الاستثمار في الذرية وطرق تنميته

 

د. محمد بن سعيد محاد جعبوب

لفظ الاستثمار يكاد يطغى على مجريات حياة النَّاس اليومية بشكل واضح وملموس، بسبب التعلق المادي الزائد والتطور والانفتاح الكبير والعولمة، وكثرة الأبواب والمجالات وتعقيدات الحياة، حتى وصل الحال شيئاً فشيئاً إلى التعلّق المذموم والعبودية، فصار غاية لا وسيلة.

إنَّ أعظم استثمار للمُسلم في الحياة الدنيا، ما يضمن له أرباحاً مستمرة وعوائد دائمة وأجور غير مُنقطعة بعد موته، مع صعوبة ذلك لكن المتأمل للآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة وقصص وسير الكبار والعظماء من القدوات والرموز؛ يجد أنَّ الاستثمار الذكي والأمثل والأعظم لا يخرج عن مجالات ثلاثة، ذكرها عليه الصلاة والسلام بقوله: "إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ".

قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) إن الأبناء هم فلذة الأكباد، وهم قرة العيون، وليس شيء أحبّ إلى الإنسان من ذريته وأبنائه، وهذا أمر واقع لا يحتاج إلى دليل فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار،غير أن كل إنسان يحب أن يستثمر في أولاده، والاستثمار له أشكال وأنواع مختلفة فيبني لهم العقارات ويترك لهم الأموال وهذا أمر حسن فقد قال عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص (إِنَّكَ إنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ).

لكن الاستثمار لهم لا يغني عن الاستثمار فيهم فالاستثمار فيهم هو المطلب السامي والهدف الأجل والأمثل، ومن أوجه ذلك الاستثمار تعليمهم التعليم الجيّد والرعاية التامة بتصحيح أخلاقهم وأحوالهم، كذلك تقديم الرعاية الصحية لهم فإن العقل السليم في الجسم السليم، وإن رعايته رعاية صحية تنتج مواطنا صالحا صحيحا منتجا وليس عالة على أحد، ويسهم في البناء دون أن يعيق المسيرة عن العمل.

إن تعليمهم وتوجيه أخلاقهم وضبط قيمهم نحو الفضائل والمعالي هو وجه عظيم من وجوه الاستثمار فيهم، وإن الثمرة من وراء ذلك حاصلة للجميع للأب والأم والابن والمجتمع، كما يعود ذلك على المربي في حياته من وجوه متعددة… يعود عليه بحسن البر له وحسن الرعاية له عند الكبر ويعود عليه في آخرته بالثواب والأجر على حسن قيامه بشؤون أولاده كما كان ينبغي عليه، ويكون بذلك قد استثمر في أبنائه كما وجهته الشريعة وقام بمهامه كما ألزمته الأبوّة وأصبح أبا صالحا في مجتمعه.

يجب على الوالد المربي تعليم ولده كل معاني البر والأخلاق الفاضلة ليجد ذلك منعكسا عليه عند الكبر، وذلك بأن يعلِّمه الارتقاء بالروح، وأن يحيا الحياة؛ ليعطي أكثر مما يأخذ، وأن يصبح لبنة بناء تقوم عليها جدران الوطن شامخة، ويدرِّبه على حُسن التصرف والإدارة في تدبير المال، وكافة شؤونه، وإشْرِاكه في تحمُّل المسؤولية من الصغر حتى يألفها عند الكبر ويجب أن يعمَل على رفع معنوياته، وتحفيزه والثناء عليه وذكره بالمحامد بين أقرانه ومدحه وبيان مواطن التميز فيه ولفت نظره إليها.

كما يندرج في حسن تربية الأبناء التعرّف إلى أصدقائهم ومن يُرافقهم وما نوع هذه الصداقات وأثرها عليهم في المستقبل، ولابد من الالتقاء بأصدقائهم في مختلف المناسبات وتوجيههم إلى بناء صداقات جيدة تعينهم على تحقيق أهدافهم في حياتهم، لا أن تدمرهم في المستقبل وتنهيهم من الوجود.

ويختم حسن تلك التربية بالدعاء لهم، وأن يكون قدوة حسنة لهم في أفعاله وصفاته، فتَقَر به العين، ويَسعَد به القلب، وينشرح به الصدر، فالاستثمار في الأبناء استثمار لا يقدَّر بمال؛ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

تعليق عبر الفيس بوك