نوفمبر في ذاكرة العُمانيين

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

هناك أيام خالدة في حياة الشعوب لا تنسى؛ بل تظل محفورة في ذاكرة التاريخ، تنسج خيوطها المطرزة بالذهب، والمشاعر الجياشة التي تحمل في طياتها نفحات ومشاعر وطنية للأوفياء من أبناء الشعب، خاصة الذين يومنون بمستقبل الأمة وعزة الأوطان.

تفصلنا أيام قليلة عن احتفالنا بالعيد الوطني الـ52 المجيد، الذي يوافق 18 نوفمبر من كل عام، وقد ارتبطت هذه المناسبة الغالية بقلب كل مواطن عماني يعيش على هذا التراب الوطني المقدس، بالإنجازات الشامخة التي غطت كل زاوية من زوايا بلادنا الغالية من محافظة مسندم شمالا إلى أرض اللبان "ظفار" جنوبا، والتي تحتضتن هذا العام هذه الاحتفالية الوطنية الكبيرة (العرض العسكري) وللمرة الثالثة على التوالي تحت الرعاية السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه ورعاه-. وتابعنا خلال الأيام الماضية منذ بداية دخول الشهر الكتابات النوفمبرية الرائعة للكتاب العمانيين والعرب وهم يسطرون بأحرفهم المُعبرة عن أهمية نوفمبر وارتباطه بميلاد السلطان الراحل قابوس -طيب الله ثراه- الذي نقل عمان من تخلف القرون الوسطى إلى حضارة القرن العشرين بما تحمله هذه الكلمة من معنى. فقد فك عزلة عُمان ووحد ترابها الوطني وغير اسمها  الحالي المتمثل في ميلاد دولة جديدة؛ من (سلطنة مسقط وعمان) إلى سلطنة عمان، وخاطب شعبه من قصر الحصن في صلالة مُعلنا عن عصر جديد قد أطل على عُمان، وولادة دولة عصرية تعتمد على الارتقاء بالإنسان العماني وتعويضه ما فاته من سنوات الحرمان والاستبداد والجهل، وفتح صفحة جديدة لبناء عمان المستقبل، إنها بحق دولة القانون والمؤسسات. كما إن وسوم منصة (تويتر) التي تحمل اسمي السلطان هيثم يحفظه الله والسلطان الراحل قابوس- طيب الله ثراه- لم تتوقف يومًا منذ حلول نوفمبر المجيد، بل وفي ازدياد مستمر، إذ تعج منصات وسائل التواصل الاجتماعي التي بعضها وصل إلى ترند العالمي - كما هو الحال- (تويتر) بالتهنئة لجلالة السلطان هيثم بن طارق، والترحم على السلطان قابوس بن سعيد.        

ويعد شهر نوفمبر سجلا تاريخيا وحصادا سنويا للمشاريع التنموية التي تحققت في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية عبر أكثر من خمسة عقود من عمر النهضة العمانية المتجددة، فنتابع على الدوام عبر وسائل الإعلام افتتاح ما تم إنجازه من منجزات جديدة. فالعمانيون جميعا يتذكرون صوت القائد الراحل طيب الله ثراه أو الصرخة القابوسية في فجر السبعين كما يحلو للبعض أن يسميها وهو ينادي في المواطنين:(سنعلم أبناءنا ولو تحت ظلال الأشجار) إنها الإرادة القوية التي صنعت مجد عمان الحديث، وأصبحت عمان في مقدمة دول المنطقة في تحقيق التنمية الوطنية الشاملة على وجه الخصوص في نشر مظلة التعليم الذي يعتبر أثمن ما في هذا الوجود.

وفي مجال السياسة الخارجية؛ نجحت سلطنة عُمان عبر تاريخها الطويل في اكتساب سمعة وثقة كل الأطراف التي تتعامل معها، خاصة في حل الخلافات الدولية والإقليمية، وذلك نتيجة تراكمات وخبرات هذه الدولة وقيادتها الرشيدة التي تستمدها من تراثها الإمبراطوري العريق؛ إذ كانت عُمان لقرون طويلة إمبراطورية يمتد حكمها ونفوذها من ضفاف الخليج العربي شرقًا إلى شرق أفريقيا، خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي. والقيادة العُمانية تملك الكثير من مفاتيح الحكمة والحل والعقد لتحقيق السلام العادل وحل الخلافات في المنطقة العربية، وكذلك في الخليج العربي، فعندما تفصِل عُمان في أي قضية وتقول كلمتها فيها فالكل يسمع ويستجيب؛ بل ويثمن توجهاتها ومواقفها الحكيمة في هذا العالم المترامي الأطراف. لما لا وقد انتهجت السلطنة سياسة الأبواب المفتوحة والشفافية والصدق وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير.

وفي الختام.. نسجل في هذه المناسبة الخالدة الوفاء الصادق لرائد النهضة العُمانية الحديثة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- الذي أفنى عمره في خدمة شعبه ووطنه طوال خمسين سنة، ونجدد الولاء والإخلاص لجلالة السلطان المفدى هيثم بن طارق، حامل راية الوطن ومجدد التنمية الشاملة لعمان والذي يسجل له التاريخ بأحرف من النور عزيمته التي لا تعرف حدود، ومواجهته للتحديات غير المسبوقة المتعلقة بالأزمة الاقتصادية العالمية والتي أفرزت مديونية كبيرة كادت تضع بلادنا في خانة الدول المفلسة بسبب الديون التي وصلت قبل عامين إلى أكثر من 18 مليار ريال عماني، مشكلة بذلك ما نسبته 60% من الناتج المحلي الإجمالي، فقد استطاع السلطان هيثم أن يقود سفينة الوطن في أحلك الظروف وأصعبها على الإطلاق؛ والوصول بها إلى بر الأمان بحكمة واقتدار، بفضل من الله وحنكة هذا القائد الهمام الذي يقود عمان اليوم إلى المجد والمستقبل الواعد.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري