مختصون يشددون على أهمية استعادة دور السبلة الاجتماعي لمواجهة الثقافات والأفكار غير البنّاءة

السبلة العُمانية.. نبعُ القيم الأصيلة ومنارة الأخلاق الفاضلة

الوردي: تغيُّر طبوغرافية المدن العُمانية صاحبه تغيُّر في ثقافة المواطنين

الشماخي: السبلة تسهم في غرس الأخلاق الحميدة بنفوس النشء والشباب

البادي: دور مؤثر لوسائل الإعلام في الارتقاء بأخلاق الشباب

الشملي: تفعيل دور السبلة يُكسِب الشباب العادات الحميدة

البلوشي: التطور التكنولوجي المتسارع يُحتّم على المجتمع التكاتف لمواجهة المُتغيرات

الشماخية: إحياء دور السبلة ضرورة لمواجهة مساعي هدم الثوابت

الزعابي: انحسار دور السبلة يُضعف التماسك الاجتماعي.. ونحتاج لوقفة جادة

الرؤية- ناصر العبري

عَرفَ المجتمع العُماني منذ القدم طريقه نحو التربية الذاتية لأبنائه، وكيفية احتوائهم في محيط اجتماعي يرتكز على القيم والأخلاق، وفي مقدمة ذلك السبلة العُمانية، التي تحولت من كونها مُلتقى لأفراد القبيلة، إلى مجلس اجتماعي يُسهم في تربية النشء وتعويدهم على القيم الأصيلة.

وأكد إعلاميون ومواطنون أهمية استعادة دور السبلة في تعزيز القيم الأصيلة في نفوس النشء، في ظل ما يموج به العالم من حولنا من مُتغيرات وما يُستجد من أفكارٍ دخيلة نتيجة تداخل الشعوب والثقافات وانعدام الحدود والفوارق بين الأمم، في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة. ودعوا كذلك إلى ترسيخ قيمة السبلة العمانية وما تسهم به من أدوار اجتماعية من خلال تضمين ذلك في المناهج الدراسية في مختلف الصفوف، وتعويد الأطفال على القيم الأصيلة والعادات القويمة.

 

تنمية المجتمع

ويقول ناصر بن حميد بن ناصر الوردي رجل أعمال وناشط اجتماعي إنَّ للسبلة العمانية والمجالس العامة دورًا كبيرًا في حياة الفرد والمجتمع؛ حيث إن استخدامها لم يكن يحصر في مناسبات الأفراح والأتراح، وإنمَّا تعدت ذلك لتشمل كافة مناحي الحياة اليومية للفرد والأسرة في شتى المجالات الدينية والتربوية والاجتماعية والشبابية. ويضيف أنه في عصرنا الحالي ونظرًا لما شهدته الأسر والمجتمعات من تغير كبير، وتطور سريع في وتيرة الحياة اليومية، وبسبب التقدم التكنولوجي والتقني والإعلامي وتداخل الثقافات والشعوب، تغيَّرت معها الكثير من المفاهيم الاجتماعية والقيم الأصيلة والعادات النبيلة والأعراف العمانية، وقد شمل ذلك دور السبلة أو المجلس ومكانتها الريادية؛ سواء كانت داخل الأسرة أو المجتمع المحلي. ويشير إلى أن طبوغرافية المدن والقرى العمانية تغيرت كذلك، وصاحبها تغير في ثقافة الإنسان العماني وفكره وأساليب حياته وسبل معيشته؛ الأمر الذي أدى إلى تغيُّر في تصميم المرافق العامة بالمدن والقرى، وتبدُّل بعض مكونات المنازل؛ حيث تعددت الأدوار وصغرت البيوت وتقلصت المرافق، وكان المتضرر الأكبر من كل تلك التغيرات هي السبل والمجالس العامة.

ويمضي يقول إن بعض البيوت والشقق السكنية خلت من المجالس أو دُمجت مع بعض المرافق الأخرى، وهذا التغيير أثر على تنشئة الأبناء وتربيتهم، وعلى غرس القيم والمفاهيم والعادات والأعراف؛ الأمر الذي انعكس سلبًا على تكوين الهوية والثقافة والفكر لدى الناشئة في كافة المجالات الدينية والتربوية والاجتماعية والوطنية، وجعل الشباب في صراع مع ذواتهم وأنفسهم حول الأصالة والحداثة وبين الهوية والعصرنة والتغريب؛ مما أفقدهم الكثير من السمات والصفات والقدرات والمهارات التي كان يتمتع بها آباؤهم وأجدادهم؛ الأمر الذي جعلهم يتأثرون بمن حولهم بكل سهولة ويسر وينقادون خلف الأفكار الدخيلة والثقافة الهشة.

وحول الدور الذي يمكن أن تقوم به الأسر والمدارس في المراحل الأساسية من غرس القيم والمبادئ الإسلامية، يقول الوردي إن للأسرة والمدرسة دورًا كبيرًا في تنشئة الأبناء وتربيتهم وصقلها وإعدادهم للمستقبل، وجعلهم مفيدين لأنفسهم وأسرهم ومجتمعهم، فهما وجهين لعملة واحدة إذا اختل أحدهما تأثر دور الاخر؛ فالأسرة الواعية وخصوصا المتعلمة ستربي أطفالا أسوياء وتنشئتهم تنشئة صحيحة وستعمل على توفير كافة الاحتياجات الأساسية والمتطلبات العصرية لهم.

عادات أصيلة

ويقول خليفة بن محمد الشماخي إنه منذ مئات السنين انفرد المجتمع العماني وترعرع على الكثير من القيم والعادات والتقاليد العمانية التي تأصلت في جذوره منذ الأزل، ونشأ عليها ونقلها الى الأجيال المتلاحقة والتي كان لها الأثر البالغ في المحافظة على القيم والمبادئ الحميدة والتسامح والتصالح والمحبة والتكاتف، وهي صفات حثنا عليها الإسلام وأمرنا بها المولى عزَّ وجلَّ.

ويضيف أن السبلة العمانية المنتشرة في القرى وبطون الأودية وفي السهول والجبال وفي كل بقعة من أرض عمان الغالية أسهمت بدور كبير في الارتقاء بالجوانب التربوية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وكان للسبلة العمانية أثر كبير في غرس القيم الإسلامية والمبادئ الحميدة والسمحة، فضلاً عن تعزيز التعاون والتكاتف ونشر أعمال الخير والبر؛ وهي صفاتٌ اتصف وحافظ عليها الآباء والأجداد منذ القدم، وكان الأثر الكبير في تماسك الأسرة الواحدة أو القبيلة الواحدة أو القرية الواحدة، وساهمت في حل الكثير من الخلافات المجتمعية والتمسك بالقيم النبيلة والسلوك الحسن.

ويشير الشماخي إلى أن السبلة العمانية قديمًا أو ما تسمى بالمجالس العامة في وقتنا الحاضر لعبت دورًا مهمًا في تطور المجتمع في الكثير من الأمور، خاصة في الوقت الحالي، والتي قد تكون غائبة عن الأذهان لدى الشباب وتحتاج لتذكيرهم وتوجههم وتعلمهم مبادئ الأخلاق الحميدة والتوجيه السليم. ويشدد على أنه كان للسبلة دور كبير في نفوس أبناء المجتمع العماني ساهمت في غرس القيم وتربى الناشئة على العديد من العادات الحميدة؛ نتيجة اختلاطهم ببعض في مكان واحد أو اختلاط الصغار بالكبار وتعليمهم القيم المثلى في الحياة اليومية.

ويضيف الشماخي أن المغفور له- بإذن الله تعالى- السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أكد أننا في هذا البلد ولله الحمد والمنة فُطرنا على التسامح وحسن المعاملة ونبذ الأحقاد ودرء الفتن، والتمسك بالأعراف والقيم القائمة على الإخاء والتعاون والمحبة بين الجميع، مؤكدًا في هذا السياق أهمية مواصلة غرس هذه السجايا الحميدة والقيم الرفيعة في نفوس النشء منذ نعومة أظفارهم.

مجالس جامعة

ويقول الكاتب الصحفي سالم بن نجيم البادي إن لغياب دور السبلة العمانية آثارًا سلبيةً كثيرة في نفوس الناشئة، فقد كانت تعد مدرسة في تعلم الدين والقيم والعادات والتقاليد العمانية الأصيلة وكيفية التعامل مع الناس حسب أعمارهم ومراكزهم الاجتماعية وصلة الأرحام ومساعدة الآخرين والنخوة والشجاعة ومكارم الأخلاق واستقبال الضيوف وتعلم طريقة الجلوس والحديث وصب القهوة وتناول الطعام وأخذ العلوم والأخبار والإنصات إلى القصص والحكايات وسيرة الأجداد وتراثهم ومعرفة الحرام والحلال والعيب مع وجود المطوع عادة في هذه المجالس والآن توجد مجالس في كل مكان في عمان وعلى أهل الاختصاص والشيوخ والرشداء والأسرة الاعتناء بها.

ويحث البادي الأبناء على حضور هذه المجالس وتخصيص أوقات لجلوس كبار السن مع الشباب، كما يمكن أن تتضمن مناهج التدريس المزيد من القيم في حصص التربية الإسلامية أو المهارات الحياتية واستغلال حصة النشاط واستضافة كبار السن في المدارس لنقل خبراتهم للطلبة.

ويشير البادي إلى أن للإعلام دور مهم في التذكير بدور السبلة العمانية في تربية الناشئة لأن الوضع خطير إذا ترك الأبناء لمواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث عالم من الوهم والضياع الأخلاقي وإهدار الوقت الطويل في تصفح هذه المواقع حد الإدمان، وهي التي حلت محل السبلة العمانية، وهذا أدى الى النفور من العادات والتقاليد عند بعض الناشئة وترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها والانشغال عن معالي الأمور، وقلّ الاهتمام بالوالدين ومساعدتهم في الأعمال المختلفة. ويرى أنه قد يمر وقت طويل دون زيارة الأقارب (الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة) وغير ذلك من السلوكيات السلبية، بسبب غياب دور السبلة الاجتماعي، وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الأمل ما زال باقيًا في أن يتمسك الشباب بهذه القيم الأصيلة والعادات الحميدة، كما هو الحال في بعض العائلات.

الأخلاق الفاضلة

ويقول المحامي حميد بن مسعود الشملي إن السبلة العمانية وعلى مر التاريخ أسهمت بدور مهم في تعزيز القيم الإسلامية وتربية النشء على الأخلاق الفاضلة فكان الأب يصحب أبناءه للسبلة لمجالسة أهالي البلدة؛ فيكتسب الابن قيم التواضع واحترام الكبير وتوقير الصغير وكذلك اكتساب العادات العمانية الأصلية، مشيرًا إلى أنه مع التطور الكبير الذي يشهده العالم- وعُمان جزء منه- تراجع دور السبلة العمانية، وهنا يأتي دور الأسرة لتعليم الأبناء القيم الحميدة والعادات العمانية الأصلية مثل إكرام الضيف وغيرها من العادات. ويدعو الشملي الأهالي في كل قرية وحي إلى عادة تنشيط وتفعيل السبلة؛ لما لها من أهمية في اكتساب العادات الحميدة وتعليم النشء القيم الإسلامية والعادات العمانية الأصيلة التي تربى عليها الآباء والأجداد.

ويقول الدكتور يوسف بن عوض البلوشي (دكتوراه في التربية) إنَّ التربية العملية التكاملية بين الأسرة والمدرسة تسهم إلى جانب السبلة العمانية، بدور في توجيه سلوك الشباب وتقويمه. ويضيف أنه في الماضي كان الشاب يجالس كبار السن في السبلة ويستمع إلى الطريقة التي يدور فيها الحوار بينهم، ويتعلم منهم فن التواصل مع الآخرين بمختلف مستوياتهم المجتمعية، كما كان يحضر تدريبًا مباشرًا في طرق حل المشكلات المتنوعة التي كانت تُعرض في السبلة للتعامل معها. ويذكر أن السبلة كانت تساهم في اكتساب العادات والتقاليد، وتهذِّب الأخلاق، وتوجِّه السلوك، لكن مع التطور التكنولوجي العالمي المتسارع والثورة الكبيرة في مجال الاتصالات الرقمية كان لذلك تأثير كبير على طبيعة الحياة الاجتماعية، وطبيعة التواصل بين أفراد المجتمع في مختلف المستويات، كما هذا كان له أثره على دور السبلة الذي كانت تؤديه في المجتمع. وأشار إلى ظهور أساليب حديثة في التواصل وظهر ما يمسى بوسائط التواصل الاجتماعي التي طغت على أساليب التواصل التي كان متعارف عليها، وجعلت الشاب يستبدل عمليات التواصل المجتمعية السابقة الحقيقية بعمليات تواصل جديدة افتراضية في معظمها مع أشخاص قد يكونوا مجهولين له أو بشخصيات متنكرة لا يعلم حقيقة أفكارهم وتوجهاتهم؛ الأمر الذي أدى إلى ظهور سلوكيات جديدة وأفكار غريبة مخالفة لهوية المجتمع وثوابته.

