تقليد المشاهير وغياب الأسرة من أسباب وقوع النشء في "المصيدة"

طوفان "المحتوى المُبتذل" على "منصات التواصل" يُنذر بإغراق القيم المجتمعية

◄ الوشاحية: يجب وضع قوانين تعاقب مروجي المحتويات المخالفة للعادات والتقاليد

بسام: محاربة "الحسابات التافهة" عبر التجاهل التام.. والبعض "مريض بالشهرة"

البنا: وسائل الإعلام والمؤثرون لهم دور في حماية الشباب من التردي الفكري

العويطي: يجب دعم المحتوى الهادف وتحفيز المُلهمين

الحارثية: على الأسرة القيام بدورها تجاه الأبناء وتوعيتهم منذ الصغر

"سلوك القطيع" من أسباب تفشي "المحتوى الرديء"

منصات التواصل سهّلت كسب المال عبر الأعمال المنافية للآداب

الفقر وتفكك الأسرة من أسباب الوقوع في "مصيدة الابتذال"

 

الرؤية- سارة العبرية

مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي وسهولة استخدامها بين مختلف فئات المجتمع، انتشرت المحتويات الإيجابية المفيدة، وكذلك السلبية غير الأخلاقية، الأمر الذي جعلها ناقوس خطر يدق باب الأسرة والمجتمع، لأنها تمثل خطرا على النشء والشباب.

وعلى الرغم من وجود المحتوى المفيد الذي يلهم الكثير من الشباب بالتجارب الشخصية والأفكار المستنيرة، إلا أن المحتوى غير الأخلاقي يطغى أحيانا ويساهم في الإيقاع بصغار السن لتقليد ما يشاهدونه عبر المنصات المتنوعة..

ويؤكد عددٌ من المتخصصين في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، أن هذه الظاهرة أثرت بشكل كبير على سلوكيات كثير من الشباب والأطفال واستقطبت عددا منهم لتوقعهم في براثن حب الشهرة وجني المال، مطالبين بتضافر الجهود وتكاملها بين المؤسسات المعنية المختلفة وكذلك من طرف الأسرة للحد من انتشار هذه الظاهرة وحماية المجتمعات من انهيار القيم والأخلاق.

وتُشدد إيمان بنت علي الوشاحية، كاتبة محتوى، على ضرورة  وضع محددات ومعايير أخلاقية والعمل على تنمية المُجتمع ورفع مستوى الوعي والثقافة فيما يخص استخدام منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى المحددات الدينية باعتبارها المرجع الأساسي للمعاملات والتعبير عن الآراء، وكذلك المُحددات الفكرية والثقافية التي تضمن طرح الأفكار والآراء بشكل مقبول دون إهانة الآخرين أو مهاجمتهم، وكذلك طرح الأفكار بناء على التجارب الشخصية واستعراض الدروس التي يتعملها الشخص من هذه التجارب.

وتشير إلى أن ظاهرة النقاشات الجدلية سوف تختفي من منصات التواصل الاجتماعي عندما تضع جهات الاختصاص قوانين تحد من نشر المحتوى المسيء أو المخالف للعادات والتقاليد المجتمعية، ومعاقبة كل من يتجاوز هذه القوانين، مضيفة أن ذلك يجب أن يصاحبه حملات توعوية عن سلبيات مثل هذه النقاشات الجدلية وما تحدثه من تفرقة وتفكيك بين أفراد المجتمع.

ويذكر بسام عبدالله، مذيع وصانع محتوى رقمي بالسعودية، أن حل هذه المشكلة يكمن في محاربة مثل هذه الحسابات التي تقدم المحتوى "التافه" عن طريق تجاهلها وعدم متابعتها أو التعليق عليها سلباً أو إيجاباً، موضحاً أنه إذا انتشرت ثقافة التجاهل لكل ما هو غير مفيد، ستكون هذه الحسابات مجبرة على نشر المحتوى الهادف.

وأضاف: "يجب علينا أن نعبر عن وجهات نظرنا في القضايا الإيجابية والتركيز قبل التعليق والتثبت من الموضوع هل هو صحيح أم إشاعة؛ لأنَّ ما ستكتبه يعبر عنك ويجب عليك التأكد من صحته، لأن ليس كل ما ينشر صحيحاً"، مشيرا إلى أن كثيرا من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي أصبحوا مرضى بإعادة التغريد والإعجاب، وأن البعض منهم يلجأ للمحتوى المنافي للأخلاق طمعا في الشهرة وجذب المزيد من المتابعين.

ويدعو بسام عبدالله إلى قيام الجهات المختصة بمتابعة ومحاسبة كل من يستخدم منصات التواصل الاجتماعي بشكل منافٍ للأخلاق، حتى يعود هؤلاء إلى رشدهم ويعيدوا النظر فيما يقدمونه للجمهور.

من جهتها، تقول آمنة بنت صالح البنا، مدير تحرير للإعلام الرقمي لصحيفة البيان الإماراتية، إن الوعي هو الرهان الأول بمختلف المجتمعات، فكلما زاد الوعي قلت المخاطر واختفت الآثار السلبية لأي محتويات غير أخلاقية، مؤكدة أن زيادة الوعي تكون من خلال الحضور الأسري الفعَّال والحملات التوعوية من قبل الجهات الرسمية ومراقبة كل ما يبث وينشر لتسليط الضوء على المفيد ومعاقبة المسيء.

وتسلط البنا الضوء على دور وسائل الإعلام المحلية وصناع المحتوى والمؤثرين في هذا الأمر، لما لهم من تأثير قوي على عقول وأفكار وأخلاق الشباب، ومساهمتهم في نضج هذه الفئة بالمجتمع وحثهم على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم، حتى لا يقعوا في مصيدة الشائعات والأفكار المغلوطة والترويج للمحتوى غير المفيد.

وتابعت: "فضاء السوشيال ميديا اليوم مفتوح أمام العالم، وبإمكان كل شخص أن يشارك ويُعبر عن رأيه في قضايا الوطن وهموم الشعب أو أي قضية مجتمعية، لكن يجب أن تكون اللغة المستخدمة في التعبير بعيدة عن التنمر أو انتقاص حق أي جهة أو شخصية واحترام الآخرين وخصوصيتهم، كما يجب التأكد من مصداقية الرسالة والمحتوى ونقلها بإيجابية وشفافية، وأن تكون مستندة على حقائق ومصادر موثوقة"، مشددة على ضرورة تفعيل الرقابة من قبل الجهات ذات الاختصاص والتدخل حسب الحاجة، ورفع الوعي المجتمعي من خلال تدشين حملات توعوية لفئات المجتمع المختلفة توضح الاستخدام الأمثل والإيجابي لمنصات التواصل الاجتماعي، وتفعيل دور الجهات القانونية عبر توعية المجتمع بالقوانين واللوائح المرتبطة بشأن إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي والجرائم المتعلقة بتقنية المعلومات والعقوبات المرتبطة بها.

ويرى محمد العويطي، مختص بالتسويق الرقمي بالمملكة العربية السعودية، أهمية متابعة الملهمين والمحتوى الهادف الذي يعزز بناء القيم، ودعمهم وتحفيزهم حتى يتمكنوا من الاستمرار والتطور، معتبرا أن سن القوانين المنظمة لمحتوى التواصل الاجتماعي سوف يساهم في اختفاء المحتويات الأخرى.

وتبين نويّر بنت سعود الحارثية، صحفية سعودية: "أساس المجتمع هو أبناؤه، ويجب على كل رب أسرة مراقبة ما يشاهده أبناؤه من المحتوى وأيضاً توعيتهم وإبعادهم قدر الإمكان عنها وشغلهم بالزيارات الأسرية أو الخروج للتنزه، وتدريبهم على طرح وجهات نظرهم بشكل صحيح والابتعاد عن التعصب والتمسك بالرأي واحترام آراء الآخرين، والتأكد من الأخبار قبل إعادة نشرها وترويجها"، مطالبة بفرض عقوبات وغرامات وإغلاق حسابات الأشخاص الذين يخالفون القيم والعادات أو يعملون على ترويج الشائعات.

وتلفت ملاك الكوري، مستشارة إعلامية وصاحبة شركة ميديا بالإمارات، إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تشهد انتشار محتويات غير أخلاقية لا تعبر عن قيم المجتمع وأخلاقياته، بالإضافة إلى وجود محتوى هادف على الجانب الآخر، معتبرة أن المسؤولية تقع على عاتق المتلقي الذي يختار ما يشاهده بمحض إرادته، وهو من يختار مشاهدة السلبي أو الإيجابي من هذه المحتويات.

وعن الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تدفع بعض الأشخاص إلى اللجوء للمحتوى المنافي للقيم، تقول إيمان الوشاحية إن الشبكة العنكبوتية يستخدمها الملايين حول العالم، ولكل شخص شخصيته وأفكاره ومعتقداته وعاداته وتقاليده، لافتة إلى أن سهولة استخدام هذه المنصات جعلها تجذب الكبير والصغير وفتحت المجال للبعض لاستخدامها بشكل غير أخلاقي، موضحة: "هناك أسباب اجتماعية منها التقليد الأعمى وسلوك القطيع الذي انتشر بشكل كبير في الآونة الأخيرة، والبعض يحب تقليد بعض النجوم والمشاهير، وآخرون يحبون تقليد بعضهم بعضًا والمُنافسة فيما بينهم لأجل كسب أكبر عدد من المتابعين ورصيد أكثر من المال، ناهيك عن تصرفاتهم وسلوكياتهم التي دُفنت في حضرة مُسمى الشُهرة، كما أن منصات التواصل سهلت اليوم كسب المال، فأصبحنا نرى وجوهاً كثيرة لا صلة لها بالمحتوى القيّم أو المُفيد، لتنشر محتوى مضيعاً للوقت ومُدمرا للعقل من أجل المال فقط، كما أن قلة الاحتواء من قِبل المحيطين بهم جعلوهم يلجؤون للمنصات الإلكترونية باعتبارها متنفسًا للتعبير عما يدور بخاطرهم".

وتفيد آمنة البنا بأن أسباب هذه الظاهرة كثيرة، ومنها: "حب الظهور دون تقديم ما ينفع أو يفيد، والشهرة التي قد تدفع الشخص إلى فعل أي شيء في سبيل إرضاء نفسه وغروره، وجني أرباح سريعة بأي طريقة سواء أكانت شرعية تتواءم مع ثقافة المجتمع أم لا، والاعتقاد الخاطئ بأن الجمهور سطحي ويحتاج إلى أشياء خفيفة ترفه عنه، وعدم الإلمام بحجم الضرر الذي قد يحدثه الشخص بسبب تصرفه غير المسؤول، وكذلك إحداث بلبلة بهدف زيادة التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي وعدم تقبل الرأي الآخر وتشويش صورته عن قصد بهدف النيل منه، إضافة إلى استقاء المعلومة من مصادر غير موثقة للنيل من الأوطان وثوابت الأمة".

وتذكر نوّير الحارثية أن من ضمن الأسباب النفسية قلة الثقة بالنفس ومحاولة إثبات الذات ولفت انتباه الجمهور حتى لو كان يعلم هذا الشخص أن الطريقة هذه منافية، بالإضافة إلى أنَّ من بين الأسباب الاجتماعية الفقر وتفكك الأسرة أو تشددها، مضيفة: "صانع المحتوى اليوم مثل قبطان السفينة، وهو لا يصنع المحتوى فقط وإنما يصنع ويؤثر في نفس الوقت؛ حيث يبدأ صانع المحتوى في قيادة سفينته إلى اتجاه ذي قيمة فعّالة في المُجتمع، ويبدأ دوره في تعزيز قيّم المُجتمع الإيجابية من خلال نشره للمادة المفيدة والقيّمة على صفحته".

وتوضح إيمان الوشاحية أن صانع المحتوى يكمن دوره وتأثيره في توعية الناس، وتصحيح مفاهيم مغلوطة لديهم، ومشاركتهم التجارب والقصص الملهمة حتى تنير طريقهم وتحفزّهم، والتأثير الجيِّد يبدأ من خلق محتوى إيجابي ومُحفّز ذي جودة وقيمة عالية يلامس الجمهور ويخاطبهم ويؤثر فيهم بطرق سليمة.

وتوجه الوشاحية رسالة إلى كل صانع محتوى قائلة: "وجودك قوة في منصات التواصل، استخدم هذه القوة لمساعدة الناس ودعمهم وتوجيههم نحو بناء حياة ومستوى فكري أفضل، وبادر بصنع مجتمع مليء بالفكر الإيجابي والتحسين المُستمر".

ويُؤكد بسام عبدالله أن صانع المحتوى يجب عليه التركيز على محتوى إيجابي وشيق ومُمتع، وتحديد الجمهور المستهدف ودراسته بالشكل الصحيح.

وترى آمنة البنا أنه يجب على كل صانع محتوى أن يتمتع بقيم وسلوكيات المواطنة الإيجابية؛ حيث يعتبر الإعلام اليوم القوة الناعمة لأي دولة، وأن من يرى نفسه صانع محتوى يجب عليه أن يكون قدوة حسنة في نقل الصورة المشرفة لوطنه بالمقام الأول والعادات والتقاليد وسمعة الدولة.

ويوضح صقر الجابر، إعلامي وعضو بالمركز الإعلامي بنادي القادسية بدولة الكويت، أن الدوافع الأسرية من حيث بيئة الفرد داخل أسرته وبعض الخلافات الأسرية، قد تخلق أزمة نفسية داخلية تجعلهم يلجؤون إلى السوشيال ميديا وتقديم أي محتوى دون النظر إلى قيمته، مؤكدا أهمية عقد الاجتماعات والمؤتمرات لتوعية المجتمع ومعالجتها بالطريقة الصحيحة.

تعليق عبر الفيس بوك