"الطلاق مرتان".. الآن من أول مرة!

ارتفاع حالات الطلاق يُنذر بتفاقم التفكك الأُسري

◄ المعمرية: عدم إدراك حقوق الشريك والحياة الزوجية من أبرز أسباب الطلاق

◄ الكلباني: بعض الأزواج غير مؤهلين لتحمُّل المسؤولية وبناء أُسرة

◄ البوسعيدي: سوء الاختيار والتدخلات العائلية والسوشيال ميديا.. أسباب رئيسية لهدم الأسرة

◄ ضرورة تدريس مادة عن الحياة الأسرية لطلاب المدارس

الشحية: التغيُّرات الفكرية والثقافية من عوامل انتشار حالات الطلاق

◄ الرشيدية: يجب تأهيل المقبلين على الزواج بمختلف الجوانب

الرؤية- سارة العبرية

يؤكد عدد من الخبراء والمتخصصين أن زيادة حالات الطلاق في المجتمعات تعود إلى أسباب اجتماعية واقتصادية ونفسية وصحية وتثقيفية، مشددين على ضرورة تكاتف مختلف الجهود لوقف مسلسل تفكك الأسر الذي يؤثر بشكل مباشر على مستقبل الأبناء باعتبارهم أكبر الخاسرين.

والطلاق من القضايا المجتمعية التي تُناقش باستمرار، كما إن ساحات المحاكم تشهد الكثير من القضايا المتعلقة بحقوق كلا الطرفين بعد الانفصال، في حين تكشف الإحصائيات أن سلطنة عُمان أصبحت واحدة من أكثر الدول العربية فيما يتعلق بحالات الطلاق.

ويوضح المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن عُمان سجلت خلال عام 2020 أكثر من 3000 حالة طلاق بمعدل 9.4 حالة طلاق في اليوم، مشيرًا إلى أن عدد حالات الطلاق كانت الأعلى بين فئة المواطنين "عماني وعُمانية" بنسبة 93%، تليها نسبة الطلاق لجنسية "وافد ووافدة"؛ حيث بلغت 3.2%، ثم بنسبة 2.7% تسجلها جنسية "عُماني ووافدة".

شهادات الطلاق.jpg
 

الإرشاد الأسري

وتكشف وفاء بنت سعيد المعمرية الطالبة بجامعة السلطان قابوس، أسباب الطلاق- استنادًا إلى دراسة بحثية أجرتها مؤخرًا- والتي كان أبرزها عدم إدراك حقوق الزوجة والحياة الزوجية. وتوصي الدراسة بضرورة تفعيل دور مراكز الإرشاد الأسري التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، من خلال تنظيم دورات وبرامج إرشادية خاصة بالحياة الزوجية، والتركيز على دور وسائل الإعلام في نشر الوعي، وتقديم برامج الإرشاد الأسري من قبل أخصائيين اجتماعيين، وتدريس مواد في الإرشاد الأسري والزواجي لدى طلاب التعليم العام، والاستعانة بالجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني لإقامة محاضرات وندوات، وإجراء المزيد من الدراسات والبحوث الخاصة بمشكلات الأسرة وعلاقتها بمتغيرات أخرى مثل السن عند الزواج والسكن والتعليم والتكافؤ بين الزوجين.

دراسة الطالبة وفاء المعمرية.jpg
 

ويناشد بسّام بن علي الكلباني، محامٍ ومستشار قانوني، بمنح خريجي التربية الأسرية وعلم الاجتماع ترخيصًا من الجهات المختصة لمزاولة نشاطهم التوعوي والمجتمعي. ويقول: "حالات عديدة من الطلاق تذهلني، وعند الحديث معها يتضح أنَّ كلا الطرفين لم يدركا مفهوم تكوين الأسرة، ويجب التكافؤ والتعاون المشترك بين الطرفين؛ لأنَّ الطرفين بعد الزواج يتوقعان استمرار السفر والخروجات المتنوعة لكنهما يتفاجآن بأن مفهوم الأسرة لا يقتصر على ذلك، وإنما يتضمن الأطفال والمسؤوليات والأعباء المالية، وحينها يدرك الطرفان أو أحدهما أنه غير قادر على ذلك الأمر". ويضيف: "على المُقبيلن على الزواج أن يجعلوا الإنجاب قرارا منفصلا عن الزواج، وأن يتيحوا لأنفسهم فرصة للتفكير في الآخر، ويعيدوا النظر في الفرق الكبير بين الزواج وتكوين الأسرة، وأن يتحلوا بالأخلاق عند التخاصم".

جراف مهم.jpg
 

ارتفاع نسب الطلاق

ويقول أحمد بن عبدالله الشبيبي، خبير اجتماعي أسري معتمد من وزارة العدل والشؤون القانونية، إن نسبة الطلاق الرسمي سنوياً في سلطنة عُمان لا تتجاوز 8% من إجمالي عدد الأسر، ومقارنة بنسبة الزواج التي تتم كل عام، وأن أغلب المطلقين من حديثي الزواج، كما أنه وفقا للمؤشرات الحالية فإن نسب الطلاق ستشهد ارتفاعا في الفترات المقبلة.

أحمد الشبيبي.jpg
 

ويُرجع الدكتور خلفان البوسعيدي، اختصاصي استشارات أسرية بمركز زلفى للاستشارات الأسرية، أسباب ارتفاع حالات الطلاق إلى سوء الاختيار المبني على الحب والعاطفة فقط دون النظر إلى مسؤوليات الزواج المستقبلية، إضافة إلى الظروف المادية الصعبة التي أصابت الأزواج بالأرق وعدم قدرة الزوج على إدارة الأسرة، والتدخلات الأسرية في حياة الزوجين وافتقاد الخبرة والقدرة على اتخاذ القرار وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي التي غيرت الكثير من المفاهيم لدى الشباب وصغر سن المُقبلين على الزواج، لافتًا إلى تغير نظرة المجتمع إلى الطلاق وأصبح في نظر الكثير من الأجيال الجديدة أمرًا عاديًا.

خلفان البوسعيدي.jpg
 

ويرى أن الطلاق يتسبب في تفكك الأسرة، وأن المتضرر الرئيسي في حالات الطلاق هم الأبناء، مشددًا على ضرورة اتفاق الزوجين على ترتيب حياة الأبناء بعد الانفصال من حيث التعليم والسكن والنفقة وأوقات الزيارة حتى لا يؤثر ذلك سلبيًا على الصحة النفسية للأبناء، مشددا على أهمية إعادة النظر بشأن مسألة النفقة والسكن وعلاوة الطلاق التي قد تتخذها بعض النساء وسيلة للطلاق والحصول على مبلغ مالي.

ويدعو البوسعيدي الجهات المختصة بالقيام بدورها من خلال تنفيذ سلسلة من البرامج الاجتماعية والصحية والاقتصادية والدينية والنفسية والقانونية، لتثقيف المقبلين على الزواج والمتزوجين، وتدريس مادة عن الحياة الأسرية للصف العاشر والحادي عشر والثاني عشر.

تغيُّرات فكرية

وتؤكد حورية بنت محمد الشحية باحثة شؤون قانونية بالمديرية العامة للخدمات الصحية بمحافظة مسندم، أن التغيرات الفكرية والثقافية التي دخلت على المجتمع العربي هي السبب الرئيسي في ارتفاع حالات الطلاق، إضافة إلى عدم وجود الوعي الكافي لدى المقبلين على الزواج وغياب الخصوصية الأسرية، وقصر مدة التعارف قبل الزواج، وكذلك وجود بعض الأسباب الصحية مثل العقم و تأخر الإنجاب.

حورية الشحية.jpg
 

وتعتقد الشحية أن فقدان التفاهم بين الزوجين يساهم في تفكك الأسرة وزيادة المشاكل وانعدام المودة والسكينة بين الطرفين، قائلةً: "الطلاق ليس هو الحل الأول ولكن في بعض الحالات نعم قد يكون هو الحل المناسب لبعض الأسر، لأن علاقة الزوجين إذا اتسمت بالسمّية قد تؤثر سلباً على الأطفال وعلى عواطفهم ومشاعرهم وتحصيلهم الدراسي".

وتُبيِّن الشحية أن سوء اختيار شريك الحياة يُعدّ من الأسباب التي يمكن معالجتها قبل الزواج، وذلك بتوجيه المخطوبين لمختصين نفسيين ومراكز الإرشاد التربوي إذا كانت مزودة بأشخاص ذوي كفاءة يمكنهم تزويد الأشخاص الراغبين بالزواج بإرشادات قد تساعدهم على اختيار شريك الحياة بشكل صحيح يتناسب مع شخصياتهم.

وتشير الباحثة القانونية إلى أن المُشرِّع العُماني أعطى للمرأة المطلقة المرأة حقوقًا مثل: نفقة العدة ونفقة المُتعة والصداق المُؤخر والحضانة ونفقة الأولاد أو الزيارة لغير الحاضن سوء كان الأب أو الأم، وأن القاضي قد يقرر في بعض الأحيان منح الأب الحضانة أو الأم إذا لم تكن الأم تتسم بالقدرة على الحضانة وتربية الأطفال.

جذور الأزمة

وتقول أميرة بنت ناصر الرشيدية محامية في مكتب "أحمد البلوشي وأميرة الرشيدية محامون ومستشارون قانونيون": "إذا ما بحثنا عن الجذور المؤدية للطلاق لوجدنا أن جذورها تعود لأسباب اقتصادية، ولوجدنا أنه صراع بين الوضع الاقتصادي والأعراف، ويمكن تفادي ذلك عن طريق تثقيف ونشر الوعي في المجتمع عن جوهر العلاقة الزوجية بخطاب يتناسب وواقعنا المعاصر، والأسباب الاقتصادية تعدّ حاكمة على بقية الأسباب الظاهرية؛ إذ أن مواقع التواصل الاجتماعي لها أبعاد اقتصادية، منها المظاهر الاقتصادية للفرد بحياته الخاصة ونشر ما يتعلق بوضعه الاقتصادي كمنزله وسيارته ومبلسه ومأكله وسفراته، وكذلك الحال لبقية الأسباب".

أميرة الرشيدية.jpg
 

وتضيف: "لا بُد أن يكون الطلاق هو السبيل الأخير لإنهاء رابطة الزوجية، ولقد حرصت الشريعة والقانون على ذلك، ووضعت إجراءات تسبق الطلاق لمحاولة الصلح بين الزوجين ومنها إجراءات الحكمين، فلا يتم الطلاق إلا بعد أن يتم تعيين حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة وذلك لمحاولة الإصلاح، لأنَّ الطلاق يعدُّ السبب الرئيسي لتفكك الأسرة ويكون الأبناء الضحية الأولى، وفي بعض الأحيان يكون الطلاق ساحة لتصفية الحسابات بين الأبوين، الأمر الذي يؤدي في أحيانٍ كثيرة إلى انحراف الأبناء وتعويض نقص الشعور بالأسرة بالجريمة".

وتحث الرشيدية على ضرورة نشر الوعي وتثقيف الشباب المقبلين على الزواج بخطاب يُوافق الواقع المعاصر، وتنظيم دورات تأهيل الشباب المقبلين على الزواج؛ لتساعدهم على فهم جوهر الزواج.

تعليق عبر الفيس بوك