"التزييف العميق".. خطر يداهم المصداقية وينصب الفخ لوسائل الإعلام

نشر الأخبار "المزيفة" يفقد الجماهير ثقتهم في المؤسسات الصحفية

تدريب الصحفيين على التقنيات الحديثة يساهم في الحد من انتشار الشائعات

الهوتي: على الصحفيين عدم التسابق لنشر الأخبار قبل التأكد من مصداقيتها

البادي: لن نتمكن من التمييز بين الحقيقي والمزيف في السنوات المقبلة

العجمي: التقليل من المحتوى الشخصي على الإنترنت يضعف جودة التزييف العميق

نصر: وسائل الإعلام المتمكنة لا تقع فريسة للتزييف

عصمت: يمكن كشف تزييف الحقيقة من خلال نفس التقنيات المستخدمة في صنعها

 

الرؤية- فيصل السعدي

قبل أيام انتشر أحد مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم؛ إذ يُظهر الكعبة المُشرفة في مكة المكرمة تتساقط عليها الثلوج الكثيفة، وبدأت بعض المؤسسات الصحفية في تناقل الخبر وتداول المقطع المصور، ليتضح بعد ذلك أن الفيديو غير حقيقي وتمت معالجته بمؤثرات بصرية، لتقع هذه المؤسسات في حرج شديد يجعلها ملزمة فيما بعد بالتحقق من صحة ما يتداول عبر منصات التواصل الاجتماعي واستخدام الأدوات التي تساهم في تمييز المزيّف من الحقيقي قبل النشر.

 ويوضح حسن بن علي العجمي، استشاري أمن معلومات وإدارة كوارث، أن التزييف العميق عبارة عن عملية تعتمد على الذكاء الصناعي لتحرير وتعديل وخلق مقاطع مرئية أو مسموعة تبدو مشابهة تمامًا للواقع، حيث يعتمد الأمر على كمية البيانات المتوفرة للمزيّف وعلى تقنية تدعى "الشبكات التوليدية التنافسية"، والتي تقوم بالتحليل والتعلم من المحتوى المتوفر للأشخاص، لتخلق مرئيات مشابهة تمامًا لكنها غير حقيقية، وهو ما يعرف بمصطلح "deepfakes".

حسن العجمي.jfif
 

 ويرى أن المخاطر المرتبطة بالتزييف العميق كثيرة ومختلفة المستويات، فيمكن للمزيف أن يخلق مشاكل يصعب تداركها ويجهل المجتمع حقيقتها، وقد يتضرر منها أفراد أو مؤسسات أو حتى دول بسبب التضليل ونشر المعلومات والبيانات المغلوطة من خلال الصوت أو الفيديو، حيث يمكن للتزييف العميق أن يتلاعب بالرأي العام اعتماداً على أحداث ومعلومات مفبركة تشبه الحقيقة، بهدف زعزعة الأمن أو تلفيق أدلة في قضايا حساسة.

ويبيّن العجمي أنه يمكن معرفة الفيديوهات المزيفة من خلال تغيير شكل وتأثير الإضاءة ولون بشرة الشخص وملامحه التي تتغير أثناء الفيديو، بالإضافة إلى عدم تطابق لغة الجسد مع الصوت مع التركيز على حركة العين والرموش، أو التشوه في المحاذاة بين خلفية الفيديو ووجه وجسم الشخص، مضيفا: "بعض أنواع التزييف قد يصعب اكتشافها خاصة إذا اعتمدت على تقنيات ذكاء صناعي متطورة".

ويشير إلى أن تقصي الحقيقة والحصول على المعلومة من مصدرها الرسمي يحد من انتشار الشائعات، ناصحًا: "علينا التقليل من المحتوى الشخصي المنشور على الإنترنت، وهذا ما يقلل من جودة التزييف العميق للمستخدمين، حيث إنَّ كثرة المحتوى ترفع من جودة المادة المنشورة غير الحقيقية وتساعد في خلق فيديوهات أكثر دقة في التزييف".

ويعتبر سالم البادي، مهندس تقني، أن تزييف الحقيقة وانتشار الشائعات التي صنعت باستخدام وسائل تقنية متطورة، أمر خطير لأن مثل هذه الأمور تلقى رواجا كبيرا لأنها تكون أقرب للحقيقة وتوقع المستخدم في فخ "التزييف العميق"، مضيفا: "في الوقت الحالي يمكننا كشف الفيديو الحقيقي من المزيّف لأن هذه التقنيات المستخدمة في التزييف لم تصل بعد إلى النضج الكافي، ولكن مع تقدم الذكاء الاصطناعي والتحسن الكبير في المعالجات وفي غضون السنوات العشر القادمة قد لا نكون قادرين على التمييز ما بين الحقيقي والمزيف، لأننا سنفقد الثقة في كل ما هو مرئي وصوتي، في ظل وجود حواسيب متصلة بخدمات سحابية مدفوعة والتي توفر كفاءات قادرة لصنع تزييف عميق عالي الجودة".

سالم البادي.jpeg
 

ويؤكد أنه لا يمكن السيطرة على عمليات "التزييف" إلا بتجريم استخدام التقنيات بهدف ترويج الشائعات أو تشويه سمعة الأشخاص، موضحًا أنه على الرغم من سلبيات هذا الأمر إلا أنه يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الجانب الإيجابي لتعزيز قدرات الأجيال الناشئة.

ويقول الإعلامي يوسف الهوتي، إن التزييف العميق يؤثر سلبا على مصداقية الصحفي والإعلامي في ظل تشابك المعلومات، ودخول غير المتخصصين للعمل في المجال الإعلامي، مؤكداً أنه على الإعلاميين توخي الحذر وعدم الانسياق خلف ما يتم ترويجه عبر منصات التواصل الاجتماعي أو إعادة نشره حتى لا تفقد مصداقيتهم لدى المتابعين.

يوسف الهوتي.jpg
 

ويبيّن أن الإعلامي هو خط الدفاع الأول عن الوطن والمبادئ والقيم وهو المصدر الرئيسي والموثوق للمعلومات، ولذلك عليه أن يكون عند مستوى المسؤولية وعدم التسابق مع الآخرين بغية السبق الصحفي دون التأكد من المعلومة قبل نشرها، لأن مثل هذه الأمور تسبب خللا في المجتمع وتفقده المصداقية في المؤسسات الإعلامية.

ويشدد الهوتي على ضرورة الاستفادة من التقنيات المتوفرة لدى كافة المؤسسات الإعلامية، ومن الأشخاص المتخصصين في مجال الفيديو والصور، للتأكد من مصداقية المادة المتداولة، واستخدام وسائل البحث والتقصي المتوفرة للوصول إلى الحقيقة قبل النشر، وتدريب الصحفيين على وسائل التحقق من الصور والمشاهد عبر البرامج المتوفرة داخل أجهزة التواصل نفسها وخاصة الهواتف الذكية، وكيفية التعامل مع الفيديوهات المتداولة في فضاء مواقع التواصل الإجتماعي، مقترحا: "على المؤسسات الصحفية والإعلامية الاستفادة من قدرات الشباب الذين يتقنون فن كشف التزييف العميق، وتنبيه الصحفيين إلى كل ما هو مزيف من معلومات وصور وفيديوهات، لتجنيب المجتمع الجوانب السلبية والإحباط من خلال بث معلومات غير دقيقة قد تأتي من خارج الحدود ولها دوافع شريرة تصل لدرجة الابتزاز المباشر".

ويذكر الدكتور حسني نصر، أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة السلطان قابوس، أن  الفيديوهات الكاذبة تكون أوسع انتشارا وتأثيرا على مصداقية الإعلام، معتبرا أن التزييف العميق لا تقع فيه وسائل الإعلام الراسخة مثل الشبكات التلفزيونية ووكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية الكبيرة والصحف المهنية، لأنها تمتلك وسائل وبرامج كشف الحقيقي من المزيف.

ويضيف: "هناك مشكلات كبيرة قد تحدث في حالة نشر مواد التزييف العميق وقد تكون سبباً في وقوع حروب بين الدول في حالة الإساءة إلى زعيم دولة ما أو شخصية هامة، وعلى مستوى الأفراد يمكن أن يؤدي التزييف إلى مشكلات اجتماعية كثيرة، الأمر الذي يستوجب وجود برنامج فلترة للحد من التلاعب الذي توجده التقنيات الحديثة، كما يجب توفير برامج كشف التزييف العميق داخل غرف الأخبار وتدريب الإعلاميين على التعامل الصحيح مع برامج تسهل كشف الشائعات، حتى لا تقع المؤسسات الإعلامية ضحية لمثل هذه الممارسات".

ويصرح أحمد عصمت، استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي، أن التزييف العميق يؤثر بشكل سلبي على مصداقية الإعلام لأن هذه التقنية تستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي ممزوجة بتقنيات DivX السينمائية، وهذا ما يرفع من جودة المحتوى المنشور وعدم التشكيك بتزييفه، لافتًا إلى أن التقنيات التي تستخدم لتزييف الحقيقة، هي نفسها التي يُمكن من خلالها كشف هذا التزييف

أحمد عصمت.jfif
 

ويتابع أن الصحفي يحتاج لبناء صورة ذهنية نقدية تساعده في كيفية التعامل مع هذا التحدي المستمر من قبل التزييف العميق، وذلك من خلال دورات التدريب ليكون لديه خبرة ووعي لمواجهة الشائعات وتزييف الحقيقة.

تعليق عبر الفيس بوك