غياب "العدالة" في مشاركة المنتخبات بـ"المونديال".. وأوروبا تظفر بنصيب الأسد على حساب القارات الأخرى

 

◄ التوزيع المتفاوت بين القارات يفتقد للمعايير الموضوعية

◄ تنافس 54 منتخبًا أوروبيًا على 13 مقعدًا و54 منتخبًا أفريقيًا على 5 مقاعد فقط!

◄ إيطاليا المتوّجة باللقب لم تتمكن من المشاركة في آخر نسختين

 

الرؤية- وليد الخفيف

لم يتطور نظام تصفيات كأس العالم منذ زمن بعيد، وهو نظام يتعارض مع العدالة والمساواة التي يجب أن تتحقق بين جميع القارات لضمان تأهل أفضل المنتخبات والارتقاء بمستوى المسابقة، فتصنيف الفيفا يؤخذ به في بعض القارات ولا يعتد به في قارات أخرى. ولذلك، فإن هذا النظام لم يعد متوافقا مع المرحلة الجديدة، وعلى الرغم من زيادة عدد المنتخبات بدءا من النسخة المقبلة إلى 48 منتخبا، إلا أن الهدف ليس تحقيق العدالة بين القارات وإنما الربح المادي والتسويقي.

ففي النسخة الأولى من المونديال عام 1930 بالأوروجواي، وجه الاتحاد الدولي لكرة القدم الدعوة إلى جميع المنتخبات، لكن لم يشارك إلا 13 منتخبا فقط، 7 من أمريكا الجنوبية و4 من أوروبا و2 من أمريكا الشمالية، وكان سبب غياب الكثير من المنتخبات هو بعد المسافة وارتفاع تكلفة السفر وبدائية وسائل النقل في ذلك الوقت.

وفي مطلع الخمسينيات لم يعرف نظام التصفيات المؤهلة لكأس العالم العدالة، فطبق نظام دمج القارات، ولعبت أسبانيا مثلا أمام المغرب ومصر أمام فلسطين رغم انتمائهما لقارتين مختلفتين. وفي منتصف الخمسينيات بدأ تطبيق النظام القاري بحدوده الجغرافية، وحددت مقاعد لكل قارة بشكل متفاوت، دون أن يخضع ذلك لمعايير واضحة أو معلنة، واستحوذت أوروبا على النصيب الأكبر تزامنا مع زيادة عدد المنتخبات المتأهلة للنهائيات من 16 منتخبا ثم 24 وصولا لـ32 منتخبا، لينتظر العالم زيادة المنتخبات إلى 48 منتخبا في نسخة 2026 التي تستضيفها 3 دول لأول مرة في تاريخ المونديال.

واستمر النظام القاري الذي يفتقد لأبجديات العدالة بين القارات، حتى أصبح نظاما لا يجرؤ أحد على المطالبة بتغييره أو الدعوة لذكرالمعايير وراء ذلك. وافتقد نظام التصفيات المعمول به حتى مونديال قطر 2022 للعدالة وشفافية التوزيع وتأثره بسلبيات عدة منها أنه لا قيمة لتصنيف الفيفا إلا في حالات معينة، مثل ما يحدث في أفريقيا عند تقسيم المنتخبات في الدور النهائي فقط، أما في بقية القارات فلا قيمة لتصنيف الفيفا، كما أنه لا قيمة للبطولة القارية فبطل القارة لا يحظى بأي امتياز إضافي، والدليل أن مصر فازت 3 مرات متتالية بكأس أمم افريقيا دون أن يشفع ذلك لتأهلها لنهائيات لكأس العالم.

ومن ضمن مظاهر غياب العدالة، تبدد آمال فرق عريقة للمشاركة في المونديال على الرغم من تتويجها باللقب في نسخ سابقة وتفوقها في التصنيف، فلم تتمكن إيطاليا في آخر نسختين من التأهل فالتصفيات الحالية تائهة بين الأقوى والأعرق. كما لم يتأهل أقوى 32 منتخبا لنهائيات كأس العالم الأخيرة في قطر، والدليل أن هناك منتخبات من أصحاب التصنيف الأعلى لم تتأهل وتأهلت منتخبات أبعد في تصنيفها من المركز الـ32.

ويعد تطبيق كل اتحاد قاري لنظام تصفيات مختلف، صورة من صور عدم تكافؤ الفرص، فمن العدالة تنفيذ نظام واحد لأن كل الاتحادات القارية تتبع الفيفا وتنفذ تعليماتها، ولا يمكنها الخروج عن النص إلا إذا كان ذلك بتوجيه من الفيفا لخدمة قارة على حساب أخرى. وتقف علامات الاستفهام أمام اختلاف العدد المحدد لكل قارة في نهائيات كأس العالم، دون أن تخضع تلك الأرقام لمعايير أو نظام واضح، فبنظام الـ32 منتخبا الذي انتهى بنسخة قطر حيث يتنافس 54 منتخبا أوروبيا على 13 مقعد، ويتنافس 54 منتخبا أفريقيا على 5 مقاعد فقط، أما آسيا فتشارك بـ46 منتخبا يصعد منهم 4 ونصف في الملحق، و10 منتخبات من أمريكا الجنوبية يتأهل منهم 4 ونصف في الملحق، و35 منتخبا من الكونكاكاف يتأهل منهم 3 ونصف في الملحق، بينما يتنافس 11 منتخبا في أوقيانوسيا على نصف مقعد في الملحق، فالتوزيع المتفاوت يفتقد للمنطق والعدالة تزامنا مع غياب المعايير المعلنة.

وبات الاتحاد الدولي الفيفا بحاجة للبحث عن نظام عادل يطبق على جميع القارات يضمن تأهل الأفضل، ووضع معايير لإعداد المنتخبات من كل قارة كنسبة وتناسب بين المقاعد وعدد المنتخبات في كل قارة. ولم يتوقف افتقاد النظام الحالي للعدالة عن حد تفاوت العدد بين القارات فحسب، بل إن الملحق المؤهل للمونديال يبدو غائم المشهد، فالملحق مثلا يجمع قاراتين معا مثل تنافس الأمريكيتين على بطاقة، أو أوقيانوسيا وآسيا، أما أوروبا فلها ملحق بمفردها دون أن تنافسها قارة أخرى، فلماذا لا تدخل أوروبا في ملحق مع قارة أخرى لاسيما وأن حدث ذلك سابقا عندما خاضت إيران الملحق مع أيرلندا ولكن النظام الحالي لا يسمح بذلك.

ولا يفيد التصنيف العالمي المنتخبات الأوروبية، فعلى سبيل المثال جاءت إيطاليا والبرتغال في مجموعة واحدة كما في التصفيات الأخيرة، بغض النظر عن خسارة إيطاليا من مقدونيا الشمالية، فقد خرج منتخب من المصنفين العشر الأوائل. ومن ضمن الأسئلة التي يجب أن تطرح: كيف تسمح الفيفا بتطبيق نظامين مختلفين في حساب الأهداف في التصفيات؟!، فقارة أوروبا ألغت نظام أفضلية الهدف في ملعب المنافس بينما يظل مطبقا في أفريقيا، فلو كان النظام المعمول به متساويًا بين القارتين لما خسرت الجزائر من الكاميرون وتم اللجوء لركلات الترجيح لحسم بطاقة التأهل، كذلك الحال في مباراة مصر والجزائر حين أقيمت بينهما مباراة فاصلة في السودان.

وعلى الرغم من زيادة عدد المنتخبات المشاركة في نهائيات النسخة القادمة إلى 46 منتخبا، فإن الفيفا لا يقصد تحقيق العدالة والتكافؤ بين القارات، وإنما يأتي الهدف من ذلك الربح التسويقي والمالي وفقط.

يشار إلى أن كونجرس الاتحاد الدولي لكرة القدم، وافق في 9 مايو الماضي على زيادة حصة كل قارة في المونديال المقبل بنسب معينة، فمن المقترح حصول آسيا على 8 مقاعد ونصف بدلا من حصتها الماضية 4 ونصف، وأفريقيا  على 9 مقاعد ونصف بدلا من 5 مقاعد، وحصول أوروبا على 16 مقعدا بدلا من 13، وأمريكا الجنوبية على 6 مقاعد ونصف بدلا من حصتها الحالية 4 ونصف، وأمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي على 6 مقاعد ونصف بدلا من 3 ونصف، وسيحصل اتحاد أوقيانوسيا على مقعد ونصف بدلا من نصف مقعد.

ورغم زيادة عدد المقاعد إلا أن سوء التوزيع مازال قائما حال اعتماده بشكل نهائي، فلم يحقق التوزيع المزمع تطبيقه العادلة بين القارات ولم يخضع لمعايير نسبة عدد المنتخبات في القارة وعدد المقاعد، ولم يعطى تصنيف الفيفا أهمية تزامنا مع البقاء على اللوائح التنظيمية المختلفة من قارة لأخرى بسحب اتحادها القاري، رغم أن كل الاتحاد ينضوي تحت مظلة الفيفا.

تعليق عبر الفيس بوك