عامٌ جديدٌ بكل حبٍ وتفاؤلٍ

 

هناء حسين مسعود السكاكري

"تفاءلوا بالخير تجدوه".. ما أجملها من كلمة وما أروعها من عبارة؛ لأنَّ التفاؤل فن تصنعه النفوس الواثقة بفرج الله، فمن عرف باب الأمل لا يعرف كلمة المستحيل، ومن عرف حقيقة ربه لم يتوقع إلا الجميل.. إنِّه القائل "أنا عند ظن عبدي بي" (حديث قدسي).

نهاية العام هي حصاد للأعمال، وهي مراجعة أحداث الماضي والتعلم منها أنها بالفعل مدرسة لكل من أراد النجاح في المستقبل.

ما أسرع الأيام فهي تمضي عجالًا تسابقنا وتأخذ من أعمارنا ونحن في غفلة عنها أنها نهاية السنة، يستيقظ الإنسان منها ويعيد شريط ذكرياته فيها متأثرا بما مرَّ عليه.

لقد انتهى عام 2022 بحلوه ومره وترك لنا سجلًا من الذكريات لا نقول عام الفشل والنجاح واليأس والأمل، لكنه كان مكتظا بالمواجهات والتحديات الصعبة ونستطيع أن نقول إنه كان أفضل من العام الذي سبقه والذي سبقه أيضًا.

وبعيدًا عن المخاوف الطبية، وما ذكر من توقعات لانتشار فيروسات جديدة، والتي جرى تداولها، فإن ظهور هذه المخاوف في هذا التوقيت، يثير أشجانا وأحزانا وهموما، رسخها فيروس كورونا، ورافقت الناس منذ ظهوره قبل ثلاثة أعوام، وتحولت فيها حياة كثيرين منهم إلى سجن كبير؛ بسبب ما حدث لهم، كما فقد خلالها كثيرون أيضًا أحبائهم، وبظهور الإشاعات، بدأ الناس في بقاع العالم المختلفة التصدي، وتعزيز كل تلك الاحتجاجات، فكرة أن الناس قد ضاقت ذرعا، بكل ما يتعلق بكورونا، من تدابير لتقييد الحركة وأن فاجعة كورونا رسخت في العقول مخاوف قد تبدو بلا نهاية؛ ولكن القادم أفضل بإذن الله. ففي ظل هذه الأجواء القاتمة، فإنَّ الأمر لا يخلو من أصوات متفائلة، توحي بالأمل، وقدمت الأبحاث حول اللقاحات المضادة للفيروسات لعمل اللازم مسبقا، وبعون الله لا نحتاج إلى كل هذا في العام الجديد.

وكان من المتوقع ظهور توقعات بضعف الفيروس وانحساره وقد لا تكون السلالات المتحورة شديدة ويتحول الفيروس إلى فيروس تنفسي سائد كما يقال يتعامل معه الإنسان وستنتهي الجائحة عندئذ ويرجع الوضع طبيعيا تماما وتعود الحياة أجمل مما كانت. وبانتهاء الكورونا وما عقبها من القلق والصعوبات يتنفس الناس الصعداء قليلا مستبشرين بقرب نهاية مأساة كورونا وتعود الحياة الطبيعية في غضون عام بعون الله.

وإن كانت سنة 2022، مليئة بالأحداث والتساؤلات، لكنها أيضا كانت مليئة بالأحباب والتجارب، حتى وإن كانت التجارب على قدر من الصعوبة إلا أنها صنعت من الألم الأمل وصنعت من المستحيل إرادة وعزيمة وكل ما هو ممكن، هنا ولدت حكايات وقصص ومواقف، هنا صنعت لنفسك مدرسة من نوع آخر، مدرسة مختلفة، تجبرك على احترام روحك وعدم التفريط والمبالغة في العلاقات حتى لأعز الناس إليك، تجنباً للعدوى، هنا وجدت أناسا تقوّم الخطأ بالتدريج حتى تصل إلى الصلاح والهداية، هنا بنيت فكرك على قيم مهمة جدا، وهنا أيضاً تحملت وتعلمت الصبر والمحبة المطلقة لروحك، فقدرتها حق قدرها وتوصلت لقيمتها بعدما أدركت في الأعوام السابقة عدد الوفيات يومياً الذي كان يقارب عشرات الآلاف ولربما مئات الآلاف أيضاً، وكما قال الدكتور مصطفى محمود: "إنه لو كانت الأشياء المادية أهم من الأشياء المعنوية، لما دفن الجسد في الأرض وصعدت الروح إلى السماء".

ولنستعد لعام جديد وقلوبنا يغمرها الأمل في حياة جديدة هنيئة على مشارف عام 2023، ولو نظر كلا منا إلى مرآة منزله ولو دقق كل واحد في وجهه جيداً وتدبر، وبسؤال كل واحد نفسه، هل قمنا بالتغيير المطلوب للوصول لأفضل صورة ممكنة من حياتنا؟، هل أنا راضٍ عن نفسي الآن وقبل الولوج إلى عام جديد قد يتضمن صعوبات وتغييرات أخرى؟، هل أنا قادر على مواجهة تحديدات جديدة ومعرفة أشخاص جدد؟

كل هذه الأسئلة تبث بداخلنا اليقظة والوعي وتعمل على تجديد طاقات قوية لتشغيل محركات العقل والروح ليصل للإجابة عن هذه الأسئلة بشكل منطقي وسلس عليك فقط أن تجدد عزيمتك مع انتهاء العام لتبدأ العام الجديد بجد واجتهاد لتحقيق أهدافك، وكن متفائلا؛ ولا تنقل ما لا يستحق أن يكون معك في عامك الجديد؛ لأنك ستشهد أحداثًا جديدة، ولا تفكر بآلام الماضي؛ فالسنة تمضي تلو الأخرى والبعض قد حقق شيئًا والبعض الآخر لم يصل فلابد أن تدرك أن الأهداف قريبة وليست بالمستحيل.

ثق دائمًا أن الله سبحانه وتعالى وحده من يدفع النقم ويسبغ النعم ويزيل الهم ويكشف الغم ويسمع النداء ويجيب الدعاء وهو سبحانه أعدل من حكم، وأجود من سُئل وأوسع من أعطى إن مسنا الضر أو ضاقت بنا الحيل فلن يخيب لنا في ربنا أمل، فالتفاؤل من الإيمان ويعمق الثقة بالنفس ويحفز على النشاط والعمل وهذه كلها عناصر لا غنى عنها لتحقيق النجاح.

وكتاب الله الحكيم يدعو للتفاؤل وقد ذكرت الكثير من الآيات الكريمة "سيجعل الله بعد عسرٍ يسرًا" وأيضًا حتى المذنبين يدعوهم ليتفاءلوا بمغفرة الله لهم "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله"، وأنبياء الله أيضًا كانوا متفائلين جميعهم وكان نبينا الكريم يتفاءل بالكلمة الطيبة والاسم الحسن والهيئة الحسنة حتى في المرض يتفاءل "لا تسبوا الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد" ولعل ما أهمنا يذهب خطايانا ويجدد قوانا وتعلمنا دروسا مما سبق لنا غير بناء حياة البشرية وأعادها من جديد.

تفاءلوا مع بداية العام الجديد ليذهب الألم وينبثق الأمل ولتروا جمال الحياة ورونقها فإنه لايراه إلا المتفائلون وأختم كلماتي بدعوة للجميع بالتفاؤل "تفاءلوا بالخير تجدوه".

ولتجعلوا من حاضركم واحة من السعادة ومن مستقبلكم حديقة من الأمل لتحقيق النجاح

اللهم اجعلها نهاية كل ألم وضيق واجعلها سنة فرح وسعادة وخير لكل البشرية وكل عام والجميع بألف خير.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك