علي بن مسعود المعشني
خلقَ "الشيطان" الأمريكي ومن خلفه منظومة الإعلام الغربي، في عقليات شعوب ما يُسمى تصنيفهم بـ"العالم الثالث"، وخصوصًا في وطننا العربي، مفاهيمَ كثيرةً ومضادة لمفهوم ومعنى الوطنية والوطن، وهذا المفهوم المغالط والمسكوب قسرًا في عقولنا، رأينا مظاهره وآثاره شاخصة أمام أعيننا فيما عُرف بـ"الربيع العبري"، هذا الربيع الذي نزع القداسة عن الوطن وجعله في كفة الخبز.
هذه السطحية في التعريف وفاجعة تلقيها والإيمان الأعمى بها، لم تكن لتتحقق وتؤثر بعمق لولا الخواء والتسطيح الذي وجدته في مناهج التعليم ومنظومة الإعلام في وطننا العربي، ولم يكن لهذه التفاهات أن تمر وتُثمر لتترسخ كثقافة عابرة للحدود والأجيال، لولا هذا الفراغ القاتل والهشاشة العقلية التي اتسمت بها هذه الأجيال الضحية.
أتذكرُ جيدًا إحجام إحدى العلامات التجارية من سلسلة المطاعم العالمية عن دخول سوق سلطنة عُمان بحجة عدم وجود إحصاء سُكاني يُحدد حجم الشريحة المُستهدفة في خارطة النسيج السكاني العام بالسلطنة، وهي شريحة المُراهقين، وبعد قيام السلطنة بأول مشروع تعداد عام للسكان والمنشآت عام 1993 وإعلان نتائجه، تواجدت تلك العلامة سريعًا وما زالت! والمُراد من هذا المثال، والذي قد يبدو للبعض غير متناغم مع عنوان المقال أو مضمونه، هو تبيان مدى رصد وترصد هؤلاء القوم لبواطن الخواء والضعف والرخاوة في كل مجتمع للتسلل من خلاله وإحداث الاختراق والتأثير الكبيرين، وإن كان ظاهر الأمر مشاعًا ومستساغًا وبعكس باطنه.
مشكلتنا الرئيسة في أنحاء كثيرة من الوطن العربي أنَّ النظام العربي الرسمي يُمارس سياسات عدائية قهرية ضد نفسه وضد مصالح شعبه ووطنه بوعي وبلا وعي، بحجة ممارسة ضغوط خارجية عليه! والمشكلة الأكبر أن من يدفع ضريبة وثمن نتائج هذه "الضغوط" الافتراضية هي الدولة برمتها وبكامل مكوناتها؛ أي الجغرافيا والشعب والنظام الرسمي معًا! أمَا آن الأوان لهذه المكونات أن تتصالح مع نفسها وتتيقن أنها في قارب نجاة واحد وأنها بكلها هدف وضحية للعدو؟!
أغلبُ سياسات النظام الرسمي العربي اليوم- وبذريعة الضغوط الخارجية- تأتي في سياق واحد ضد الوطن ومُهدِدة للسكينة العامة والنظام العام والأمن الوطني برمته وتفاصيله، وفوق كل هذا تطلب هذه الأنظمة من أطياف شعوبها مُباركتها وتأييد سياساتها والصمت عن أخطائها!! ويجعل من الشعب طيفًا فكريًا واحدًا كساكني المقابر، ويُعاقب من يشذ عن ذلك بتهم بلغت في تعريفها وتوصيفها حد المُضحك المُبكي وهي تهمة "الإفراط في التفكير"، وبهذه السياسات يحط تدريجيًا من منسوب الولاء للوطن ومن منسوب مناعة الوطن ويجعل النظام والشعب عرضة للاحتراب وبيد الخارجي الذي قدم القرابين له يومًا ما خوفًا وطمعًا. وكما رأينا في تفاصيل أحداث "الربيع العبري"؛ فالغرب المُنافق مع الشعوب نهارًا بأسطوانة حقوق الإنسان والحرية والعدالة....إلخ، ومع الحكام ليلًا بذريعة الحليف والحرص على الاستقرار بقصد تكريس القطيعة وتعميقها بين الشعوب والحكام، وفي لحظة مصالح تاريخية عارية يفجرون هذه القطيعة ويخوضون بها الحروب بالوكالة وبتكلفة "صفرية" كالعادة.
الدولة الحيوية دائمًا تجعل من الشعب سلاحها الفتاك في مواجهة الضغوط والابتزاز وذلك بمنح هامش تفكير وتعدد الآراء والمواقف فيتم تحصين الوطن بكافة مكوناته وعلى رأسها النظام الرسمي بفعل هذا الحراك الفكري والتعدد في نمطيته، والدولة الحيوية توجه سياساتها المُثمرة والنافعة دائمًا نحو الشريحة الكبرى من المُجتمع وبهذا تتحقق المناعة والثراء في المواقف والتناغم في تقاسم الوطنية وفي رعاية مصالح الوطن.
قبل اللقاء.. تحية إجلال وإكبار للذين لا تلههم تجارة ولا بيع عن حب أوطانهم.
وبالشكر تدوم النعم.