"قطة شرودنغر".. النموذج السوداني الجديد

د. هبة بت عريض

"قطة شرودنغر" مفهوم قدمه الفيزيائي النظري النمساوي إروين شرودنغر؛ ليشرح من خلاله تصورًا مختلفًا عن تفسير كوبنهاغن في ميكانيكا الكم وتطبيقاتها اليومية.

وقطة شرودنغر، تجربة ذهنية قدمها إرفين شرودنغر ليبين فيها المشاكل التي رآها بتفسير وتأثير الوعي الإنساني في عملية الرصد والقياس الفيزيائي خصوصًا في الحالات الكمومية، (لعلبة تحتوي ذرة متفككة، في حال أصدرت الذرة جسيمًا باتجاه عداد غايغر ينطلق سم سيانيد قاتلًا القطة، وفي الاتجاه المعاكس لا يقتل القطة، بدون الاستعانة برصد بشري مباشر تكون حالة الذرة المتفككة عبارة عن دالة موجبة باحتمال 50% إطلاق جسيم بالاتجاه القاتل و50% بالاتجاه غير القاتل أي أن حالة القطة هي حالة مركبة من الموت والحياة). انتهي النموذج.

وبإسقاط المفهوم على الوضع السياسي السوداني الآني، نجد أن حالة الشعب السوداني أصبحت احتمالية بين وجود حكومة وعدمها، المدنية والعسكرية، ومليونيات تتبارى في حشدها أحزاب اليمين واليسار في مظهر يتباهى كلاهما بالكم والعدد، والشعب السوداني بين الأمرين يترقب الاتفاق بين العسكر وأحزاب الحرية والتغيير والآلية الثلاثية في جانب، والجانب الآخر أحزاب اليمين والطرق الصوفية وحزب واحد من اليسار، وفي ظل تنافر جميع هذه الأقطاب يعيش الشعب السوداني أمل الاتفاق رغم ضبابية الموقف، ويجد الشعب نفسه قلقًا بشأن تلك التسويات وعواقبها التي ربما تكون مهددة لوحدته أو مريقة لدماء أبنائه، التي طالما أريقت ولم يتغير الحال.

أربع سنوات عجاف مرت على الشعب السوداني يعيش فيها بين مطرقة الحكام وسندان الأزمات، الجوع والمرض، الخوف والفوضى، أربع سنوات فقدت الخرطوم فيها بنيتها التحتية وملامحها الجميلة، أربع سنوات يتعاقب الوزراء على الوزارات دون خطط أو رقابة، أربع سنوات بدون مجلس تشريعي لتقييم الأداء أو المشاركة في سياسات الحكومة ولا مراجعة للاتفاقيات حتى!

أربع سنوات والحكومة تستعين بالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، والدول الصديقة في حل الأزمة السودانية السودانية، وللأسف أغلب هؤلاء لا يدرون عن التركيبة الديموغرافية للسودان سوى الظاهر منها، ولا يعلمون أن السودانيين أدرى ببلادهم وقادرون على حل أزماتها والتاريخ أثبت ذلك دون الحوجة لتدخلات من هذا وذاك فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقول المثل.

في ظل هذا التشاكس السياسي أصبحت مكونات الشعب السوداني مفككة بفعل الخطاب السياسي المبتذل، ولغة الشيطنة والكيد السياسي التي أصبحت شائعة في الميديا، ودعوات الانفصال هنا وهناك، وكل هذا بسبب: حكومة مختزلة في العسكر وحركات الكفاح المسلح والقليل من موظفي الخدمة المدنية. وأحزاب الحرية والتغيير الذين تمت إزاحتهم بعد 25 أكتوبر من العام المنصرم. وأحزاب التيار الإسلامي العريض والطرق الصوفية.

إضافة إلى أسباب خارجية تتمثل في الآلية الثلاثية ممثلة في الأمم المتحدة والإيقاد والإتحاد الأفريقي، والمحور الإقليمي.

كل هذه الأسباب مجتمعة أطلقت "سُم سياند" بعدّاد غايغر نحو الشعب السوداني، فأصبحت حالة الشعب مركبة من الموت والحياة، فكم نسبة نجاة الشعب من الاحتمال الأول يا ترى؟!

*****

همسة:

هذه الأرض التي أحملها ملء دمائي والتي أنشقها ملء الهواء..

والتي أعبدها في كبرياء..

الأرض التي يعتنق العطر عليها والخمول..

والخرافات وأعشاب الحقول..

هذه الأسطورة الكبرى.. بلادي

"الفيتوري".

 

** أكاديمية وكاتبة سودانية

تعليق عبر الفيس بوك