ميزانية الأمل

حاتم الطائي

في هذا التوقيت من كل عام نترقب جميعًا، مواطنون ومسؤولون، الإعلان عن تفاصيل الميزانية العامة للدولة للسنة المالية الجديدة، وعادة ما تكشف وزارة المالية في بيانها المالي الأوَّلي عن أبرز ملامح وتقديرات هذه الميزانية، ورغم أننا وخلال السنوات الأخيرة نُعاني من تحديات مالية واقتصادية، غير أنَّه في كل عام تحمل الميزانية بُشريات الأمل والطموح في غدٍ أكثر إشرقًا تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- الذي يولي الملف الاقتصادي أولوية قصوى، باعتبار أنَّ التنمية الاقتصادية هي العمود الفقري لكل صنوف التنمية الأخرى؛ الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية والرياضية، وغيرها.

وميزانية 2023 تحمل في طياتها الأمل بتجاوز التحديات التي تُواجهها الحكومة بكل شفافية ومهنية، فقد نجحت الحكومة في سداد جزء كبير من الدين العام خلال السنوات القليلة الماضية، وفي عام 2022 استطاعت الدولة أن تُسدد نحو 1.1 مليار ريال من فوائد الديون، الأمر الذي ساهم في خفض الدين العام من نحو 70% من إجمالي الناتج المحلي ليصل إلى قرابة 43% من الناتج المحلي في 2022. ولا شك أنَّ هذا إنجاز يُحسب للحكومة في قُدرتها على إدارة ملف الدين العام، في ظل عجز مُتزايد خلال السنوات الأخيرة، ولكن وبفضل ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنتاج أيضًا، إلى جانب نجاح برنامج التوازن المالي، تمكنت السلطنة من تحقيق وفورات مالية جيدة؛ حيث حققت الميزانية العامة للدولة لعام 2022 نحو 1.2 مليار ريال فائضًا ماليًا بنهاية أكتوبر الماضي، وهو ما يعني أنه بحلول ديسمبر 2022 ستحقق الميزانية رقمًا أكبر من ذلك.

الأرقام التي نشرتها وزارة المالية تؤكد أنها تواصل سياساتها المالية الحكيمة، استلهامًا للنهج السامي القاضي بضرورة الاستمرار في ترشيد النفقات غير الضرورية، مع السعي لتعزيز الإيرادات العامة للدولة، وخاصة الإيرادات غير النفطية، والتي حققت ازدهارًا بنسبة نمو وصلت إلى 42.3% في أكتوبر الماضي، مُسجلةً 11.8 مليار ريال، مقارنة مع 8.3 مليار ريال في 2021، ولا شك أنَّ هذه قفزة كبيرة تساعد في خفض الدين العام والتوسع في بعض جوانب الإنفاق، لا سيما الإنفاق على الخدمات الاجتماعية وبرامج الدعم الحكومي، والتي تصل في الميزانية الجديدة إلى نحو 1.8 مليار ريال، وهو رقم كبير يساعد في توفير العيش الكريم للفئات المستحقة من المواطنين.

تقديرات الميزانية العامة للدولة لعام 2023، تُشير إلى توقعات بتحقيق إيرادات تبلغ 11 مليارًا و650 مليون ريال عُماني، في حين يصل الإنفاق العام إلى 12 مليارًا و950 مليون ريال. لكن هذه الأرقام استندت على سعر معياري لبرميل النفط- وهو أساس تحديد الإيرادات والإنفاق- عند مستوى 55 دولارًا، بزيادة 5 دولارات عن ميزانية 2022، وهو استمرار للنهج التحفظي في وضع تقديرات الميزانية، تحسبًا لأية أزمات اقتصادية قد يشهدها الاقتصاد العالمي، بما يُؤثر على أسعار النفط، وقد اختبرنا ذلك في أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها أزمة النفط الصخري، وأزمة كورونا، والآن أزمة الركود الاقتصادي العالمي، وغيرها.

غير أنَّ ثمّة مؤشرات تُؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنَّ الحكومة عند إعدادها للميزانية العامة للدولة، وضعت عدة اعتبارات لمراعاة المواطن، أولًا: الحرص على التخفيف عن كاهل المواطن تبعات الأزمات الاقتصادية العالمية وتأثيراتها المحلية، من خلال تخصيص مبالغ للإنفاق على دعم السلع الأساسية والخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه. ثانيًا: التوسع في المشاريع الإنمائية بتكلفة تتجاوز 2 مليار ريال، تتضمن إنشاء 57 مدرسة جديدة وعددا من مشاريع السدود والمراكز الصحية وميناء للصيد ومبانٍ خدمية. ثالثًا: ضخ استثمارات بنحو 1.9 مليار ريال من جهاز الاستثمار العماني في صورة مشاريع جديدة أو توسعة مشاريع قائمة؛ الأمر الذي سيُسهم في توفير إيرادات للدولة وانتعاش الحركة الاقتصادية، فضلًا عن توفير المزيد من فرص العمل.

ويبقى القول.. إنَّ مساعي حكومة صاحب الجلالة السُّلطان المُعظم- أيده الله- لتحقيق رخاء واستقرار المُواطن، جلية وواضحة للعيان، وهي متواصلة على الرغم من التحديات المالية والاقتصادية، لكنّها تؤتي ثمارها بفضل القرارات الحكيمة التي يُسديها جلالته، والتنفيذ المُحكم من أعضاء الحكومة، ويظل على المواطن مسؤولية الحفاظ على المكتسبات والمنجزات، كي ينعم الجميع بهذا أجيالا تلو أجيال.