك هو ثلاث ساعات فقط فكيف ستعيشها؟هل ستوزع هذه الساعات على كل شيء تشعر أنَّه مهم بالنسبة لك أم أنك ستقضي هذه الثلاث ساعات مركزًا على الهدف الأسمى والأثر الخالد؟

بكل تأكيد ستستأثر هذا الوقت لعمل واحد ولن تفكر في التوازن أبدًا!

جميعنا نعيش حقيقة أن أعمارنا مؤقتة، ولكن تغيب عنَّا هذه الفكرة نغفل عنها؛ فنصرف أعمارنا على كل شيء وأي شيء دون أن نمنح أهم الأشياء فرصتها في التكوُّن والنمو، لهذا تبدو أيامنا رمادية لا ألوان مبهجة، إلا ما ندر؛ فالألوان المبهجة في لوحة أيامك تحتاج جهدا مضاعفا وتركيزا أكبر لتلعب دورها الصحيح وتعطي أثرها المطلوب.

أنت تحرم نفسك جنة حقيقية حين تعيش خدعة التوازن في أهدافك وعلاقاتك لأنَّ النتيجة حياة عادية ونحن نريد أن نُبهِر وأول من يستحق الإبهار هي ذاتنا. ولن تعيش حياة مبهرة إلا إذا تخليت عن فكرة التوازن لأنك في حدود إمكانياتك البشرية لا تستطيع أن تنجح في كل شيء دفعة واحدة بل من العقلاني جدا لتحقق نتائج غير عادية أن تعطي أولوية لمجال مُعين في فترة معينة من حياتك.

إذا حملك فضولك يومًا لتسأل عن سبب ثباتك مكانك سر دون أن تتقدم راجع قناعتك حول فكرة التوازن وحلل ما إذا كانت هذه الفكرة التي تبنيتها بوعي منك أو دون وعي بنسبة كبيرة سيكون الجواب نعم لخدعة التوازن دور كبير في ثباتك وعدم تغيرك لأنك تفقد التركيز والجهد الشمولي لكل شيء لا يساهم في تقدمك على الإطلاق.

وأخيرًا يا صديقي.. هل ما زلت مخدوعا بقناع التوازن الجميل ظاهريًا العدو جدًا تأثيرًا ومفعولًا؟

تعليق عبر الفيس بوك