تتعدد الولاءات والانتماءات.. والوطن واحد

 

 

هبة بت عريض

 

بغياب مفهوم جامع للمواطنة انتشرت وسادت أنماط كثيرة من المفاهيم والأدبيات السياسية والاجتماعية التي تُذيب الوطن والشعب في بوتقة المنطقة أو القبيلة أو العشيرة أو القرية أو المدينة، حتى أصبح الولاء لإحداها عند البعض ربما يسبق الولاء للوطن الجامع، والانتماء للشعب الأكبر.

وتصدر هذا الولاء والانتماء قائمة الأولويات على حساب المفهوم الجامع، وفي عدد من دول العالم، لعبت الأحزاب السياسية وحركات الكفاح المسلح دورًا كبيرًا في تقزيم المواطنة وحصرها في قبيلة بذاتها أو حزب بعينه، وساندها بشكل كبير النظام البائد في السودان، وطقوسه في تخصيص الحكم وأيلولته للغالبية الحزبية وقتها، والتي لا ترتقي في كثير من ممارساتها إلى نظام الدولة ومن ثم القانون، فكانت المحسوبية والعاطفة الحزبية غالباً هي السائدة وقتها، وما زلنا على الدرب سائرين.

إنَّ مسألة التداخل السياسي بين الحزب والقبيلة والوطن والانتماء في وطننا السودان وكيفية إقحام القبيلة والمنطقة في السياسة وشؤون الدولة وكيف يحق لنظام أو حزب أو مجموعة فرض سياسات ودستور بذاته على مواطني تلك الدولة متعددة المكونات الدينية والقبلية متناسين بذلك أعراف وتقاليد تلك المكونات، فقد حولت هذه المجموعات الوطن في ظل مختلف أنواع الأنظمة الحاكمة فيه (جمهورية، ديمقراطية، دكتاتورية وإسلامية) إلى تظاهرات الغالب فيها مجرد شعارات ومهرجانات وأغانٍ وأناشيد لتمجيد القائد أو الحزب أو الانتماء، بعيدا عن أي مفهوم للمواطنة التي تنضوي تحتها كل هذه المسميات أو المكونات، فهي بالتالي أصغر منها بكثير، لكنهم أي أصحابها عملوا لسنوات طويلة على تقزيم الوطن وإذابته في شخص دكتاتور أو في كيان حزب مهما كبر أو صغر لن يتجاوز إلا نسبة ضئيلة من مجموع أبناء وبنات الوطن.

فكيف لنا أن نمزج أو نخلط الوطن بالنجاسة، إن قدسية الوطن فوق نجاسة المتردية والنطيحة وما أكل السبع، فكيف يحدث ذلك، السياسيون في وطننا يتعاونون مع بعض ممن يسمون أنفسهم "مصلحين" من خارج حدود الوطن يظنون أنهم يخافون على الوطن ومصالحه أكثر من شعبه، وهم بذلك يمارسون التحايل والكذب وربما التنافس غير الشريف من أجل الوصول إلى السلطة، باستخدام كل المعاصي من أجل الكراسي، حتى وإن كانت عبر ما يسمى "تسوية"، وهي بذلك تبتعد كل البعد أو تتقاطع بالمطلق مع المرتكزات الأساسية للدين الذي يعتمد أسساً قيمية وروحية مقدسة لا يمكن التلاعب في ثوابتها، ومجرد إدخاله أو استخدامه في السياسة كأحزاب أو مجموعات سياسية غرضها الوصول إلى دفة الحكم هو تدمير لكيان الدولة وتحويلها إلى دكتاتورية تحرق الأخضر واليابس، وتشويه للدين ونقائه الروحي، وهذا بالتأكيد لا يعني الموافقة على (دستور) يؤطر للعلمانية ويعد مرجعية في الحكم لشعب غالبيته مسلم ويحتكم للكتاب والسنة، وبالتالي فإن هذا النمط من الأنظمة التي تُقزم الأوطان وتذيبها في شخص دكتاتور أو في كيان حزب سياسي أو تبني فكرة دخيلة على حساب المواطنة التي تضم مختلف مكونات المجتمع عرقيا وقوميا ودينيا، يؤدي إلى أنماط من القساوة، تلك القساوة التي ربما تقود إلى حروب قبلية أو انفصالات إقليمية.

أوجاعنا في الوطن لا حصر لها، فقد تبعثر الوطن بين الأحزاب والمليشيات والعشائر والبوادي والشيخ والدكتاتور، وأصبحت الوطنية في ظل هذه الكائنات مجرد أغنية أو نشيد أو شعار أجوف أو سُلم لاعتلاء كراسي السلطة ليس إلا!

"ماذا أصابك يا وطن

قد حان ميعاد الرجوع إلى الوطن

الكل يصرخ فوق أضواء السفينة

كلما اقتربت خيوط الضوءعاودنا الشجن

أهواك يا وطني..

فلا الأحزان أنستني هواك ولا الزمن"

فاروق جويدة

تعليق عبر الفيس بوك