وماذا بعد إلغاء النيابات والمراكز الإدارية؟

 

علي بن سالم كفيتان

حظيتْ محافظة ظفار بنصيبِ الأسد من قرار إلغاء النيابات والمراكز الإدارية، وهنا لا أُنصِّبُ نفسي مدافعًا عن القرار أو مُعترضًا عليه، لكنني أقدمُ قراءةَ المحايد ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، ولقد استوقفني تاريخ القرار الذي لا يبعُد سوى بضعة أشهر عن صدور المرسوم السلطاني السامي رقم (36/ 2022) بإصدار نظام المحافظات، والذي بموجبه رُفعت نيابتين إلى مستوى ولاية، وحوى الكثير من الأمور التنظيمية المهمة لشؤون المحافظات. وهنا يكمن التساؤل الأهم: ما معيار إنشاء المراكز الإدارية والنيابات والولايات؟ هل يعتمد القرار على الواقع السكاني أم الجغرافي أم غير ذلك؟

قد تتغير الظروف ويصبح ما هو مهم وحتمي بالأمس غير ذي جدوى اليوم، وهذا هو ديدن التغيير وسنة الله في الكون، ولا يمكن تقييد التغيير بناءً على مُسبِّبات لم تعد فاعلةً على الواقع، وفي ذات الوقت لا يمكن تقبل إحداث تغيير جوهري دون معايير حاكمة، وإن حدث ذلك، فإنّه يفتح أبوابًا كثيرةً للتكهنات؛ لذلك كُنَّا نتوقع من وزارة الداخلية إصدار دليل لكيفية إنشاء وإلغاء مؤسسات الحكم المحلي، وفق أسس تعتمد على مؤشرات السكان والجغرافيا والأهمية الاقتصادية والسياسية، وغيرها، فنحن في عصرِ الحوكمة التي تتطلب وجود معايير ثابتة وقابلة للقياس لأي إجراء يتم اتخاذه، وإذا كان هذا الأمر قائمًا ومعمولًا به، يجب أن لا يُحجب عن العامة؛ فاليوم الكثير من سكان محافظة ظفار- وخاصةً المناطق الريفية- يتساءلون عن السبب الذي أدى إلى إلغاء جميع نيابات الجبل، من طوي أعتير شرقًا وحتى طيطام غربًا؟

إنَّ إعادة هيكلة مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار ليكون مكتب محافظ ظفار حاليًا، مرت عبر 3 محطات مهمة؛ الأولى: دمج المديرية العامة للمياه مع شركة ظفار للخدمات المدمجة منذ عدة سنوات، وخلف هذا الدمج حوالي 400 موظف لا ينتمون للمؤسستين؛ فالشركة رفضت استيعابهم، والمحافظ يرى في المرسوم براءة لذمة المحافظة منهم. والمحطة الثانية: صدور هيكلة محافظة ظفار والتي بموجبها تم إلغاء ثلاث مديريات عامة هي (الشؤون المحلية- شؤون الولايات- المشاريع والصيانة)، والتي لا يقل عدد الموظفين فيها عن العدد المذكور في المحطة الأولى، وتداركًا لذلك أصدر صاحب السُّمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، قرارات تسيير أعمال لتلك الهياكل الملغية. أما المحطة الثالثة، والتي نأمل أن تكون الأخيرة فتمثلت في إلغاء عدد من النيابات والمراكز الإدارية؛ وبذلك يمكننا القول إن حوالى 1000 موظف تابعين لمحافظة ظفار أصبحوا دون مرجعية إدارية، وتعتريهم الدهشة والحيرة ويتساءلون عن مصيرهم القادم.

لا يمكن إغفال الأهمية الديموغرافية لولايات تعد هي الأعلى من حيث عدد السكان في المحافظة، بينما تُشكِّل ولاية صلالة ثاني أكبر ولاية في السلطنة من حيث التعداد السكاني. وفي الوقت الذي كان البعض يأمل تنمية وتطوير النيابات والمراكز الإدارية لتصبح نوايا مدن ومراكز جذب واستقرار للسكان، جاء القرار الأخير بإلغائها، دون إيجاد البديل، ولربما كان البديل أفضل، إذ صُنِّف ذلك النطاق كمنطقة بيئية خاصة، تُقنن فيها استخدامات الأراضي وفق الحاجة الفعلية حفاظًا على البيئة، وعلى المقومات السياحة الواعدة التي تتمتع بها، مع الحفاظ على حقوق السكان المحليين القاطنين فيها بشكل دائم، وتنمية مواردهم وتغير نمط العيش التقليدي إلى نمط مُنتِج يقود للاستقرار والرفاه الاجتماعي، ولا شك أن حكومة صاحب الجلالة- حفظه الله- ترمي إلى ذلك من أول يوم في العهد المتجدد.

يظل هناك هاجس لا يخلو من العاطفة المقبولة أحيانًا، فكيف لأجيال نمت وترعرعت لخمسين عامًا في كنف تلك النيابات والمراكز الإدارية أن تستوعب التغيير؟ وهل ستتحول تلك المراكز والمباني إلى مناطق للاستثمار السياحي، بحيث تصبح روافدَ اقتصادية للمحافظة وفق رؤية تطوير وتنمية المحافظات، والاستفادة من الموازنات الممنوحة لظفار، داخل إطار تلك النيابات والمراكز المُلغاة؟ أم إنها قد تتعرض للإهمال وتصبح أثرًا بعد عين؟

قبل الختام.. يجوب تساؤل منطقي في الأفق: هل يعني إلغاء النيابات تحويل ملف الإسكان الريفي لجهة أخرى رسميًا؟ وبذلك يُسدل الستار عن منظومة- رغم ثغراتها- ظلت محافظةً على نسبة كبيرة من الأراضي التي تخضَرُ سنويًا وتجذب آلاف السائحين، ما المصير القادم لجبال ظفار وسكانها؟ وماذا بعد إلغاء النيابات والمراكز الإدارية؟ نتوقع من وزارة الداخلية الموقرة تنوير المجتمع بإجابات على هذه التساؤلات التي تشغل بال المواطنين.. وحفظ الله بلادي.