السلطان المُستنير

◄ منهجيات الإدارة السامية الرشيدة للدولة تترسخ في شتى قطاعات العمل

◄ مسيرة النهضة المتجددة ترتكز على دعائم متينة تقود عُمان نحو التقدم

◄ فلسفة الحُكم في عُمان تقوم على مواجهة الأزمات والعبور منها بسلام

حاتم الطائي

ثلاث سنوات من العمل المُضني والجهود الحثيثة في أولى سنوات الانتقال بعُمان إلى مصاف الدول المُتقدمة، تحت القيادة الفذَّة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- ثلاث سنوات من المُثابرة والكفاح لأجل تحقيق تطلعات المواطنين في كل ربوع الوطن، ستة وثلاثون شهرًا من العمل ليل نهار لإنجاز الآمال التي يصبو لها الجميع.. ومع الاحتفال بالذكرى الثالثة لتولي جلالته- أيده الله- مقاليد الحكم في البلاد في 11 يناير، نستطيع القول بكل يقين أننا ماضون على درب التقدم والازدهار، رغم التحديات والمعوقات، رغم الأزمات الخارجية التي تُلقي بظلالها القاتمة علينا، رغم الحروب والصراعات التي تضُر بالاقتصاد العالمي فنتأثر لأننا جزءٌ منه.. ماضون بكل طاقتنا لأجل خير ونماء وازدهار هذا الوطن المعطاء.

منهجيات الإدارة السامية الرشيدة للدولة والتي يرسخها جلالة السلطان في شتى أمور الدولة والحُكم، تميزت بخصائص وطبائع، تبرهن الفكر المُستنير الذي يتمتع به جلالته- أعزه الله؛ وهذه الخصائص يمكن تلخيصها في: أولًا: البناء على أسس منطقية للوصول إلى النتائج المرجوة، وثانيًا: وضع الحلول الناجعة لا المُؤقتة لضمان النجاح الكامل، وثالثًا: استشراف المستقبل بعين البصر والبصيرة، ورابعًا: مخاطبة المواطن بشفافية وصراحة، ممزوجة بتفاؤل كبير في قدرة هذا الوطن على تخطي التحديات، والوصول إلى النتائج المرجوة.

وبتولي جلالة السلطان مقاليد الحكم في 11 يناير 2020، انطلقت مسيرة النهضة المُتجددة، فأرسى جلالته بحكمته واستنارته ركائز هذا التجدد في شتى قطاعات التنمية، وكانت البداية بإعادة ترتيب الشأن الداخلي، وتجديد الدماء في كل مؤسسات الدولة، ليس فقط على مستوى الأشخاص، لكن أيضًا فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات، وكانت الانطلاقة الحقيقية مع صدور "أبو القوانين" إنِّه النظام الأساسي للدولة الجديد الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 6/ 2021؛ ليكون الارتكاز الصلب الذي من خلاله تنطلق مسيرة الإصلاح الإداري، أو ما أُسمِّيها دائمًا "ثورة التصحيح الإداري"، وأهم ما جرى إرساؤه من قواعد دستورية حاكمة، تلك المُتعلقة بآلية انتقال الحكم، وتأسيس ولاية العهد لأوَّل مرة في عُمان الحديثة، على أسس واضحة تحقق الاستقرار السياسي وتضمن سلاسة انتقال الحكم.

ومرَّت هذه المسيرة الإصلاحية- التي لم تتوقف إلى الآن وستظل مستمرة- بعدة مراحل؛ شملت إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وترشيق الوزارات، فدُمجت وأُلغيت وزارات وهيئات ومؤسسات حكومية، واستُحدثت أخرى، وصدر العديد من القوانين المُنظمة لكثير من الجوانب في الدولة، وكان للقطاع الاقتصادي والاستثماري نصيب الأسد من هذه القوانين، انطلاقًا من الحرص السامي على تهيئة البيئة المواتية لبدء تنفيذ رؤيتنا المستقبلية الطموحة "عُمان 2040"، فالآن نجد قوانين الاستثمار الأجنبي والضرائب وغيرها تتماشى مع التوجهات العالمية، وتستقي بنودها ومضامينها من أفضل الممارسات العالمية. وإلى جانب القوانين، كانت القرارات والاعتمادات للعديد من الخطط والاستراتيجيات التي تتيح لمختلف الوزارات والهيئات في الدولة العمل على بلورة رؤية متكاملة الأركان تسير وفقها نحو السؤدد والمجد، كما يُريد جلالة السلطان.

ومن أبرز مرتكزات الحُكم في عهد النهضة المتجددة لجلالة السلطان، ترسيخ نهج اللامركزية، فقد صدر قانون المحافظات وقانون المجالس البلدية وتعديلاته، لتبدأ مرحلة جديدة من الحكم المحلي تعتمد على مؤسسات الدولة اللامركزية، في تفعيل حقيقي لأداور المحافظين والولاة والمجتمع المحلي، والمجالس البلدية، وما عزز من ذلك تخصيص ميزانية سنوية للمحافظات، فضلاً عن الأوامرالسامية بمنح كل محافظة 20 مليون ريال لتنفيذ مشروعات خدمية وتنموية خلال خطة التنمية الخمسية العاشرة.

