مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. عندما تتنافس الأفلام في القلب النابض للسينما العربية

...
...
...
...
...
...
...
...

قراءة تحليلية: مدرين المكتومية

شهدت الدورة الـ44 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مشاركة نحو 125 فليمًا من 57 دولة، في تجلٍ واضح لما حملته هذه الدورة من تفرد في العديد من المجالات؛ حيث اتسمت المشاركات بالتنوع والتميز وملامستها لأرض لقضايا واقعية تسعى لإيقاظ الضمير الإنساني.

فريق عمل فلم السباحتان.jpg
 

ورغم أن بعض الأعمال سجلت سقوط مخرجها في شباك "الذات" وتأثر أحداث المشاهد بشخصيته وطريقة تفكيره ومحدودية التفاصيل، إلا أن مخرجين كُثُر استطاعوا تقديم أعمال فنية حملت في جوهرها معاني الجمال والإبداع والتماسك، فضلا عن التكامل من الناحية السينمائية الإخراجية.

وقبل الحديث عن الأفلام، لا يفوتني تقديم الثناء إلى القائمين على المهرجان، الذين نجحوا في تقديم تنوع ملحوظ من العروض السينمائية إلى جانب جلبهم لأعمال استطاعت أن تنال استحسان الجمهور المتابع. وكوني فردٌ من هذا الجمهور الكبير الذي احتشد في دور العرض، تمكنتُ من حضور عدد من الأفلام المختلفة والتي أبهرني البعض منها، بينما لم يكن عدد آخر من هذه الأفلام على المستوى المُرضي. ونظرًا لأن السينما وجمالياتها نسبية بدرجة كبيرة، فلن أطلق أحكام على أي عملٍ شاهدته، لكني سأسجل في السطور التالية ملاحظات على هذه الأعمال.

والبداية بعرض الافتتاح، فيلم "آل فابلمان" للمخرج ستيفين سبيلبرج، فخلال 151 دقيقة، هي عمر الفيلم، يكشف لنا صانعوه قدرة السينما الهائلة على اكتشاف الحقائق من خلال رحلة قصيرة تقوم بها العائلة ليكتشف خلالها سامي فابلمان- الفتى الصغير المُحب للتصوير، وتسجيل وتوثيق كل ما يصادفه- سرًا خطيرًا يرتبط بوالدته وصديق العائلة المقرب، الفيلم الذي كان حدث الافتتاح أعتقد أنه كان الأنسب فعلًا لافتتاح المهرجان؛ كونه بالأساس يسلّط الضوء على السينما، والبدايات الأولى لشخص يهوى التصوير ويتمنى أن يصبح ذات يوم مخرجًا سينمائيًا.

"آل فابلمان" لم يكن مجرد عرض الافتتاح، وإنما كان بمثابة جسر العبور لكل رواد السينما إلى هذه النسخة المتميزة من المهرجان، إنه الطريق الممتد نحو الأمل والنجاح، ورغم وعورة الطريق وأزقته الضيقة، إلا أن العمل يقودنا لمعرفة أن دائمًا هناك وميض أمل لا ينتهي، ومها قست الأيام لا بُد من أنها ستنصفنا ذات يوم، فالعمل بكافة تفاصيله قريب للجمهور والمشاهد، قريب لكل من حضر العمل، وبكل بساطة استطاع المخرج إيصال الرسالة بطريقة سهلة ومباشرة للجمهور، ولم يغب عن الفيلم طابع التشويق أبدًا، طابع الانتظار والتفكير في المشاهد وما الذي سيليها. والعمل في مجمله أثبت أنه يستحق أن يكون فيلمَ الافتتاح بكل جدارة، وعلى الرغم من برودة القاعة إلّا أننا استطعنا أن نشعر بدفء العمل وعمقه من خلال الأحداث الجميلة والمشوقة، وبعد ذلك الفيلم الرائع ما كان عليّ إلا أن أذهب لأخلد في نوم عميق وأحلم بأحداث فيلم "السباحتان".

أن تشاهد فيلم "السباحتان" لسالي الحسيني والذي يُعرض في 134 دقيقة لا يمكن لك سوى أن تمسك بمنديل لأنك في أي لحظة ستذرف الدموع دون أن تشعر، فقد استطاعت سالي أن تقدم عرضًا جميلًا ورائعًا، ولأنها أنثى استطاعت أن تلامس المشاعر بصورة أعمق، من خلال قصة أختين شابتين تنطلقان في رحلة خطرة من سوريا التي دمرتها الحرب نحو المجهول للفوز في أولمبياد "ريو دي جاينيرو". الفيلم الذي استطاع أن يسرق من عيون الجمهور دمعة، ومن شفاههم ابتسامة، يقودك للقول "الحمدالله" على نعمة الأمن والأمان، ونعمة الاستقرار؛ فالفيلم الذي يؤكد خلال عرضه أنك أفضل حالًا من الكثير من الناس في هذا العالم وأن هناك بالتأكيد شخص ما يحلم أن يمتلك حياتك التي قد لا تعجبك لسبب غير مقنع!

"السباحتان" فيلم يحكي قصة اضطرار شقيتين للسفر عبر البحر بحثًا عن "الخلاص"، بحثًا عن الحرية، بحثًا عن الأمل لتحقيق حلم والدهما وحلم كل لاجئ سوري يقاسي العذاب والألم والفقد، رحلة نحو المجهول، تلك الرحلة التي تخوضها بقلب جامد، كونك في نهاية المطاف تدرك إدراكًا تامًا أن الرحلة قد تنتهي بالوصول أو ربما ستنتهي بالموت، تلك القصة ما هي إلا قصة الكثير من اللاجئين الذين اضطرتهم الحياة لأن يركبوا البحر تهريبًا ليصلوا لمكان آخر يحتضنهم بعد أن فقدوا وطنهم الأم، ليذهبوا بأنفسهم نحو مصير لا يعلمونه، نحو عالم مجهول قد يقبل بهم وقد يرفضهم أيضًا، وقد لا يصلوا إليه أبدًا وتنتهي رحلتهم في المنتصف.

تعليق عبر الفيس بوك