الثورة الصناعية الرابعة ومتطلباتها في مدارسنا (1- 2)

 

د. فريدة الحضرمية **

** خبيرة تربوية

في ظل وجود تغيرات متسارعة، يقف العالم اليوم على أعتاب ثورة صناعية رابعة، لا يقتصر أثرهـا علـى تغيير شكل الصناعات وطرق الإنتاج كمـا حـدث في الثورة الصناعية الثالثة؛ بل يمتد إلى تغيير في المعرفة من حيث الإنتاج والاستخدام والتطوير الرقمي، مما يتطلب من مؤسسات المجتمع بصفة عامة والمؤسسات التعليمية بصفة خاصة تلبية متطلبات تلك الثورة بما يسمح للمجتمع بأن يكون عنصرا فعالا مشاركا في تلك الثورة بكافة مجالاتها.

لقد مرَّت الثورة الصناعية بالعديد من المراحل، ولقد كان لكل مرحلة من هذه المراحل ملامحها الخاصة وتداعيتها، وانعكاساتها على المجتمعات وقطاعاتها المختلفة، وأهم ما يُميّز الثورة الحالية أنها تستند إلى الثورة الرقمية أي الثورة الصناعية الثالثة، كما ترتكز على الرقمنة الشاملة لجميع الأصول المادية والتكامل في النظم الإيكولوجية الرقمية مع شركاء سلسلة القيمة، فهي تربط بين مجموعة واسعة من التقنيات الرقمية الجديدة حيث تتميز بشبكة الإنترنت الأكثر انتشارا في كل مكان.

وفي هذا الصدد فإنِّه مع ظهور هذه التقنيات الناشئة، وبروز اقتصاد المعرفة، وظهور الأزمات الاقتصادية وما ترتب عليها من تذبذب في السياسات التعليمية وسياسات تمويل المدارس وغيرها من الأزمات قد فرض على مؤسسات التعليم المدرسي العديد من المتطلبات الرئيسية حتى تواكب هذه المؤسسات عصر الثورة الصناعية الرابعة ومواكبة التغييرات المجتمعية وذلك لتحسين الوضع التنافسي لهذه المدارس وتحسين مستوى الجودة والأداء بها.

 لقد أشارت العديد من الدراسات في مجال الثورة الصناعية الرابعة تغيير شامل في شكل المدارس التقليدية لتتحول إلى مدارس تقوم بتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتقنيات الناشئة في الثورة الصناعية الرابعة كإنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي وغير ذلك، في العملية التعليمية التعلمية  وتعتمد على وسائل متقدمة تسمى هذه المدارس بمدارس الجيل الرابع، وتعتمد أيضاً على تكامل جميع عناصر المنظومة المدرسية، كما تؤكد تلك الدراسات على ضرورة تعزيز الشراكة المجتمعية بين المدارس والمؤسسات التنموية، هذا وأقرت بعض هذه الدراسات على دورها في تغيير هذه الثورة لسوق العمل المستقبلي بتهيئة الناشئة للوظائف المستقبلية حتى يلتحق بالتعليم الجامعي وهو على دراية تامة بالتخصصات الملائمة له  لدراستها ويتبع ذلك تغيير في شكل القوى البشرية الملائمة ومهاراتهم اللازمة لذلك.

فالثورة الصناعية الرابعة فرضت العديد من التحديات على المجتمعات ومؤسساته بصفة عامة والمدارس بصفة خاصة، مما أدى إلى وجود تداعيات وانعكاسات غيرت من شكل وطبيعة المدارس وبالتالي ظهرت متطلبات خاصة للمدارس في عصر الثورة الصناعية الرابعة، وذلك من حيث ملامحها وتداعياتها وتحدياتها.

 إنَّ موجة الثورة الصناعية الرابعة هي موجة تحولات تؤدي إلى حدوث تغيير ليس في الأنظمة التعليمية فحسب ولكن في كافة الأنظمة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية وغير ذلك، وتستند إلى العديد من الابتكارات التقنية ودمج العالم الحقيقي بالعالم الافتراضي، كما أنها تعتمد على العديد من التقنيات التي تتمثل في إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، الأنظمة الفيزيائية السيبرالية، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والواقع المُعزز، وغير ذلك. فقد يعرفها جانك ساب يام بأنها "عملية تحويل نظام الإنتاج من خلال دمج عالم الإنترنت الذي تمثله تكنولوجيا المعلومات والعالم الحقيقي الذي كان موضوع الثورة الصناعية الأولى والثانية، أي أنها تربط العالم المادي (عملية الإنتاج) بالعالم الإلكتروني.

لقد تتنوع تداعيات الثورة الصناعية الرابعة وتقنياتها الناشئة لتشمل كافة القطاعات التعليمية والصناعية والاقتصادية والصحية والسياسية وغير ذلك، منها على سبيل المثال وليس الحصر الفصول الدراسية المعكوسة أو الفصول المقلوبة وهي طريقة تتكون من عكس طبيعة الأنشطة في الفصل الدراسي (المحاضرات) وفي المنزل (مهام الواجبات المنزلية)، والذي يعني إعطاء الطلاب أنشطة مستقلة من المستوى المعرفي المنخفض يجب القيام بها في المنزل، من أجل تفضيل العمل التعاوني ومهام التعلم ذات المستوى المعرفي العالي في الفصل، من خلال وضع الطلاب في نشاط تعاوني، وتغییر محتوى المناهج الأساسية في العديد من المجالات الأكاديمية؛ حيث أصبحت اليوم تركز على المواهب والمهارات الصعبة كالمخاطرة وغيرها من المهارات، كما بات من الضروري للمدارس اعتماد مناهج تربوية جديدة لتقديم استجابات مصممة خصيصا للاحتياجات المحددة لكل متعلم، ولتسهيل الوصول إلى المحتوى التعليمي وتحسين جودة التعلم هذا، تتضمن هذه المناهج علم أصول التدريس النشط الذي يشير إلى طرق التدريس التي تركز على الطالب والأنشطة التي يقودها المعلم، فهو نهج تربوي يهدف إلى جعل عملية التعلم الخاصة به مع المشاركة النشطة في بناء المعرفة.

تعليق عبر الفيس بوك