وعلى مدى السنوات الثلاثة المنصرمة، استطاعت عُمان بحكمة قائدها أن تتعاطى بحرص شديد مع أزمات عدة؛ على رأسها أزمة كورونا، وأزمة تراجع أسعار النفط نتيجة لانهيار الطلب العالمي في ظل أكبر إغلاق اقتصادي يشهده العالم في التاريخ، ثم أزمة سلاسل التوريد، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وهذه الأزمات مجتمعةً كانت النواة الأولى للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها العالم الآن، وتتجلى بشراسة في معدلات تضخم مرتفعة في كل الاقتصادات، بالتوازي مع أسعار فائدة متزايدة، لا يلوح في الأفق أي خفض لها. وهذه الأزمات ضغطت بشدة على اقتصادنا الوطني، وأثرت سلبًا على معدلات الإنتاج والنمو، وتمثل الأثر الأشد علينا في تراجع الإيرادات لمستويات دفعت الحكومة إلى اتخاذ مجموعة من القرارات والإجراءات لضمان حماية النظام الاقتصادي والمالي من أية تداعيات تنجم عن تلك الأزمات الخارجية. وكانت البداية بالسعي لترشيد الإنفاق العام، من خلال تأجيل تنفيذ عدد من المشروعات غير المستعجلة، وإلغاء الكثير من النفقات التي كانت تثقل كاهل الميزانية العامة للدولة، وفي المقابل العمل على زيادة الإيرادات، وخاصة الإيرادات غير النفطية، واتخاذ إجراءات لتسهيل بيئة الأعمال وجذب المزيد من الاستثمارات. تلى ذلك العمل من أجل السيطرة على العجز المتزايد في ظل تراجع الإيرادات، وذلك من خلال إطلاق برنامج التوازن المالي، والذي تواصل الحكومة الرشيدة تنفيذه رغم تحسن الأوضاع المالية، غير أنَّ الحكمة تقتضي استمرار التنفيذ وفق الرؤى الاستراتيجية التي تسعى للوصول إلى بر الأمان بأقل قدر من الخسائر الاقتصادية. كما أطلقت الحكومة البرنامج الوطني للاستدامة المالية والبرنامج الوطني للتشغيل والبرنامج الوطني للتحول الرقمي، وغيرها من البرامج التنفيذية والرؤى الاستراتيجية التي تضع في مُقدمة أهدافها مصلحة الوطن واستقرار معيشة المواطن.

نتائج الإدارة الرشيدة خلال السنوات الثلاثة الماضية، برهنت على بُعد نظر القيادة الحكيمة، وأثبتت أنَّ عُمان قادرة على الخروج من عنق الزجاجة بسلام، فقد تحسن التصنيف الائتماني للدولة بشهادة جميع وكالات التصنيف العالمية، ونجحنا في السيطرة على الدين العام مع تواصل الجهود ليظل في الحدود الآمنة، وتحقق الفائض المالي بنحو 1.2 مليار ريال، بفضل سياسات الاستدامة المالية، وحافظنا على قوة الريال العُماني أمام الدولار والعملات الأخرى، في وقت تنهار فيه عملات وطنية أخرى من حولنا في المنطقة والعالم، واستطاعت الحكومة توظيف أكثر من 31.3 ألف مواطن ومواطنة في مؤسسات الدولة العامة والخاصة، إلى جانب ما يزيد عن 5460 فرصة تدريب وتأهيل، لمساعدة الخريجين الجدد على الالتحاق بسوق العمل وهم مؤهلون وعلى أعلى مستوى من التنافسية الوظيفية.

هذه الإدارة الرشيدة التي وضع ركائزها جلالة السلطان المُفدى، أكدت أن فلسفة الحُكم في عُمان تقوم على مواجهة الأزمات والعبور منها بأقل قدر من الأضرار، الاقتصادية والاجتماعية، والواقع يؤكد هذه الحقيقة الدامغة، ولننظر إلى دول في الغرب (أوروبا وأمريكا) وكيف أثرت الأزمة الاقتصادية عليهم، فانتشر النهب من المتاجر وتصاعدت وتيرة الجريمة لغرض السرقة، وانهارت شركات؛ بل إنَّ كبرى شركات التكنولوجيا قررت تسريح عشرات الآلاف من موظفيها في 2022 فقط، في حين أن توقعات الاقتصاد العالمي لهذه الدولة أكثر قتامة في 2023.

ويبقى القول.. إنَّ مسيرة التحديث والتطوير التي يقودها باقتدار جلالة السلطان المعظم- أعزه الله- تتواصل بتلاحم الشعب مع القيادة، وبتضافر جهود مؤسسات الدولة، والسنوات القليلة المُقبلة ستشهد ازدهارًا اقتصاديًا بمشيئة الله، لأنَّ عُمان تنعم بفكر سامٍ مستنير، يخط الاستراتيجيات الطموحة لأنَّ "الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة".