الشراكة مع التنين الصيني.. أولوية اقتصادية

فايزة بنت سويلم الكلبانية

faizaalkalbani1@gmail.com

نجحت سلطنة عُمان في تأسيس علاقات اقتصادية متميزة مع جمهورية الصين الشعبية، على مدى العقود الماضية، وقبلها امتدت العلاقات العمانية الصينية إلى حضارات العالم القديم، الأمر الذي يُبرهن الآفاق العريضة التي تنتظر مستقبل هذه العلاقات خلال المرحلة المقبلة.

أقولُ ذلك، وقد بدأ الرئيس الصيني شي شين بينغ زيارته إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة؛ حيث ستُعقد قمة خليجية صينية وأخرى عربية صينية، في مسعى من العملاق الصيني لتوطيد العلاقات مع العرب عامة والخليجيين خاصة بصورة أكبر، لا سيما وأن الدول العربية مجتمعة تمثل سابع أكبر شريك تجاري للصين، وهي أيضًا أكبر مُصدّر للنفط الخام إلى هذه الدولة التي تعد ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم.

ولا شك أن هاتين القمتين والمباحثات المرتقبة ستسفر عن صفقات اقتصادية بين الصين والدول العربية، خاصة وأن الصين تملك أرصدة هائلة من الاحتياطيات النقدية، وتستهدف توسيع دائرة استثماراتها في السوق العربية والخليجية الواعدة، بفضل معدلات النمو المرتفعة التي تسجلها، بخلاف تنوع السوق العربي بمختلف طبقاته. ويكفي أن نعلم أن المملكة العربية السعودية كشفت عن أن زيارة الرئيس الصيني ستشهد توقيع اتفاقيات اقتصادية بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال سعودي، في مختلف المجالات. هذا وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين 1.2 تريليون ريال سعودي (ما يعادل 320 مليار دولار) في آخر خمس سنوات فقط! ومن المؤكد أن الرقم مرشح للزيادة في ضوء الاتفاقيات المزمع توقيعها.

إذن نحن نتحدث عن فرص اقتصادية واستثمارية ستمثل انطلاقة جديدة للعلاقات العربية الصينية، لكن ما يهُمُّني هنا أن تتواصل جهود مسؤولينا في سلطنة عُمان من أجل تعميق الشراكات الاستثمارية مع الصين، ليس فقط فيما يتعلق بصادرات النفط العماني، أو استيراد المنتجات الصينية الاستهلاكية، ولكن تنفيذ استثمارات ثنائية تدعم تنمية القطاعات المختلفة، خاصة وأن رؤية "عمان 2040" تصبو نحو جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، إلى القطاعات الواعدة، ومنها أذكرُ قطاع تقنية المعلومات. فالصين واحدة من أكبر دول العالم تقدمًا في مجال تقنية المعلومات، وفيها العملاق التكنولوجي الهائل "هواوي" التي استطاعت بنجاح أن تؤسس لبنية تحتية متكاملة لتقنيات الجيل الخامس في العديد من الدول، ولها استثمارات أيضًا هنا في السلطنة، لكنها تظل دون مستوى الطموح، فهدفنا ليس فقط أن تفتتح مثل هذه الشركات الكبرى فروع لها في عُمان، أو أن تُنفّذ مشروعًا هنا أو هناك، ولكن أيضًا تعمل على توطين التكنولوجيا، من خلال نقل وتبادل الخبرات إلى شبابنا الواعد، الذين ألتقي بالكثير منهم والمتخصصين في تقنية المعلومات، ويملكون مهارات كبيرة للغاية رغم صغر سنّهم، ويأملون أن يجدوا الفرصة المناسبة للانطلاق في عوالم الذكاء الاصطناعي والروبوتات وتقنيات البلوك تشين، وغيرها.

الحديث عن زيادة الاستثمارات الصينية في عمان، يستلزم طرح أفكار غير تقليدية لجذب المستثمرين الصينيين، وجذب أكبر الشركات الصينية، لافتتاح مصانع لها في المناطق الاقتصادية والخاصة والحرة، والتي تنتشر في طول البلاد وعرضها، ومنها المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم التي تستضيف فعليًا استثمارات صينية، لكن الآمال معقودة لاستقطاب المزيد. ومن بين الأفكار غير التقليدية السعي إلى بناء شراكات اقتصادية عمانية صينية في مجال صناعة السيارات أو الهواتف النقالة أو الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، فبدلًا من أن يبحث مستثمر عماني عن علامة تجارية صينية ليكون وكيلًا لها في عُمان، عليه أن يسعى لإنشاء مصنع وطني يستقطب فيه الشركات الصينية لتصنيع منتجاتها على أرض عُمان، ولنا مثال رائع في مصنع "كروة للحافلات" الذي تأسس بشراكة عمانية قطرية صينية، والحلول والأفكار كثيرة ومتعددة لا يتسع المجال لذكرها.

وختامًا.. إنّنا نأمل أن تسهم القمتان الخليجية والعربية مع الصين في فتح آفاق أرحب من التعاون الاقتصادي والاستثماري الذي يخدم المصالح المشتركة ويعزز من معدلات التنمية الشاملة والمستدامة، كي تنعم شعوبنا الخليجية والعربية والصينية بالرخاء والازدهار.