الثقافة العربية تواجه تحديات.. ولا بديل عن تنشئة جيل واعٍ بهويته

د. جمال فودة لـ"الرؤية": عُمان تتكئ على تراث حضاري عريق.. والشخصية العُمانية "استثنائية"

...
...
...

 

◄ لا نظرية نقدية عربية.. وتنافسية المحدثين والقدماء من أبرز الأسباب

◄ النقد الصحفي يقتصر على "تحليل إعلامي سطحي"

◄ اللغة العربية تحتضر على قارعة المناهج التعليمية

◄ الشباب العربي يعيش حالة من الاستلاب الثقافي

◄ أخشى على اللغة العربية من تصاعد الاستقطاب نحو اللغات الأجنبية

◄ النهوض بالإبداع يستلزم بيئة اجتماعية واقتصادية وفكرية مستقرة

◄ "الإبداع يُولد من رحم المعاناة" مسألة نسبية ولا ينبغي اعتبارها قاعدة

 

الرؤية- ناصر أبوعون

 

يؤكد الدكتور جمال فودة الكاتب والناقد والأكاديمي المصري أن التاريخ الحضاري والإنساني لعُمان حافل بالأحداث التي تؤكد الاستثنائية والخصوصية لهذا الشعب العظيم القائم على أسس السلام والأمن والتسامح، لكنه أشار إلى أن الواقع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي في سلطنة عمان لا يختلف عن بلدان الوطن العربي؛ حيث ما زال المشهد الأدبي والثقافي يواجه العديد من التحديات التي تحد من عملية الإبداع بمفهومها الكُلي.

والدكتور جمال فودة عضو الاتحاد الدولي للغة العربية وحاصل على المركز الثالث على مستوى الوطن العربي في النقد الأدبي من المنظمة العالمية للإبداع بلندن، وله مؤلفات أدبية ونقدية ولغوية، منها: "ظاهرة الاغتراب في شعر مجاهد عبد المنعم مجاهد" (دراسة فنية) (منشورات كلية الآداب جامعة بنها، ومكتبة عبد العزيز البابطين بالكويت)، و"مستويات البناء الشعري" (دراسة أسلوبية) منشورات كلية الآداب جامعة الزقازيق، ومكتبة العبيكان بالمملكة العربية السعودية)، و"بنية التضاد في شعر الستالي" (دراسة فنية موضوعية) منشورات (مكتبة العبيكان) المملكة العربية السعودية، و"مائة سؤال وجواب في قضايا النحو والإعراب"، منشورات (مكتبة الهلال / سلطنة عمان)، و(مكتبة العبيكان) المملكة العربية السعودية، كما نُشرت مقالاته في عدة صحف ومجلات عربية.

فودة تحدث إلى "الرؤية" في العديد من القضايا التي تشغل بال المُثقف العربي، وسلط ضوءًا كاشفًا على الثقافة العمانية الغنية، لكنه في الوقت عينه تحدث بصدق عن التحديات التي تواجهها. وإلى نص الحوار...

 

 

 

** في البداية.. كيف تنظر إلى المشهد الإبداعي في سلطنة عُمان بالمقارنة مع بقية دول الخليج؟

من وجهة نظري أن الواقع الثقافي والواقع الاجتماعي والاقتصادي في الوطن العربي أضلاع متساوية لمثلث واحد؛ فواقع سلطنة عمان لا يختلف كثيرًا عن واقع معظم الدول؛ بل يمكن القول إن عُمان أصبحت صدى لتأكيد اتجاه الوضع الثقافي العربي الى منحنيات غير مرغوبة؛ الأمر الذي يؤثر سلبًا على الوضع الثقافي والأدبي بالبلاد، فضلًا عن تراجع حضور الشباب على المشهد الثقافي، وانحسار الأنشطة والفعاليات الثقافية والأدبية، مما قد يغلق الطريق أمام المواهب الواعدة.

 

 

** ما حدود نظرتك إلى عُمان من وجهة نظر اجتماعية وفلسفية نستطيع من خلالها استكشاف ملامح الشخصية العمانية؟

لا شك أن التاريخ الحضاري والإنساني لعُمان حافل بالأحداث التي تؤكد الاستثنائية والخصوصية لهذا الشعب العظيم القائم على أسس السلام والأمن والتسامح، وهذا ما لمسته بعد 15 عامًا قضيتها تحت سماء هذا البلد الطيب من منهج سليم، وسياسة حكيمة وازنت بين الداخل والخارج، برفض التدخل في شؤون الآخرين، واحترام الجميع، وتغليب الحوار لحل المشاكل، وبناء جسور التواصل والألفة، ونبذ كل أشكال العنف والتطرف .

وما يرسمه العمانيون اليوم من واحات السلام والمحبة والتسامح والإخاء والمحبة والتعاون وقبول الآخر، جاعلين من أرض عُمان أرضًا للسلام والأمن والأمان ينطلق من تراث حضاري عريق، وخصوصية واستثنائية للشخصية العمانية.

 

 

** ما الفرق بين النقد الأكاديمي والنقد الصحفي؟ وما دور كل منهما في إثراء المشهد الإبداعي؟

معظم النقد الصحفي يكاد يقتصر على تحليل إعلامي سطحي لراوية هذا، أو شرح لقصيدة ذاك، أو عرض ملخص كتاب، أو رصد أفكار مقال، وكثيرًا ما يفتقد للجانب الموضوعي والمنهج الواضح؛ إذ ربما يجمع الناقد الصحفي بين عدة اتجاهات نقدية في مقال واحد، أما الناقد الأكاديمي فيمارس فعلًا نقدًا علميًا قائمًا على منهج واضح ونظريات أدبية معروفة، وغايته استشراف آفاق النص وفق رؤية موضوعية بعيدة عن الأهواء الشخصية. لكن لا يغني أحدهما عن الآخر في الوقت الحالي، وفي زمن العولمة حيث تحول العالم لقرية صغيرة أصبحنا في حاجة إلى وسائل أكثر وأسرع انتشارًا تصل لأبعد مدى وتغطى مساحة أكبر من المثقفين والمهتمين باللغة والأدب والشعر والنقد.

 

 

** لماذا لا توجد نظرية عربية في النقد منذ أفول نجم عبد القاهر الجرجاني ومعاصريه؟

تحددت معالم النظم واتضحت قسماته على يد عبد القاهر الجرجاني دون غيره، لأن النظم قبل عبد القاهر لم يكن مقصودًا عن عمد أو مدروسًا بطريقة منهجية، وإنما كان يخضع للفطرة والذوق والسليقة، وينبع من ملاحظات العلماء حين يُؤخذون بجمال الشِعر أو إعجاز القرآن الكريم في داخل هذا النطاق فحسب.

وعبد القاهر الجرجاني ليس من أنصار الألفاظ المفردة، ولا المعاني المجردة،  و إنما هو من أنصار الصياغة، من حيث قدرة هذه الصياغة على كشف أبعاد التجربة الشعرية .

ولعل السبب في عدم وجود نظرية نقدية واضحة المعالم هو انشغال فريق من النقاد بالتراث النقدي القديم شرحًا وتأصيلًا وتفصيلًا، واشغال فريق آخر بالتراث الغربي واقتفاء آثره وتمجيده والسعي لتعميمه في الدراسات الأدبية، ولا يعني ذلك إغفال دور المذاهب الأدبية الجديدة كالكلاسيكية والرومانسية والسريالية والواقعية وغيرها... في تطور النقد الأدبي المعاصر.

 

 

** متى يمكننا القول إن هناك حداثة شعرية وتيارًا روائيًا جديدًا يمخر عباب الخليج ويؤسس لمدرسة إبداعية تناظر غيرها في المغرب ومصر وبلاد الشام؟

هذه المسألة ليست من السهولة بمكان، فنحن نرى اللغة العربية تحتضر على قارعة الأنظمة التعليمية العربية، وأبناؤنا يعيشون حالة من الاستلاب والاستقطاب تجاه اللغات الأجنبية، فكيف السبيل لإرساء قاعدة ثقافية وتنشئة جيل واعٍ بهويته وثقافته في ظل هذا الصراع الفكري والحضاري؟!، لكن كلنا أمل في أن يخرج من ظهور هذا الجيل من يعيد لأمتنا عهد المتنبي وأبي تمام والبحتري، وما ذلك على الله بعزيز!

 

 

** هل يولد الإبداع من رحم المعاناة أم هناك اشتراطات ومعايير وطقوس تفرض وجودها على المشتغلين بالإبداع؟

هل تقصد أن الإنسان يجب أن يكون حزينًا محبطًا كي يجسد لنا تلك المعاناة في لوحة فنية رائعة ؟ المسألة نسبية؛ فالبعض يرون ذلك، في حين يعتقد غيرهم العكس تمامًا، وهذه المقولة "الإبداع يولد من رحم المعاناة" عبارة نمطية تقليدية لا أعرف مصدرها، ويسعى مؤيدوها لربطها بإبداع العديد من الأدباء الذين عاشوا حياة مليئة بالمتاعب والصعوبات النفسية والجسدية، مما حفزهم على الإبداع بشتى صوره ماديًا كان أو معنويًا.

لكن على الجانب الآخر لا يمكننا تجاهل حقيقة وجود مبدعين قدموا لنا نتاجًا فكريًا رائعًا وهم يعيشون حياة مرفهة وسعيدة.. وعلى هذا فإن الإبداع يتطلب توافر العديد من الظروف الذاتية والموضوعية، كالموهبة الحقيقية، والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية المستقرة.

تعليق عبر الفيس بوك