الإطار العالمي الجديد للتنوع البيولوجي (2- 4)

 

التوقيت والطموحات

د. محمد بن ناصر اليحيائي **

تشير تقارير الأمم المتحدة المبنية على دراسات من شتى أنحاء العالم إلى أن 25% من الكائنات الحية النباتية والحيوانية التي خضعت للتقييم مهددة بالانقراض، وذلك يعني أن مليون نوع يواجه الفناء من على وجه الأرض خلال العقود المقبلة، إذا لم تتوقف ممارسات الإنسان غير المستدامة.

وتنتمي الأنواع المرصودة في قوائم الكائنات المهددة بالانقراض إلى البرمائيات والشعاب المرجانية وأسماك القرش وأقارب أسماك القرش والثدييات البحرية والكثير من أنواع الحشرات والفقاريات الأرضية والمياه العذبة والبحرية واللافقاريات والنباتات. كما إن هناك انخفاض بنسبة 20 في المائة في متوسط وفرة الأنواع المحلية في معظم المناطق الأحيائية الرئيسية بالعالم. وكل هذه التهديدات ليست وهمية، فهناك للأسف كائنات تنتمي إلى الثدييات والطيور والنباتات انقرضت والقائمة تطول مع الوقت. كما أننا ربما فقدنا وسنفقد كائنات حيَّة لم نعرفها بعد.  

وإذا نظرنا إلى التغييرات الجذرية التي أحدثها البشر بالكوكب فإننا لا نستغرب من وجود قوائم طويلة من الكائنات المًنقرضة وتلك التي تقع تحت تهديد الانقراض. فقد فقدت أو تدهورت الموائل الأرضية العالمية بنسبة 30 في المائة.  كما إن 75 في المائة من البيئة الأرضية و66 في المائة من البيئات البحرية قد تغيرت بشدة بفعل الأنشطة البشرية، و85 في المائة من الأراضي الرطبة الموجودة في عام 1700 فقدت بحلول عام 2000. وانخفضت المؤشرات العالمية لنطاق النظام البيئي وحالته بنسبة 47 في المائة مع استمرار انخفاض العديد منها بنسبة 4 في المائة على الأقل كل عقد. هذا النطاق الحيوي يتدهور بسبب توسعنا في استغلال البيئات الطبيعية من دون تمييز وبطريقة غير مستدامة. واستهلاكنا للموارد الطبيعية لا يبدو أن له حدود.  فهنالك 60 مليار طن من الموارد المتجددة وغير المتجددة المستخرجة على مستوى العالم كل عام، بزيادة تقارب 100 في المائة منذ عام 1980. وازداد الاستهلاك العالمي للفرد من المواد بنسبة 15 في المائة منذ عام 1980.

حتى من وجهة نظر اقتصادية بحتة، لا توجد حكمة في تدمير موائل البيئات الطبيعية من أجل الاقتصاد، وأن استنزاف مواردنا الناتجة عن التنوع البيولوجي هي نظرة قصيرة المدى. ويتضمن تقرير للبنك الدولي- نُشر عام 2021- تذكيرًا بأن انهيار خدمات النظم البيئية التي تقدمها الطبيعة مثل التلقيح الطبيعي عن طريق الحشرات وتوفير الغذاء من مصايد الأسماك البحرية والأخشاب من الغابات الأصلية وغيرها- يمكن أن يؤدي إلى انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمقدار 2.7 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2030. ولذلك فإنَّ الحفاظ على الطبيعة والحفاظ على خدماتها أمر بالغ الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادي.

لا يساور الشك أحدٌ في أنَّ هناك حاجة عاجلة لبذل جهود متضافرة لوقف هذا النزيف، وربما هذا هو التوقيت المناسب لحشد الجهود؛ فلم يعد التدهور في التنوع البيولوجي أمرًا مطروحاً للناقش في الدوائر العلمية وأروقة المنظمات المعنية بالحفاظ على الطبيعة وحسب؛ بل أصبح واقعًا يراه النَّاس بحسرة في شتى بقاع العالم. وأصبحت صور الأقمار الصناعية المتوفرة للجميع عبر تطبيقات ومواقع إلكترونية عديدة تظهر التغير الحزين في وجه الأرض البهي.

الغابات الطبيعية التي تأوي الكثير من الكائنات ومنذ ملايين السنين أصبحت جرداء أو حولت إلى حقول زراعية بممارسات ملوثة أو مناطق صناعية وطرق تقطع أوصال الموائل الطبيعية. وأصبح الناس يفتقدون البيئات التي هي هبة من الله وما تحتويه من حيوانات وطيور وزواحف. كما إن المزارعين يشتكون من تدهور خصوبة التربة التي أنهكتها المبيدات والأسمدة الكيميائية وجرفت كائناتها الحية الدقيقة التي تدعم نمو النبات.

وفي البحار أصبح الصيادون يشتكون من قلة الوفرة في المصائد وحتى الغواصون في أعماق البحر يرون التدهور المستمر في الشعب المرجانية. ولذلك فنحن لا نحتاج إلى المزيد من الوقت لكي ندرك جميعًا أن علينا التحرك وبشكل عاجل. وأن نتوقف عن التفكير بأن الأرض يمكن أن تقدم المزيد من التنازلات أمام عدم اكتراثنا.

** خبير الموارد الوراثية بمركز عُمان للموارد الوراثية الحيوانية والنباتية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة