غرسك بين يديك

 

إبراهيم الريامي

 

أنعم ويُنعم الله علينا بنعمٍ كثيرة تغمرنا في حياتنا، وهي تعبيرٌ عن محبته عز وجل العظيمة لعباده، ومن لا يستطيع أن يرى نعم الله عليه فإنه حقاً لا يرى. حياة الإنسان لا تخلو بطبيعتها من بعض المنغصات وهي تتفاوت من إنسان لآخر.

أحيانًا تكون هناك نعم كثيرة في حياة الإنسان وهناك منغص واحد، فينسى الإنسان تلك النعم الكثيرة ويجعل جل تفكيره على ذلك المنغص ويتناسى النعم الأخرى، فيزداد ألمه ويَعظُم شقاؤه. في المقابل، إنسان آخر آتاه الله الحكمة وابتلاه بعشرات المنغصات في حياته، لكن هناك نعمة واحدة بارزة عليه، فيتناسى كل تلك المنغصات ويُركز على تلك النعمة فتكون سبباً في خروجه من العسر والمنغصات الأخرى. لذلك من المهم أن ينظر الإنسان من أين يستمد قوته وطاقته في الحياة هل من المنغصات أم من النعم الكثيرة التي تغمره وما أكثرها. يقول المولى عزَّ وجلَّ "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم: 7).

وهذا يدعونا إلى التأمل في أعمالنا التي بين أيدينا الآن وهو ما أود تسميته الغرس الذي بين يديك. في كثير من الأحيان يتناسى الإنسان عمله الذي بين يديه ويفكر بما هو أكبر وهذا طموح مُستحق لكل إنسان، لكن العيب أن يقصر الإنسان في العمل الذي بين يديه بحجة انتظار ما هو أكبر. فالموظف لا يجتهد في عمله بحجة انتظار الترقية أو المنصب الأعلى، والطالب لا يجتهد في دراسته الحالية بحجة أنه يؤجل ذلك لاختبار المرحلة الأخيرة من دراسته؛ فتضعف العزائم وتقل الهمم وينسى الغرس الذي بين يديه الآن بحثا عن شيء آخر يعتبره أكبر وأهم. لكن الذي لا يعلمه أن العمل الذي بين يديه الآن هو المفتاح الحقيقي للنجاح في المستقبل. من لا يتقن ولا يبذل الجهد في العمل الذي بين يديه الآن فإنه لن يتقن أي عمل آخر قد يأتيه في المستقبل. ومن لا يستطيع أن يرى نعم الله الكثيرة التي بين يديه فإنه لن يرى أي نعمة أخرى مهما عظمت.

كثيرٌ من الناس يبحثون عن هدفهم في الحياة ولا يعرفون ما هذا الهدف، ولعل هدف الإنسان في الحياة هو ذلك العمل الذي بين يديه الآن وليس ذلك الشيء الذي ينتظره. فهلا اعتنيت بالغرس الذي بين يديك.

لا يوجد إنسان إلا ويوجد لديه غرس بين يديه. قد يقول قائل إن هذا الأمر لا ينطبق عليَّ لأني في الأساس لا يوجد لدي عمل. أنا متقاعد أو أنا باحث عن عمل. والجواب على هذا الأمر سهل للغاية. عليك أن تسأل نفسك ما هو الغرس الذي بين يديك الآن؟ عليك أن تبحث عن غرسك حتى وإن كان هذا الغرس بسيطاً للغاية فمن الحركة تأتي البركة. ما هو العمل الذي يمكنك أن تقوم به الآن. لا تفكر بالوظيفة والمنغصات التي تعترض طريقك فقد تكون كثيرة لكن هذا ليس الهدف، فكر فقط بما يمكنك القيام به الآن حتى وإن كان عملا صغيرا لابد من تحريك طاقتك.

فعلى سبيل المثال، إذا كنت باحثًا عن عمل، فما يمكنك القيام به الآن استمرار البحث عن وظيفة وعدم الاستسلام مهما كلف الأمر، والابتعاد عن اللوم والشكوى والاستماع إلى المحبطين لأنها من مسببات التعثر. إليك بعض الغرس الذي يمكنك القيام به الآن: الالتحاق بدورة لتأهيلك للعمل الذي تنتظره، ما يمكنك القيام به هو التطوع للعمل بدون مقابل لاكتساب الخبرة، وأن تكون نيتك أن هذا العمل سيقودك- بإذن الله- إلى العمل الذي تسعى للحصول عليه، قد يكون غرسك أن تبحث عن شخص توظف للتو لسؤاله كيف قام بالتحضير لتلك الوظيفة التي حصل عليها. المهم أن تتحرك وتبذل جهدا معينا حتى وإن كان بسيطا. وكما قال أحد القادة "إذا كنت لا تستطيع الطيران أركض، إذا كنت لا تستطيع الركض امشِ، إذا كنت لا تستطيع المشي، ازحف. لكن لا تتوقف عن الحركة".

لا يوجد شخص إلا ولديه غرس يمكنه القيام به وإتقانه، عليك أن تبحث عن غرسك. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أهمية العمل حتى في أصعب الأوقات وأشدها: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها". أي عمل يمكنك القيام به عليك أن تقوم به وتتقنه خير إتقان، حتى في أصعب الأوقات وأشدها عليك.

يُحكى أن شخصًا كانت لديه مزرعة أفنى حياته في غرس أشجارها والتنعم بأرزاقها فكان يعيش حياة سعيدة جميلة إلى أن سمع أن هناك بلادا أخرى بها ألماس وذهب وأن النَّاس فيها غمرهم الثراء والخير الكثير. فقرر الرجل أن يبيع مزرعته وحمل المال الذي حصل عليه معه وذهب إلى تلك البلاد واشترى منجماً للتنقيب عن الذهب والألماس، واستمر في التنقيب لسنوات دون أن يعثر على شيء حتى نفذت نقوده فعاد إلى بلده الأصلي ليجد أن الذي اشترى مزرعته وبينما كان يحرث الأرض تفاجأ بوجود منجم من الألماس في تلك المزرعة ورزقه الله منها الخير الكثير، بينما ازداد ألم وحزن صاحب المزرعة الأصلي عندما علم بما أضاعه من بين يديه من ثروة عظيمة.

العبرة من القصة أنه أحيانًا نعتقد أن سعادتنا تكمن في ما نتمنى الحصول عليه، بينما السعادة الحقيقية هي بين أيدينا الآن وفي ما نملكه من غرس، فهلا أعتنيت بغرسك الذي بين يديك.

تعليق عبر الفيس بوك