الصحراء تنبض بالحياة

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

 

لا يختلف اثنان على وجود الحياة في الصحراء فهناك من الأشجار والدواب والبشر والحيوانات من يعيشون في الصحاري والواحات، إلا أن حياة الصحراء اختلفت تمامًا عمّا كان مُتعارفا عليه بعد اكتشاف النفط.

ومنذ اكتشاف النفط وبداية إنتاج أول شحنة من آبار النفط بشمال البلاد خلال العام 1967م، شهدت الكثير من صحاري سلطنة عُمان تطورًا ملحوظًا، وذلك مع اتساع رقعة آبار النفط والغاز ومحطات التجميع وخطوط نقل النفط الخام نحو المصافي وموانئ التصدير، حيث كان للعاملين العمانيين أدوار بارزة ومشهودة في هذا القطاع.

وبحكم العمل، فقد زرت خلال الأسبوع الماضي منطقتي الامتياز "يبال" و"الخوير" بشمال سلطنة عُمان؛ حيث التقينا بمجموعة كبيرة من الشباب العُماني من العاملين في هذه المناطق سواء في المخيمات أو مواقع العمل وما شد انتباهي حقيقة هو الهمة والجدية العالية والإخلاص في العمل والرغبة الصادقة نحو القيام بمهام العمل على أكمل وجه ووفق متطلبات العمل، وهذا ليس بغريب عليهم، خاصة وأن هناك مقومات عديدة تجعل منهم أشخاصًا يُعتمد عليهم.

العمل بمواقع الإنتاج بالصحراء يختلف عن ذلك العمل في المدينة؛ حيث يقطع العاملون في الصحراء مئات الكيلومترات بين المنزل ومقر العمل، ويمكثون أسبوعين تحت تصرف المنشأة لتكون فرق العمل التي يعملون ضمنها هي العائلة التي ينطلقون مع بعضهم كل في مهام عمله لخدمة الوطن. ولأنَّ بيئة العمل في مناطق الامتياز خطرة في الأصل إلا أن كافة الأعمال تسير وفق أطر مُنظّمة وأغلب مصادر الخطر مُحددة ومُتحكّم بها عن طريق قيام المنشآت صاحبة الامتياز بتطبيق معايير وأنظمة أمن وسلامة صارمة جداً وفعَّالة على كافة المقاولين والعاملين لديهم؛ وذلك لضمان سلامة الأرواح والممتلكات حالها كحال كافة منشآت الطاقة حول العالم، وفي الحقيقة كل الأمور تسير بنظام ومراقبة ومتابعة حيث لا يُمكن القيام بأي عمل دون مراجعة سلامة الإجراءات التي يتوجب تنفيذها عند القيام بأي مهمة عمل والالتزام بكافة إجراءات السلامة، كما أن هناك بعض الأعمال يتطلب تنفيذها الحصول على تراخيص مسبقة من جهات الاختصاص ولا يُمكن أن تتحرك مركبة من دون حصولها على خطة الرحلة التي تتضمن بيانات السائق والركاب ونقاط التوقف للاستراحة حتى بلوغ الموقع المراد الوصول إليه.

وإضافة إلى الإجراءات الخاصة بأمن وسلامة المنشآت، فهناك أيضاً إجراءات أمن وسلامة خاصة بالعاملين حيث يخضع الجميع قبل توجههم للعمل لأول مرة لدخول برامج تدريبية تخصصية يُمنح من يجتازها التراخيص المطلوبة لدخول مواقع العمل وذلك تبعاً لمعايير الجمعية العمانية للخدمات النفطية (OPAL)؛ حيث يجب أن يكون لدى الشخص جواز تدريب السلامة والذي يتضّمن اجتياز العامل عددًا من البرامج التدريبية كذلك اجتياز البرنامج التدريبي لغاز ثاني كبريتيد الهيدروجين "H2S" وبطاقة الإسعافات الأولية، وهذا يسري على الزوار أيضًا، إضافة إلى وسائل الوقاية الشخصية، والتي تعد خط الدفاع الأخير للعامل، وكل ذلك لضمان سلامة العاملين، ولكي يُحسنوا التصرف فيما لو وجد الخطر أو حادث وشيك الوقوع.

 ولا أبالغ إنْ قلت إنَّ الشباب العماني يتمتع بكفاءة كبيرة جدًا؛ ففي إحدى زياراتي لجهاز الحفر رقم 72 بفهود، شهدت في اليوم الأول عملية تفكيك ونقل جهاز الحفر (Rig Move)، وقد كان أغلب العاملين من الكفاءات الوطنية، وعندما عدت إلى الموقع الجديد لجهاز الحفر في اليوم التالي وجدت أن جهاز الحفر يعمل؛ حيث تمت العملية رغم التعقيدات والمشقة الكبيرة للعمل في غضون أقل من 24 ساعة وفي كثير من الأحيان تجد ملابس العاملين ملطخة بالزيوت، ولكن تجد البسمة على شفاههم والهمة تعلوا جباههم فبمثل هؤلاء الشباب تـُبنى الأوطان، لذلك يوجد اليوم لدينا عدد من خريجي هندسة حفر آبار النفط من الشباب الباحثين عن عمل.

قد يكون هذا القطاع قد تأثر مؤخرًا بسبب أزمة الركود، لكنه عاود النهوض لذلك على جهات الاختصاص كوزارة العمل ووزارة الطاقة والمعادن إيلاء توظيف هؤلاء الشباب أهمية بالغة لأن دراستهم كلفت الدولة مبالغ ليست هيّنة، كما إن العطاء والتدرج في مهن قطاع النفط خاصة أجهزة الحفر يتطلب وقتـًا، كما يجب الانتباه جيداً لبعض المنشآت التي عملت على توظيف خريجي تخصص الهندسة الكيميائية ويخضعون للتدريب ثم التعيين في وظائف هندسة الحفر، وذلك لأجل التوفير في تكلفة الأجور.

ولطالما كانت الصحراء تنبض بالحياة ما عمرها الإنسان واستثمر فيها لاستخراج ما في باطن أرضها من خيرات وكنوز تعود بالنفع على الوطن.