الشباب والعمل الاجتماعي التطوعي

 

د. فريدة الحضرمية

فترة الشباب هي المرحلة العمرية القوية في حياة الإنسان؛ كونها مرتبطة بالقوة والفتوة، فهي أطول الفترات العمرية والحياتية؛ لأنها تؤسس لما بعدها من مرحلة الكهولة، فمن شبَّ على شيء شاب عليه، لذلك عُنيَ الإسلام عناية بالغة بتوجيه الإنسان في مرحلة الشباب إلى تأسيس الحياة الجادة المرتبطة بالأعمال الخيرية الصالحة التي من شأنها أن تخدم المجتمع الإنساني خدمة صالحة ناجحة.

لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم، الإنسان أن يغتنم مرحلة الشباب كإحدى الغنائم الخمس في الحياة، بقوله: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك"، وعليه يجب تشجيع الشباب على العمل الاجتماعي التطوعي وتعزيز ثقافة هذا العمل لديهم، مع ضرورة تعليم أسس العمل الاجتماعي التطوعي ومبادئه من خلال المناهج الدراسية من أجل تشجيع مخرجات هذه المدارس للإسهام في المشاركة المجتمعية وخدمة المجتمع والنهوض به في مختلف المجالات.

إنَّ العمل الاجتماعي التطوعي يعد من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي، ويكتسب العمل الاجتماعي أهمية متزايدة يومًا بعد يوم وانطلاقًا من العلاقة التي تربط بين ريادة العمل الاجتماعي والمورد البشري؛ فإنِّه يمكن القول بأنَّ عماد المورد البشري الممارس لريادة العمل الاجتماعي التطوعي هم الشباب، خاصة في المجتمعات الفتية، فحماس الشباب وانتماؤهم لمجتمعهم كفيلان بدعم ومساندة العمل الاجتماعي التطوعي والرقي بمستواهم ومضمونهم.

لقد عزَّز السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- العمل الاجتماعي التطوعي بإطلاق جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي، وذلك انطلاقًا من مقوله مفادها أنَّ الحكومات سواءً في البلدان المتقدمة أم النامية لم تعد قادرة على سد احتياجات أفرادها ومجتمعاتها، فمع تعقد الظروف الحياتية ازدادت الاحتياجات الاجتماعية وأصبحت في تغيير مستمر، فلابُد من الاستفادة من الجهود التطوعية في مجالات عمل جديدة أمام الشباب مثل مشروعات خدمة المجتمع وخدمة البيئة وتحسين مستوى المعيشة.

لا شك أن العمل التطوعي إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التقدم الاجتماعي والتنموي ومعيارًا لقياس مستوى الرقي الاجتماعي للأفراد، ويعتمد العمل التطوعي على عوامل لنجاحه، ومن أهمها المورد البشري، فكلما كان المورد البشري متحمسًا للقضايا الاجتماعية ومدركًا لأبعاد العمل الاجتماعي التطوعي أتى العمل الاجتماعي بنتائج إيجابية وحقيقية، كما أن العمل الاجتماعي يمثل فضاء رحبًا ليمارس أفراد المجتمع ولاءهم وانتمائهم لمجتمعاتهم، كما يمثل العمل الاجتماعي التطوعي مجالًا مهمًا لصقل مهارات الأفراد وبناء قدراتهم.

ومن أبرز أشكال الأعمال التطوعية والتي تسهم بدور فعال ومهم في تنمية المجتمع هي الحملات التطوعية، فهي تقدم مشهدًا حيًا على التكافل الاجتماعي القائم على التعاون والتآلف والمودة؛ إذ يبدو ما يقدمه المتطوع في هذه الحملات نموذجًا واقعيًا على التفكير في قضايا الآخر ومشكلاته، فالحملات التطوعية هي تنظيمات مجتمعية ذاتية دافعها العمل الإنساني، وأهدافها خدمة المجتمع أو بعض فئاته دون انتظار تحقيق أي مقابل مادي أو معنوي يعود على التطوع نفسه.

ونجد هذه الحملات تتمظهر بشكل لافت في سلطنةعُمان وعلى مستويات متعددة، فمنها ما يتوجه لخدمة الإنسان في المجتمع بشكل عام، ومنها ما يختص بفئة مُعينة، ومنها ما يقوم لفترة زمنية قصيرة ويذهب بتحقيق الأهداف أو بمضي الدوافع التي قامت لأجله. ونذكر على سبيل المثال منها الحملات التي قامت على إثر إعصار جونو في 2007 وإعصار شاهين في 2021 لتقديم المساعدة للمتضررين من الإعصار وفرق العمل التطوعي التي تقوم لجمع التبرعات لمساعدة الفقراء ونحوهم، ومبادرات تنظيف الشواطئ الذي تقوم به بعض المؤسسات التعليمية بسلطنة عُمان، ناهيك عن الهيئات الخيرية فيها.

لقد تحدد يوم الخامس من ديسمبر من كل عام "اليوم العالمي للتطوع" لتأكيد العلاقات والروابط التي تجمع الإنسان وأخيه الإنسان في أي مكان، وذلك للتصدي للمشاكل التي يُواجهها البشر بسبب مشاكل الفقر والجوع والكوارث الطبيعية والحروب والأمراض الوبائية وغيرها.

وقد احتُفِل بهذا اليوم لأوَّل مرة عالميًا في عام 2002؛ وذلك بعد أن اتفقت المُنظمات الدولية الراعية لهذه المناسبة والمهتمة بدعم وتعزيز جهود المتطوعين في كل دول العالم على اعتبار أن اليوم الخامس من ديسمبر يومًا عالميًا للتطوع.

ويأتي العمل التطوعي دلالة على التعاون والتكافل بين بني البشر وحفز فئة المتطوعين منهم على مواصلة العطاء أينما وجدوا، فعليه يجب علينا أن نعزز العمل التطوعي، ونغرسه في نفوس أبنائنا الطلبة ليتعودوا على الحب والبذل والعطاء؛ لأنَّ في التطوع حياة، وهو طريق السعادة في الدارين.

تعليق عبر الفيس بوك