المنتخب القطري ظهر بأداء باهت وافتقاد للرؤية الفنية

لماذا انطفأ بريق العنّابي في المونديال وودّع البطولة مبكرًا؟!

المعسكرات الطويلة أثرت على اللاعبين نفسيا واجتماعيا

المدرب الأسباني افتقد للمرونة التكتيكية وأدى المباراتين بسيناريو وحيد ومحفوظ

عدم ضخ دماء جديدة للفريق وثبات القائمة منذ 2019 أبرز أسباب الإخفاق

الرؤية- وليد الخفيف

لم يقدم المنتخب القطري ما يؤهله لتجاوز دور المجموعات، فظهر بأداء باهت في مباراة الافتتاح أمام منتخب الإكوادور الذي تفوق بهدفين دون رد، قبل أن يتلقى الخسارة الثانية من السنغال بطل أفريقيا 3-1، ليودع منتخب الدولة المستضيفة منافسات كأس العالم رسميًا قبل الجولة الثالثة.

وأضحى المنتخب القطري مطالبًا بتحسين صورته وترك بصمة إيجابية تعكس قيمة بطل آسيا والمنتخب صاحب الأرض والجمهور، لكن هذا الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة وإجراءات مُغايرة أمام المنتخب الهولندي الطرف الآخر في اللقاء، لاسيما وأن الأخير لم يحسم أمر تأهله لدور الـ16 ما يضع المباراة على صفيح ساخن.

وتبدو خسارة العنابي منطقية في كرة القدم دون النظر لموازين القوى والتاريخ الذي يرجح كفة المنتخبات الثلاث على حساب أصحاب الأرض، إلا أن علامات الاستفهام والتعجب تبدو واضحة أمام الأداء القطري الذي جاء ضعيفًا باهتًا مغايرًا لما قدمه في كأس آسيا 2019 التي أقيمت بالإمارات العربية المتحدة وتوج بلقبها عن جدارة واستحقاق متفوقًا على كل منتخبات القارة الصفراء.

وبتحليل أسباب خروج العنابي مبكرًا، عكفنا على وضع أداء المنتخب معيارًا للقياس، كونه أكثر مصداقية مقارنة بالنتائج التي قد يتدخل الحظ والتوفيق لتحقيقها لتخرج بالعديد من الأسباب الفنية والإدارية:

أولا: لم تتغير قائمة المنتخب القطري منذ 2019 بعد تتويجه بلقب كأس آسيا، فالمنتخب الذي قدم قمة عطائه لم تلمس قائمته التغيير لمدة أربعة سنوات، على خلاف المنتخبات الـ31 المشاركة في المونديال، فلم يضم المدرب الأسباني عناصر أخرى لتجديد الدماء، وافتقدت القائمة للتنافسية بين اللاعبين، فكل لاعب في قائمة 2019 كان مطمئنا لوجوده ضمن قائمة كأس العالم بغض النظر عن مستواه سواء في الدوري المحلي أو خلال المعسكرات والمباريات الودية مع المنتخب، الأمر الذي أصاب أداء العنابي بالفتور.

ثانيا: اعتماد الاتحاد القطري خطة الأسباني فليكس سانشيز، المرتكزة على المعسكرات الطويلة التي أبعدت اللاعبين عن أسرهم وحياتهم الاجتماعية لشهور طويلة، هذه التجربة التي ثبت عدم فاعليتها وتأثيرها سلبيا على أداء اللاعبين.

ثالثا: توقف مسابقة الدوري القطري من سبتمبر الماضي بهدف الدخول في معسكرات طويلة، فالمسابقة تمثل أهمية تنافسية أفضل من المعسكرات الطويلة حتى ولو كانت المسابقة ضعيفة، فالتنافس عنصر مهم للمحافظة على المستوى الفني للاعبين، وهو هدف لا يتحقق بالمعسكرات الطويلة التي تسبب الملل والفتور، لا سيما لو تخللتها مباريات ضعيفة مثل معسكر النمسا وأسبانيا الذي تخلله مباريات مع منتخبات للمحليين.

رابعا: اعتماد الاتحاد القطري على خطة إعداد طويلة للمنتخب الأول، تضمنت مشاركته في كوبا أمريكا والكأس الذهبية والتصفيات الأوروبية المؤهلة للمونديال، فضلا عن مباريات ودية لامس عددها الـ40 مباراة بعضها معلن عنه والبعض الآخر غير مُعلن، وربما أدى هذا إلى إنهاك اللاعبين بدنيا.

خامسا: عدم انسجام خطة الإعداد مع التدرج التدريبي للمباريات الودية، حيث بدأت بمواجهات من المستوى العالي ثم تراجعت لمواجهة منتخبات للمحليين في الفترة التي تسبق المونديال، بالإضافة للدخول في معسكرات طويلة لم تتضمن مواجهة منتخبات قوية تكشف للمدرب المستوى الفني الحقيقي لكل لاعب على حدة وللمجموعة ككل، فلم يخض العنابي أي مباراة قوية قبل المونديال بخلاف كل المنتخبات المشاركة التي اقتصرت فترة إعدادها على تجمعات أيام الفيفا واستمرار المسابقات المحلية وخوض مباريات ودية متدرجة حتى وصلت للمستوى الأعلى قبل انطلاق المونديال لتحقيق أهداف فنية دون النظر للنتائج.

أما عن الأسباب الفنية، فيتحملها المدرب واللاعبون بنسب متفاوتة، وهذه أبرز الملاحظات:

أولا: لم يحسن المدرب الإعداد الذهني والنفسي للاعبيه، ولم يصل للمستوى المطلوب من التعبئة النفسية قبل انطلاق مباراة الافتتاح، فالتعبئة النفسية كانت منخفضة ما أصاب اللاعبين بالفتور وغياب رد الفعل واختفاء الكفاح من أجل الفوز أو إدراك التعادل على أقل تقدير، وهذا ما ظهر في مباراة الإكوادور التي خاضها اللاعبون وعلامات القلق والتوتر تملأ وجوههم، فلم يبحث اللاعبون عن تقليص الفارق بقدر رغبتهم في عدم تلقي خسارة أكبر.

ثانيا: رغم المدة الطويلة للمدرب مع الفريق منذ 2007  إلا أنه عجز عن تعزيز عنصر الثقة لدى رجاله مع انطلاق المونديال، وهو ما نجح فيه خلال منافسات كأس آسيا الماضية، فغاب الإبداع عن أداء معظم اللاعبين الذين اعتمدوا على الأداء التقليدي الآمن، فكان حرصهم منصباً على خلو الأداء من الأخطاء لعدم تحمل المسؤولية.

ثالثا:  لم يدرس المدرب فليكس سانشيز أسباب خسارته من الإكوادور بشكل دقيق، فانتهج نفس طريقة اللعب والأسلوب رغم بحثه عن الفوز، ولم تظهر أي تغييرات على التشكيل كما لم تظهر الرغبة في الفوز إلا بعد استقبال هدفين، فتمرد اللاعبون على التكتيك العقيم بحثاً عن حفظ ماء الوجه أمام الجماهير، فظهر العنابي الذي نعرفه، فسجل مونتيري هدفًا رائعاً وتصدى مندي لسيل من الهجمات الخطيرة، فعندما آمن اللاعبون بقدراتهم وتحرروا من القيود التكتيكية العقيمة ظهر الشكل الحقيقي للمنتخب القطري.

رابعا: افتقد المدرب الأسباني للمرونة التكتيكية خلال المباريات وسوء الإدارة الفنية خلال الـ90 دقيقة، فالمدرب أدار اللقاء بسيناريو وحيد وبتكتيك وحيد وتغييرات متأخرة معروفة سلفًا دون مفاجآت، فرغم تأخره بهدف أمام الأكوادور لم يحول طريقة اللعب من 3-5-2 إلى 4-4-2 بمهام هجومية مع تحرير عبد الكريم حسن إلى مركز الظهير الأيسر للاستفادة من نزعته الهجومية فبقي الوضع على ما هو عليه.

خامسا: لم يحسن سانشيز استغلال عبد الكريم حسن عندما وضعه في مركز قلب الدفاع، رغم أنه قادر على صنع الفارق كظهير أيسر بمهام هجومية، بالإضافة لعدم انخراط أكرم عفيف في التكتيك الجماعي، فظهر بمهام وأدوار مختلطة جردته من خطورته وأنهكته بدنياً وأبعدته عن المناطق المؤثرة هجوميًا.

سادسا: تراجع المستوى الفني والبدني لبعض اللاعبين مثل الهيدوس الذي يلعب في مركز لا ينسجم مع إمكاناته البدنية والعمرية، ولم يكن ملمًا بدوره ومهامه، وشارك المعز أساسياً رغم ابتعاده عن مستواه تزامنا مع تراجع كريم بوضيف ومادبو وعلام خوخي وكذلك الحال لسعد الشيب وبرشم البديل.

وبناء على التحليل السابق، فإن المنتخب القطري يحتاج إلى حلول سريعة لاستعادة بريق العنابي مرة أخرى، ومن أهم هذه الحلول: "إحلال وتجديد قائمة المنتخب القطري قبل انطلاق كأس آسيا، البحث عن مدير فني جديد بطموحات جديدة، اختيار مدير فني جديد للاتحاد القطري، الابتعاد عن المعسكرات الطويلة وتطوير الأداء عبر المنافسات المحلية حتى ولو كانت ضعيفة، اعتماد التشكيلة بناء على مؤشرات علمية وعملية واضحة دون النظر للأسماء، اعتماد المرونة التكتيكية للتعامل الفني مع المباريات الكبيرة، الاكتفاء بأيام الفيفا لتجمع المنتخبات والتدرج في مستويات المباريات الودية".

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك