اعتبروا أن المنافسة "غير عادلة" بسبب الدعم المالي من "ميزانية الدولة"

خبراء: التوسع في تأسيس الشركات الحكومية يُضعف أداء القطاع الخاص ويؤثر على جهود "التمكين"

...
...
...
...
...

 

◄ تأكيد أهمية طرح الشركات الحكومية للاكتتاب العام لضمان توسيع الملكية

◄ متطلبات التمويل في بعض المشروعات تحرم القطاع الخاص من فرصة المنافسة

◄ المحرزي: تواجد الشركات الحكومية في السوق يجب أن يكون محدودًا ومؤقتًا

◄ البلوشي: المرحلة المقبلة تتطلب دورًا أكبر للقطاع الخاص وتقديم التسهيلات والحوافز

◄ الطوقي: القطاع الخاص غير قادر على الاستثمار في بعض القطاعات

 

الرؤية- مريم البادية

أكد خبراء ومختصون أن التوجه نحو التوسع في إنشاء الشركات الحكومية يُضعف أداء القطاع الخاص ويؤثر بالسلب على جهود تمكين المؤسسات الخاصة، مشيرين إلى أن النمو المأمول للاقتصاد الوطني لن يتحقق سوى من خلال إتاحة المجال للقطاع الخاص للعمل وفق قواعد تنافسية عادلة، وبيئة استثمارية جاذبة لرؤس الأموال المحلية والأجنبية.

وتعمل عشرات الشركات الحكومية في مختلف القطاعات كمجال الطاقة والتطوير السياحي والعقاري وفي قطاع اللوجستيات، وقطاع الطيران، ومجال التعدين إلى جانب قطاعات الاستثمار المختلفة وفي قطاع الإعلام والإعلان، وقطاع تقنية المعلومات، إلى جانب مجموعة من الشركات المملوكة لجهاز الاستثمار العماني في قطاعات متعددة مثل اللحوم والدواجن والألبان، وغيرها.

وقال الخبراء لـ"الرؤية" إن على الجهات الحكومية المالكة والمُشغلة لهذه الشركات السعي في أقرب وقت لطرحها في البورصة، ما يمهد الطريق إلى توسيع قاعدة الملكية العامة، ويعزز من مبادئ الحوكمة والإفصاح.

 

وقال الدكتور داود بن سُليمان المحرزي الخبير الاقتصادي والباحث في التشريعات الاقتصادية: الشركات الحكومية أو الشركات التي تمتلكها الحكومة ظهرت في القطاعات الخدمية ويرجع ذلك إلى أسباب استراتيجية أو اجتماعية أو أمنية وإلى أن القطاع الخاص غير قادر على الدخول في تلك الاستثمارات نظرًا لحجم رأس مال المشروع والذي يتطلب التمويل الكبير، أو يرجع إلى نوعية تلك الاستثمارات أو قطاعات محددة يصعب على القطاع الخاص إدارتها أو امتلاكها نظرًا للمردود الإيجابي لها أو أو بسبب التمويل الكبير اللازم لإنشائها وتشغيلها، وهناك أمثلة عديدة عليها، وتتدخل الحكومات من حين للآخر لإنقاذها في حالة تعثرها كما هو الحال في بعض القطاعات الخدمية كالطيران والمواصلات وغيرها، مشيراً إلى أنَّ وجود مثل هذه الشركات بلا شك سيُعزز من مكانة الشركات الصغيرة والمتوسطة وسيساهم في توفير فرص عمل للمواطنين.

دور محدود

وأضاف المحرزي أنه من الضروري تواجد الشركات الحكومية لكن بصورة محدودة في الاستثمارات ذات المستوى العالي ورأس المال الضخم وأن تكون لفترة محددة ريثما يتم تأهيل تلك الشركات لتخصيصها أو التخارج منها وفقًا للقانون، وقس على ذلك الاستثمارات السياحية في المناطق التي تحتاج إلى استثمارات سياحية ضخمة لا يستطيع المستثمر الاستثمار فيها نظرًا لمحدودية الربح أو قلة التمويل الكافي أو صعوبته، بالإضافة إلى الصناعات التعدينية الضخمة وأن وجود تلك الشركات مهم جدًا للنمو الاقتصادي في مرحلة ما، يليها مرحلة أخرى وهي إتاحة الفرصة للقطاع الخاص.

وأشار المحرزي إلى أنه من المفترض أن يكون القطاع الخاص هو من يتولى قيادة الاقتصاد وليس القطاع الحكومي، وذلك نتيجة الاستثمارات التي يقوم بها في السلطنة وأن على الحكومة أن تخلق المناخ الجاذب والمحفز للقطاع الخاص من خلال الحوافز والتسهيلات الاستثمارية وخلق بيئة مناسبة وتقليل الاشتراطات والمعوقات التي تواجه الاستثمار والمستثمر، وتلعب كذلك الدور التشريعي والرقابي والتنظيمي والإشرافي، ويجب على الحكومة ألا تتوسع  في إنشاء شركات خاصة لها إلا في حدود ضيقة حتى لا يخلق ذلك نوعًا من التنافس غير العادل بين تلك الشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص نظير التمويل والتمييز في الإجراءات السريعة.

ويرى المحرزي أن هناك قطاعات يتوجب على الحكومة تركيز الاستثمار فيها نظرًا لضخامة رأس المال وحجمها الاستثماري علاوة على قلة العائد المالي من تلك الاستثمارات، وأن تلك الاستثمارات قد تكون ناتجة لأسباب استراتيجية أو لأسباب مناطقية والذي يتطلب من الحكومة الاستثمار فيها ابتداءً لتنمية تلك المناطق وتوفير فرص عمل لمواطنيها وتطوير السياحة فيها أو توفير صناعات معقدة بغية إيجاد وتطوير تلك الصناعات ومن ثم تقوم الحكومة بأعمال التخارج أو التخصيص بأسرع وقت ممكن والذي بدوره سيؤدي إلى تحويل اقتصاد السلطنة من اقتصاد تسيطر عليه الحكومة إلى اقتصاد يكون القطاع الخاص له دور بارز وسيُعزز من دوره ويؤدي إلى خلق بيئة مناسبة وتنافسية بين القطاع الخاص بنفسه أي بشكل عادل وبنفس الكفاءة والقدرة، وهذا سيؤدي إلى جاذبية الاستثمارات بعيدا عن قلق المستثمر في أن تقوم الحكومة بمنافسته مستقبلًا وسينعش جوانب اقتصادية أخرى، لا سيما وإن كانت تلك الشركات ستتحول إلى شركات مُساهمة عامة مما سيُعزز السيولة في بورصة مسقط.

 تعظيم أدوار القطاع الخاص

من جهته، قال الدكتور يوسف بن حمد البلوشي الخبير الاقتصادي إن الشركات الحكومية تمثل جزءًا مهماً من منظومة الاقتصاد في الدول النفطية؛ كونها تعتمد بشكل كبير على القطاع العام والحكومة في التشغيل والاستثمار، إلا أن المرحلة المقبلة تستوجب دورا أكبر للقطاع الخاص. وأضاف البلوشي أن الشركات الحكومية تحمل صفة مشتركة كونها قطاعا عاما وفي ذات الوقت قطاع خاص، لذا هناك دور أصيل يجب أن تلعبه الشركات الحكومية في فتح الأبواب أمام الشركات المحلية للدخول في قطاعات جديدة يصعب على القطاع الخاص أن يبدأ الاستثمار فيها بدون خطوات أولية من الشركات الحكومية. وضرب البلوشي مثالًا بقطاع التعدين من حيث الحاجة إلى معرفة إحصائيات ومكامن وجودة المعادن الموجودة، معتبرًا أنَّ ذلك الدور يقع على عاتق الشركات الحكومية، لكن بعد ذلك تستطيع شركات القطاع الخاص المحلية والأجنبية مواصلة مسار الاستثمار. وتابع القول:" كذلك الحال في قطاعات أخرى تحتاج إلى استثمارات كبيرة؛ كون الشركات المحلية لا تمتلك المقدرة المالية، في حين أنه عادة ما تتوافر هذه المقدرة لدى الشركات الحكومية". واستدرك البلوشي قائلًا: "يجب النظر في موضوع الشركات المحلية من جانبين؛ الأول: أنها إحدى المسرعات المهمة للتحول إلى شركات قطاع خاص، وتحقيق النمو المبني على شركات القطاع الخاص، والثاني أن هذه الشركات الحكومية ما زالت تعمل تحت مفاهيم وأساليب الحكومة؛ كون موظفي هذه الشركات قادمين من مؤسسات حكومية، لذا فإن الصبغة الحكومية ما زالت طاغية على أدائهم الوظيفي، مع عدم وجود نظام حوكمة فاعل. وأوضح البلوشي أن هناك شركات حكومية لم تحقق كثيرًا من الغايات من تأسيسها، وسجلت "نجاحات محدودة"، داعيًا إلى مراجعة أدوار الشركات الحكومية في المراحل المختلفة والحد من زيادة أعدادها في المرحلة المقبلة.

