الشراكة بين البيت والمدرسة والمجتمع ضرورة حتمية

 

د. سالم عبدالله حواس العامري

الواقع الجديد للمُجتمعات المُعاصرة وما يشهده من تقدم تكنولوجي هائل وانفجار معرفي غير مسبوق، أدى إلى اختراق الحواجز القيمية والاقتصادية لكثير من دول العالم المعاصر، وهو ما يُؤكد الحاجة إلى إقامة علاقة شراكة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، شراكة يكون فيها المجتمع والأسرة والمدرسة في علاقة تبادلية، وأن المدارس يجب أن تقوم بالتواصل مع الأسرة بطريقة أكثر تحديدًا للأدوار المطلوبة منهم، وليس مجرد إرسال دعوة للمنزل، وأن يكون للأسرة دور في العملية التعليمية، فدور الأسرة وشراكتها يعد عاملًا هامًا وأساسيًا في حياة التلميذ لكي تنمو شخصيته في تكامل وتوافق.

ولكي يتحقق هذا التكامل، كان من الضروري على كلٍ من المدرسة والأسرة التفهم الكامل لأبعاد دورهما التربوي والاستفادة من التنوع والتكامل في الإمكانات المجتمعية، والعمل معًا على تنسيق جهودهما، ووضعها في الإطار التربوي السليم، خاصة بعد ازدياد الأعباء التربوية المُلقاة على عاتق كلٍ من المدرسة والأسرة، نتيجة لتغيرات الحياة المعاصرة. كما إن المدرسة لا يمكن لها أن تعمل بمعزل عن بقية مؤسسات المجتمع المحلي، بل هي في حاجة دائمة إلى المجتمع وخاصة الأسرة، مما يستلزم وجود نوع من الشراكة بين الأسرة والمدرسة والمجتمع، وأن إشراك الأسرة في العملية التعليمية يسهم في التغلب على كثير من المشكلات والصعوبات التعليمية، ويرفع من مستوى تحصيل الطالب، ويزيد من دافعيته للتعلم، ويعزز السلوك الإيجابي وينمي القيم والاتجاهات الإيجابية المرغوبة.

وعلى صعيد آخر، تقوم فلسفة التعليم في سلطنة عُمان على مبدأ "التعليم مسؤولية وشراكة مجتمعية"، تشترك فيها الأسرة والمدرسة والمسجد ووسائل الأعلام والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المعنية الأخرى؛ فإن هذه الشراكة كفيلة بتحقيق أهداف التعليم.

وفي السياق ذاته، تشير الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040 إلى أن الشراكة تعد غاية محورية لتجويد التعليم وتعزيز التعاون والشراكة بين المؤسسات التعليمية والمجتمع المحلي، لذا كان من الأهمية أن تعمل الدولة على مواكبة هذا التغير السريع والإعداد له، وذلك من خلال تحديث وتفعيل مؤسساتها المختلفة بصفة عامة، والأسرة بصفة خاصة.

ولتعزيز هذه الشراكة، قامت وزارة التربية والتعليم بإيجاد قنوات اتصال وربط بين المؤسسات التعليمية وأولياء الأمور، وفي مقدمة هذه القنوات مجالس أولياء الأمور، حيث تمثل إحدى الآليات المهمة لتقريب جسور التواصل بين المدرسة، والأسرة، والمجتمع، من خلال إشراك أولياء الأمور بالتعاون مع المدرسة في القيام بدورهما في التربية والرعاية، وإبراز دور المدرسة كمركز إشعاع في خدمة المجتمع، إلّا أن هذه المجالس تواجه بعض التحديات والصعوبات أبرزها قلة مشاركة أولياء الأمور في بعض المجالس، رغم توسيع نطاق دائرة هذه المجالس وأعضائها لتكون مجالس على مستوى المدرسة، والولاية، والمحافظة، وتنوع شرائح المجتمع في عضوية هذه المجالس، لتشمل أعضاء المجلس البلدي، ورؤساء ومديري الجهات الحكومية، ورؤساء ومديري المؤسسات بالقطاع الخاص، ورؤساء الأندية الرياضية ومراكز التنمية الاجتماعية، والمشرفين والمعلمين بالإضافة إلى أولياء الأمور.

ولتقليص هذه الفجوة وتطوير الشراكة والتفاعل الإيجابي بين أولياء الأمور والمدرسة سعت الوزارة إلى عقد لقاءات تربوية بين أولياء الأمور والمعلمين بمعدل لقاءين في العام، وتهدف هذه اللقاءات إلى تعريف أولياء الأمور بالمستويات التحصيلية والسلوكية لأبنائهم في المدارس من خلال الالتقاء بشكل مباشر مع المعلمين في لقاء ودي وحوار هادف يتسم بالمرونة والوضوح والشفافية.

وفي الإطار نفسه، ولتعزيز فاعلية مجالس أولياء الأمور قامت وزارة التربية والتعليم بدءًا من العام الجاري بتبني مستجدات على مستوى الوزارة والمديريات لتطوير هذه المجالس أبرزها استحداث قسم تنمية العلاقة مع المجتمع، واستحداث مسمى مشرف تنمية علاقات مجتمعية، وتنظيم ملتقى خاص في المديريات التعليمية لتبادل الخبرات بين المجالس في نهاية العام الدراسي، وتكريم عدد من المجالس المجيدة في هذا الملتقى من أجل الارتقاء بأدوار هذه المجالس وتجويد وتطوير المنظومة التعليمية التي يُعد المجتمع شريكا وجزءا أساسيا فيها.

 وعلى كل حالٍ.. فإنَّ هذه المستجدات وإن كانت دون الطموح ولكنها تُعد خطوات مبدئية على الطريق الصحيح تنم عن استشعار الوزارة لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها نحو تفعيل هذه الشراكة من خلال تطوير هذه المجالس واللقاءات التربوية للقيام بأدوارها المنوطة بها على أكمل وجه في ظل هذه المتغيرات المتسارعة واضطراب القيم واختلال التوازن المجتمعي فضلًاً عن قصور الأسرة والمجتمع في القيام بواجباتها في التربية، والرعاية الأمر الذي نتج عنه تأثيرات سلبية على المستويات التحصيلية والسلوكية للطلبة.

من جانب آخر، فإنَّ وجود المنصات الرقمية ونوافذ البوابة التعليمية التي أتاحت لولي الأمر المشاركة والدخول من خلالها لمتابعة المستويات التحصيلية والسلوكية للطلبة، إضافة إلى بعض الصلاحيات الممنوحة له كتسجيل طالب مستجد أو نقل الطلبة عبر المدارس المتاحة، كل ذلك كان له الأثر الإيجابي في تواصل ولي الأمر مع المدرسة بصفة مُستمرة، بالإضافة إلى تذليل الصعوبات والمشقة التي كان يتكبدها ولي الأمر قبل تفعيل هذه التقنية والمنصات الرقمية.

وبناءً على ما سبق، بات من الضروري على أولياء الأمور مراجعة أولوياتهم نحو تربية ورعاية الأبناء واعتبارهم ثروة وطنية ينبغي استثمارها بنجاح بدءًا من الحضانة إلى التخرج؛ ليكونوا أعضاءً فاعلين ومؤثرين في المجتمع، ومنفتحين إيجابًا على التغيرات المحلية والعالمية. وعلى الجهات المسؤولة وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم العمل على إعطاء المزيد من الصلاحيات وتمكين هذه الشراكة وتحفيز أعضاء هذه المجالس للقيام بالأدوار والمسؤوليات المنوطة بها كما ينبغي من أجل إحداث تغيير إيجابي في ممارسات المشاركة والمسؤولية المجتمعية للنهوض بالعملية التعليمية التعلمية.

تعليق عبر الفيس بوك