ويضيف البلوشي أنه صار لِزامًا أن يظهر في المجتمع ما يحل بديلًا عن نظام السبلة السابق من أجل الحفاظ على الهوية والتوجهات، داعيًا الأسر إلى أهمية احتضان الأبناء في مختلف مراحلهم العمرية، وأن تعمل باستمرار على غرس القيم الإسلامية والعادات والتقاليد المجتمعية في نفوس الأبناء، وتوجه سلوكهم التوجيه الإيجابي وتعمق فيهم الأخلاق الحسنة التي سيتعاملون بها داخل الأسرة ومع أبناء مجتمعه.

الأدوار التعليمية

ويُبيّن البلوشي أنه عند وصول الابن إلى سن الدراسة ينبغي تكامل الجهود التربوية بين الأسرة والمدرسة؛ فالمدرسة مطالبة كذلك- إضافة إلى دورها التعليمي- بالقيام بواجبها التربوي، وينبغي أن يحرص المعلمون داخل الغرفة الصفية على سبر سلوكات الطلبة وأفكارهم وتفحص التغيرات المتسارعة المؤثرة عليهم للعمل الجاد على إعادة توجيه تلك الأفكار إلى طريقها الصحيح.

ويشدد البلوشي على أهمية تنظيم الفعاليات والمناشط المدرسية الهادفة إلى الحفاظ على الهوية الثقافية، داعيًا أولياء الأمور الذين يُحمِّلون المدرسة المسؤولية عن السلوكات الصادرة من أبنائهم، إلى إعادة النظر والتفكُّر في دورهم التربوي تجاه أبنائهم، وكذلك حثهم على الاطلاع على المستجدات التربوية وطرق التعامل مع الأبناء في ظل التغيرات الحديثة؛ حفاظًا على تماسك الأسرة وبناء طرق تواصل إيجابية مع الأبناء؛ الأمر الذي يسهل لهم تربيتهم تربية إيجابية.

وتقول جوخة بنت علي الشماخية الأكاديمية والكاتبة والناشطة الاجتماعية إن السبلة العمانية مجلسٌ تقليديٌ معروف في المجتمع العماني منذ القدم، ذو طابع معماري تراثي، يلتقي فيه الرجال من أبناء القرية أو القبيلة أو الحي الواحد لمُناقشة شؤونهم وقضاياهم، والتشاور في الأمور التي تخصّهم، فيتبادلون الأحاديث والرأي والفكر، من أجل اتخاذ قرارات مدروسة ومُتفق عليها، السبلة أيضًا مكان لالتقاء الناس في المناسبات الاجتماعية المختلفة، كالعزاء وعقد القِران والزواج والأعياد، وكذلك لإحياء بعض المناسبات الدينية، كالمولد النبوي والإسراء والمعراج، كما يتم فيها معرفة الأخبار والإصلاح بين المتخاصمين.

وتضيف الشماخية أن دور السبلة العمانية لا يقتصر على ذلك؛ بل لطالما قامت بدور تربوي وتعليمي؛ حيث كانت تُعقد فيها حلقات العلم، والمحاضرات الإرشادية والاجتماعية، وفيها يُستقبل الوفود والضيوف القادمون من خارج القرية، أو من قبائل أخرى، أثناء هذه الممارسات يتعلم النشء القيم الدينية، وينهلون التقاليد والعادات الأصيلة، فعلى سبيل المثال، يتعلمون كيف يُحيّون الضيوف، ويستقبلونهم بعبارات ترحيبية مناسبة، كما يتم توجيههم إلى الطريقة الصحيحة لتقديم القهوة والضيافة، حيث من المتعارف عليه، أن القهوة بداية تُقدّم للكبير عمرًا أو مكانة، وأن دلّة القهوة تُمسك باليد اليسرى والفنجان باليد اليمنى، كما يتعلمون أهمية احترام مَنْ هم أكبر منهم سنّا أثناء الحديث والحوار.

وتشير إلى أنَّه من الملاحظ أن السبلة في وقتنا الحاضر لم تعد تقوم بدورها المعهود، حيث تقلّص دورها التربوي والاجتماعي، إذ أصبحت مجرد مكان يجتمع فيه الناس في مناسباتهم الاجتماعية، ربما أحد الأسباب وراء ذلك وجود مؤسسات أخرى تقوم بالتربية، وكذلك بسبب انشغال الناس وتغيّر اهتماماتهم، وفقاً للمتغيرات والمؤثرات المحيطة بهم، شأنهم شأن أي مجتمع آخر، مما أفقد المجتمع مؤسسة اجتماعية مُهمة، كان لها دور بارز في حفظ المنظومة القيميّة، ونقلها من جيل إلى آخر.

