انتهاء التحكيم دون الفصل في النزاع

 

أنور خميس العريمي

alaraimianwar@gmail.com

 

من الطبيعي أن يكون لكل مُهمة أو مشروع بداية ينطلق منها إلى تحقيق الغاية المنشودة خلال مدة معينة إلى التاريخ النهائي المحدد له، وكما هو الحال في مهمة التحكيم تبدأ من طلب تعيين محكمين في نزاع معين يتم تقديمه من طالب التحكيم إلى الطرف الآخر المحتكم ضده بعد محاولات حل النزاع بكافة الطرق الودية؛ حيث منها يبدأ احتساب مدة إجراءات التحكيم أو من الجلسة الافتتاحية الأولى للتحكيم بحسب الأحوال والتي يتفق فيها الأطراف في المشارطة على بنود محددة وحصرية أو كما تسمى أيضًا بوثيقة التحكيم من ضمنها القانون الذي سيتم تطبيقه على الإجراءات وعلى موضوع النزاع.

وتنص المادة (48) من قانون التحكيم العماني على أنه: "1. تنتهي إجراءات التحكيم بصدور الحكم المنهي للخصومة أو بصدور أمر بإنهاء إجراءات التحكيم وفقًا للفقرة الثانية من المادة (45) من هذا القانون، كما تنتهي أيضًا بصدور قرار هيئة التحكيم بإنهاء الإجراءات في الأحوال الآتية:

أ) إذا اتفق الطرفان على إنهاء التحكيم.

ب) إذا ترك المدعي خصومة التحكيم ما لم تقرر هيئة التحكيم بناءً على طلب المدعى عليه أن له مصلحة جدية في استمرار الإجراءات حتى يحسم النزاع.

ج) إذا رأت هيئة التحكيم لأي سبب آخر عدم جدوى استمرار إجراءات التحكيم أو استحالته.

2. مع مراعاة أحكام المواد 49 و50 و51 من هذا القانون تنتهي مهمة هيئة التحكيم بانتهاء إجراءات التحكيم".

نظمت هذه المادة الحالات التي بها ينتهي التحكيم؛ حيث بدأت أولًا بالأصل الذي من أجله لجأت الأطراف إلى القضاء الخاص المتميز بالسرعة والمرونة في إجراءاته لحسم النزاعات وهو صدور الحكم النهائي الفاصل للنزاع من قبل هيئة التحكيم خلال المدة المحددة، أما الحالة الثانية في النص نفسه فهي مقابل الحالة الأولى باستصدار أمر بإنهاء التحكيم وإجراءاته ليس من هيئة التحكيم بل من المحكمة المختصة أصلًا بنظر النزاع بطلب مقدم من أحد الطرفين، وذلك نتيجة تأخر هيئة التحكيم في إصدار الحكم النهائي في موعده المحدد المتفق عليه أو وفقًا للقانون المطبق في الإجراءات كما نظمتها الفقرة الثانية من المادة (45)، ويصدره القاضي في شكل أمر على عريضة وفقًا للقواعد الخاصة بها. ولعل هذا التأخير في إصدار الحكم النهائي عن الميعاد المحدد له مبرراته لأسباب خارجة عن هيئة التحكيم أو أسباب ناجمة عن مماطلة أحد أطراف الخصومة في الحضور وعدم تقديم المستندات والوثائق المهمة في القضية أو بسبب تعقد وتشابك موضوع الدعوى وتشعبها وكبر حجمها وبالتالي تحتاج إلى وقت أكبر لنظر القضية بصورة أعمق وأشمل أو نتيجة تأخر إيداع تقرير الخبرة الفنية الذي تريد أن تستند إليه هيئة التحكيم في حكمها ….إلخ وكل ذلك على افتراض أن الهيئة استنفذت جميع المدد الأصلية والإضافية المستحقة قانونًا ولم تصدر حكمها الحاسم للخصومة.

هناك حالات أخرى وفقًا لنص المادة بإمكان هيئة التحكيم إصدار قرارها بإنهاء إجراءات التحكيم أثناء مدة التحكيم وقبل الفصل في الموضوع ودون طلب استصدار أمر من المحكمة المختصة بالإنهاء بحيث يتفق الأطراف صراحة على إنهاء التحكيم سواء تم ذلك بتدوينه بمحضر اجتماع أو عن طريق تقديم خطاب رسمي إلى الهيئة موقع من الطرفين أو بأي طريقة أخرى تثبت الإنهاء صراحة، والذي يهدف الأطراف من خلاله على سبيل المثال استبدال المحكمين الحاليين بمحكمين آخرين ذوي خبرة أكبر في ممارسة التحكيم وموضوع النزاع أو إذا رأوا أنه من الأفضل لهم اللجوء إلى القضاء العادي للفصل في نزاعاتهم القائمة بسبب ارتفاع رسوم ومصاريف التحكيم أو غيرها من الأهداف، وعلى أساس ذلك تصدر الهيئة قرارها بإنهاء الإجراءات التحكيمية بحسب إرادة الطرفين بخطاب رسمي كذلك من قبل الهيئة.

وأيضًا إمكانية الهيئة إنهاء التحكيم بحسب نص الفقرة (ب) من المادة نفسها إذا ترك طالب التحكيم الخصومة أو ادعاءه بدون عذر مقبول ولم يقدم على سبيل المثال أي صحيفة دعوى أو بيان لمطالباته ضد الطرف الآخر المحتكم ضده، بالتالي يجوز للهيئة الإنهاء في هذه الحالة إلا إذا رأت أنه وبناءً على طلب من المحتكم ضده لمصلحة حقيقية في الاستمرار في التحكيم فهنا بإمكانها أن تقرر مواصلة الإجراءات والفصل في النزاع.

أعطت الفقرة (ج) كذلك الحق لهيئة التحكيم بوقف التحكيم وعدم السير فيه وإنهاء إجراءاته لأسباب جدية ترى أنها ذات أهمية قصوى مثل مخالفة الأطراف لبنود العقد الرئيسية مع المحكم أو المحكمين منها عدم دفع أتعاب المحكمين ومصاريف التحكيم وذلك باعتباره عقدا ملزما للجانبين يجوز فسخه بالإرادة المنفردة إذا لم ينفذ الطرف الآخر التزاماته.

إضافة إلى ذلك وهو استحالة الاستمرار في التحكيم، إذا ما تبين للهيئة أن موضوع النزاع يدخل ضمن المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم أو تبين عدم اختصاصها في نظر الموضوع لعدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه بتقادم مدته أو بطلانه أو أيضًا إذا تبين صدور حكم قضائي نهائي في النزاع أو إذا تعذر الحصول على المستندات الكاشفة للحقيقة وتعمد الأطراف تعطيل الفصل في النزاع أو تبين استحالة تنفيذ ما قد تصدره الهيئة من حكم طبقًا لقانون بلد التنفيذ وبالتالي عليها أن تصدر قرار إنهاء إجراءات التحكيم من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الطرفين أو أحدهما.

هناك حالات أخرى عديدة تنهي التحكيم دون الفصل في النزاع لم تشملها هذه المادة الخاصة بهذا الشأن مثل التسوية الودية والصلح التحكيمي أو تنازل المدعي عن الحق الموضوعي أو عن الدعوى وهو مختلف تمامًا عن موضوع ترك الخصومة لأنَّ الأخيرة تحدث أثناء سير الدعوى في إجراءات التحكيم فقط ولكن الأولى يمكن أن تحدث قبل البدء في الإجراءات والسير في التحكيم وكذلك أثنائه.

أضف إلى ذلك أن من ضمن الحالات التي تنهي التحكيم هي التسليم بطلبات المدعي من قبل المدعي عليه بحيث يقر هذا الأخير بجميع الطلبات والمطالبات المقدمة ضده، ومنها أيضًا رد المحكم أو تنحيه أو عزله باتفاق الأطراف، وبناءً عليه ينتهي التحكيم باصدار قرار بذلك من الهيئة التحكيمية. والجدير بالذكر أن لكل حالة من تلك الحالات المؤديه الى انقضاء التحكيم وانهاء اجراءاته أشكال وشروط مختلفة عن الأخرى ولا يتسع المجال الان لذكرها في هذه العجالة.

وفي الختام.. لا شك أنه بانتهاء التحكيم تنتهي ولاية الهيئة التحكيمية في نظر النزاع وتنتهي صفتها في مباشرة أي إجراء أو تلقي أي طلبات جديدة من الطرفين ومن ثم يترتب على ذلك امكانية لجوءهم إلى القضاء العادي أو الاتفاق مرة أخرى من جديد على التحكيم.

** خبير هندسة مسح الكمیات ومحكم تجاري

تعليق عبر الفيس بوك