الطريق إلى المدينة القانونية الفاضلة

 

عبدالله المفرجي

يهدف القانون إلى توفير إطار عمل قانوني شامل لتعزيز حماية المجتمع من الفوضى والاعتداءات على الحقوق والحريات وتوفير كافة سبل المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام والصحة العامة والسكنية العامة، والمحافظة على الخصوصية والحقوق الشخصية للإنسان الذي هو أساس التنمية في أي مجتمع، والاهتمام بقضيته وتقديم كافة الخدمات له لضمان تقدمه واستمرارية بقائه.

ولا يتأتى ذلك إلا بكفالة أن يكون المجتمع على علم ودراية بالقوانين والتشريعات والنظم القانونية المطبقة في ربوع بلاده، فقد أظهرت الدراسات الاجتماعية والإحصائية وجود هوة في المعرفة القانونية بين أبناء المجتمع. كما بينت الإحصائيات أن نسبة الإجرام والانحراف عالية لدى الأشخاص الذين يجهلون التبعات القانونية المترتبة على أفعالهم، وكثيرًا ما تكون الجرائم المرتكبة من الأحداث والكبار وليدة اللحظة ومن غير تخطيط مسبق. ويمكن زيادة حس المسؤولية لدى اليافعين والكبار من خلال رفع مستوى وعيهم وزيادة معرفتهم القانونية في سن مبكرة. وأكدت الدراسات وجود هوة معرفية تمتد على مستويين أفقي وعمودي؛ تتمثل في وجود ضعف في المعرفة القانونية على مستوى كبير بين عدد كبير من الأفراد، فلا يقتصر الجهل على فئة أو طبقة اجتماعية، كما إنه لا يرتبط بالمستوى الاجتماعي أو التعليمي؛ بل يبدو أن هذا الجهل عابر لكافة أطياف المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية.

وكل ذلك يُظهر أن مستوى عدم المعرفة عميق لدى الفرد، بحيث تتشابك قلة الوعي القانوني بالجهل بالقوانين بشكل كبير وتمتزج بالخلط بين المفاهيم القانونية، وعدم المعرفة للآليات القانونية أو المؤسسات المعنية لحماية الحقوق مما يترتب عليه تكرار الاعتداءات عليه وضياع الحقوق وهدر للأوقات والأموال من أجل حماية الحقوق وسرعة تحصيلها. وقوع طائفة كبيرة من الأفراد في إشكالات قانونية أو تعقيد أوضاعهم القانونية بسبب عدم معرفتهم للقانون أو الإجراءات أو المدد القانونية يجعلهم ضحايا للجهل وللجرائم.

ولعل أبرز السلبيات التي يواجهها المجتمع، قلة التوعية بالثقافة القانونية الشاملة من قبل بعض المؤسسات ومن قبل الأفراد أنفسهم؛ إذ يجعلون كل أمورهم في هذه الحياة تمشي على البركة والحظ، دون الرجوع للتشريعات القانونية واللوائح المنظمة للمعاملات والفعاليات في المجتمع.

لذلك كان من المهم تكاتف وتعاون كل من الجهات المعنية مع المدارس والجامعات والمراكز الشبابية ووسائل الإعلام من أجل توعية الأفراد مواطنين أو مقيمين بحقوقهم وواجباتهم وبالتشريعات والقوانين واللوائح التنظيمية من خلال إقامة الندوات التوعوية والورش التدريبية لكافة شرائح المجتمع بلغات مختلفة وبأساليب متنوعة تواكب العصر الحديث، من خلال إنشاء التطبيقات والبرامج التقنية على الحاسب الآلي والهواتف المحمولة وضم جميع التشريعات المحدثة بها وتيسير تداولها ليكون لكل فرد من أفراد المجتمع الحد الأدنى من الثقافة القانونية. لقد أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء للناس منذ نشوء الخلق ليبينوا لهم الصواب من الخطأ ولكي يوضحوا للبشر طبيعة الحياة وجدية المعاملات والعبادات وآلية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأسس تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا" [الإسراء: 15].

ودعمًا لهذا التوجه، فأين دورنا من تطبيق توجهات رؤية "عمان 2040" المتضمنة ضرورة إيجاد مجتمع واعٍ بالقانون ومشارك بفاعلية في التشريع والرقابة، متى سنتبنى مبادرة الثقافة القانونية والتي تساعد في الانتقال من التصدي للنزاعات في المجتمع نحو الحد من هذه النزاعات من خلال تعريف فئات المجتمع- صغارًا وكبارًا- بمسؤولياتهم القانونية وتربيتهم على احترام القانون منذ نعومة أظفارهم باستخدام كافة الطرق والوسائل التقليدية والتقنية وتوظيف الوسائط التعليمية الإلكترونية المختلفة والألعاب الكرتونية والواقع المعزز والافتراضي والمختلط والخرائط الذهنية الورقية والإلكترونية للتوعية عن الأفعال الخاطئة وآثارها السلبية، وإطلاق عدد من المبادرات لزيادة مستوى الوعي القانوني للعامة بهدف رفع مستوى الوعي القانوني، وترسيخ ثقافة احترام القانون لدى جميع أفراد المجتمع بمختلف أعمارهم وفئاتهم، من خلال منهجين هما الثقافة القانونية التي تمحو الجهل القانوني، وثقافة احترام القانون التي تعتمد على إيجاد علاقة إيجابية بين الفرد والقانون.

بالتثقيف والتوعية القانونية المستمرة سيصبح المجتمع مثاليًا ومزدهرًا وستنتظم به المعاملات والتصرفات السوية وستنخفض النزاعات القانونية وسيخف الضغط على المحاكم والجهات ذات الاختصاص وسينتشر السلم والوئام في المجتمعات، لأنها ستكون خالية من التجاوزات القانونية قدر الإمكان، تمهيدا للدخول على مشارف المدينة الفاضلة، التي تحكمها الشفافية والرقابة المتبادلة والتعاون والمحبة والإخاء والتسامح، مدينة أساسها الإنسان نفسه؛ سواءً كان مسؤولًا أو موظفًا أو عاملًا كبيرًا أو صغيرًا، رجلًا أو امرأة.

تعليق عبر الفيس بوك