وتشدد الشماخية على أن السبلة ما زالت موجودة كمبنى فقط، نشاهدها في شتى المدن والقرى العمانية، لكنها غائبة كمؤسسة تُسهم في تربية الأجيال، وتُعرّفهم بهويّتهم الاجتماعية، التي نخشى أن تُطمس معالمها وثوابتها في خضّم التغيّرات المتسارعة، والدعوات الخفيّة الساعية إلى هدم بعض ثوابت الهويّة المتجذّرة، بحجة التطور والتقدم، المطلب الآن أن تعود السبلة لممارسة دورها السابق، وتوطيد أركانها من جديد، ونأمل أن تتكاتف مع المؤسسات التربوية الأخرى في غرس مبادئ الدين والقيم الصحيحة، في مقدمة هذه المؤسسات الأسرة والمدرسة، اللتان تعدّان نواتين أساسيتين في التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد، ويعوّل عليهما المجتمع الدور الأكبر في عملية إعداد الأجيال القادمة.

أدوار ومسؤوليات

ويقول الكاتب أحمد بن خلفان الزعابي إنه لا يوجد بيننا من لا يعرف السبلة العمانية والمجالس العامة حديثًا والأدوار التي كانت تؤديها في الماضي منذ قديم الزمان وحتى سنواتٍ قريبة. ويضيف أنه لا تخلو الحارات والقرى العُمانية في مختلف أرجاء السلطنة من السبلة؛ حيث كانت السبلة قديمًا هي المكان الذي يجتمع فيه الرجال مع أبنائهم يناقشون شؤون حياتهم ويستقبلون ضيوفهم؛ حيث تتجلى معاني الكرم والضيافة الُعمانية. ويوضح الزعابي أن السبلة كانت لها أدور عديدة في تعزيز القيم وغرس مبادئ التربية الصالحة والعادات والتقاليد العُمانية الأصيلة المبنية على مبادئ الدين والعقيدة؛ إذ يستمع الصغار إلى حوارات الكبار، فيتعلمون منهم آداب الجلوس والاستماع والحوار واحترام الصغير وتوقير الكبير، كما إن السبلة كانت تعزز صلة الرحم؛ حيث كانت المكان الذي يلتقي فيهِ الجميع، ويتم فيه إعداد التحضيرات التي ستنطلق منه الأهازيج الشعبية لاستقبال الوالي أو ممثل السلطان أو الضيوف من مشايخ وأبناء القبائل الأخرى، وكذلك الأهازيج الخاصة بالأفراح ومناسبات الأعياد.

ويشير إلى أنه مع تطور أنماط الحياة بدأت أدوار السبلة الاجتماعية والتربوية في التلاشي تدريجيًا، وأنه رغم وجود الالتزام من جانب الأهالي والمشايخ في بناء المجالس العامة، إلّا أن أغلب أدوارها حاليًا لا تتجاوز مناسبات عقد القِران أو تبادل التهاني في مناسبات الأعياد أو تلقي التعازي عند وفاة أحد.

ويرى الزعابي أن الحداثة ربما تكون قد غلبت على أنماط وسلوك الحياة في وقتنا الحاضر، وقد تكون توجهات الحياة ذاتها وانشغالات الناس أبعدتهم عن نمط الحياة الذي كان سائدًا في المجتمع في زمن الآباء والأجداد. ويوضح أنه في المقابل طغى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الهاتف على أنواع التواصل الاجتماعي الحقيقية الأخرى، ما تسبب في تراجع القيم التي كان الأبناء يكتسبونها من الآباء والأجداد، وهو ما أثر سلبًا على سلوك الأبناء.

ويدعو الزعابي إلى وقفة جادة من جهات الاختصاص لتعزيز القيم والعادات والتقاليد بين مختلف أفراد وفئات المجتمع، مشيرًا إلى أنه يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم استحداث مادة تُعنى بتدريس القيم والعادات والتقاليد العُمانية الأصيلة ضمن المنهاج الدراسي، كما لا بُدّ للأسرة منح الأبناء حقهم من الاهتمام والرعاية والحرص على تعليمهم العادات والتقاليد لعُمانية المرتبطة بالقيم والتربية واحترام.

تعليق عبر الفيس بوك