ويعتقد الخبير الاقتصادي أن ثمة تأثيرات سلبية قد تنجم عن التوسع في تأسيس الشركات الحكومية، وهو ما حدث في دول أخرى حول العالم، منها تفضيل البنوك لتمويل الشركات الحكومية ما قد يقلص من حجم السيولة المُتاحة أمام تمويل القطاع الخاص في المُقابل. ويدعو البلوشي إلى طرح أسهم الشركات الحكومية في اكتتابات عامة، بهدف توسيع قاعدة الملكية وتعزيز الحوكمة والشفافية. واقترح البلوشي عددًا من الحلول للتغلب على العقبات الحالية ومحاولة مُعالجتها، من بينها: إعادة تقييم الأهداف التي أنشئت من أجلها الشركات الحكومية، وإعادة تعيين أعضاء مجالس الإدارة وتحديد مسؤولياتهم، والفصل بين الملكية والإدارة.

قوانين وتشريعات

من جانبه، تحدث الكاتب خلفان الطوقي المُتخصص في الشؤون الاقتصادية عن تأثير الشركات الحكومية على القطاع الخاص، وقال إنها تؤثر على عمل القطاع الخاص، لا سيما إذا كانت مدعومة من ميزانية الدولة، ولها أفضلية لدى الهيئات الحكومية، مشيرًا إلى أن الملاءة المالية للشركات الحكومية تعتمد على خزينة الدولة، على عكس القطاع الخاص الذي يأتي تمويله من أموال المستثمرين أو عبر الاقتراض مرتفع الفائدة، خصوصًا عند تنفيذ المشاريع الكبيرة التي تحتاج إلى الاقتراض من البنوك والمؤسسات التمويلية. واعتبر الطوقي أنه في هذه الحالة تكون المنافسة "غير عادلة". غير أنه استدرك بالإشارة إلى عدد من الإيجابيات لتأسيس الشركات الحكومية؛ حيث إن كثير من المشاريع لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها، لا سيما تلك التي تحتاج إلى سيولة كبيرة ورؤوس أموال ضخمة، واصفًا القطاع الخاص بأنه "نفسه قصير" في مثل هذه المشاريع، على عكس الشركات الحكومية القادرة على التنفيذ وتحمل الأعباء لفترات طويلة.

ويرى الطوقي أنَّ القطاع الخاص في السلطنة "صغير وغير مبادر وغير مستعد للاستثمار طويل المدى"، موضحًا ضرورة توفير بدائل لذلك، ومن هنا توسعت الحكومة في تأسيس الشركات المملوكة لها، من منطلق بدء المشاريع ومن ثم تشجيع القطاع الخاص على الحصول على نسب صغيرة في المشاريع. وأضاف أن الشركات الحكومية تقوم بدور مهم إذا كان الهدف منها تنمية بعض القطاعات، شريطة أن تحقق أداءً ربحيًا، ومن ثم تخصيص أسهم هذه الشركات بعد فترة من الزمن، معتبرًا هذه الشركات "سلاحًا ذي حدين"، وأنه إذا لم تتم الاستفادة منها بشكل جيد، ستتسبب في نتائج سليبة على الاقتصاد، في حين أنها إذا كانت تعمل في مشاريع وقطاعات لا يستطيع القطاع الخاص الاستثمار فيها، فإن وجودها ضروري ومطلوب للغاية.

تعليق عبر الفيس بوك