العمل 2030

 

 

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

 

من البشر من أدرك أن عالمنا يتغير بسرعة، كبيرة ولا مجال أن نوقف عجلة الزمن، فكما انقرضت الحضارات التي لم تستطع مواكبة التقدم، فإنَّ الوظائف شأنها شأن متغيرات كثيرة مررنا بها وأصبحت من الماضي، وليس من الغريب أن تختفي أعمال كنَّا نعتقد أنها باقية أو التي كانت في غاية الأهمية عن الوجود ونراها.

ومسيرة التطور الحضاري عبر التاريخ قامت على العلم والابتكار، فمن المتوقع أن ينقسم عالم الاقتصاد والأعمال إلى ثلاثة عوالم مختلفة، العالم الأحمر الذي سيتيح التكنولوجيا للشركات الصغيرة، أن تحصل على المعلومات والمهارات اللازمة لإدارة أعمالها، وبالتالي سنشهد تغيرًا في مفهوم إدارة الموارد البشرية عن ذي قبل، وعالم أزرق يمثل الشركات الكبرى التي سيكون لها تأثير ونفوذ أكبر، وعالم أصغر أقرب إلى المثالية يبحث فيه الموظفون، والشركات عن معنى لأعمالهم، يميلون إلى مفهوم العدالة والفرص المتكافئة ومعايير عمل أخلاقية.

التوقعات السينمائية عن المستقبل لم تحرز نجاحًا، فما حدث حتى الآن يفوق عشرات المرات ما شاهدناه في الأفلام. لقد تقدّم العلم بشكل مخيف في القرن الواحد والعشرين، بتنا نرى سيارات ذاتية القيادة، وصواريخ ذاتية التحكم عابرة للقارات والمحيطات، وروبوتات قريبة الشبه بالإنسان، وروبوت على شكل عدسات لاصقة يعمل بمجرد الرمش والتاكسي الطائر وتقنية الهولوجرام التي تستحضر الأشخاص في عملية أقرب إلى السحر.

لذلك، فإن تخيل ما سيحدث في المستقبل لن يكون سهلًا. وفقا لتصريحات شركات التكنولوجيا الكبرى إن ظهور الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء والجيل الخامس ينذر بحقبة جديدة من التطور ينهي عصر الهواتف الذكية ويستبدلها بالأجهزة الذكية المتصلة ببعضها البعض، عبر شاشات ستكون متوفرة في كل الأماكن والتي ستتيح للفرد أن يستخدمها لإنجاز مهمات مختلفة ويعيش تجربة نظام الحوسبة الحرة، وقد يستخدم نظارات الواقع المعزز والشاشات التي تربط بين الدماغ البشري والحاسوب.

كما إننا لن نضطر أن نقف في طوابير طويلة في المطارات للتفتيش لأن المطارات المستقبلية عبارة عن ممرات بها أجهزة استشعار تختصر وقت المسافرين. من المتوقع أن تنحسر الوظائف التي يؤديها الإنسان ويصبح الاعتماد على الذكاء الصناعي في كافة مناحي الحياة حتى إن الرأسماليين يفكرون في فرض ضرائب على الروبوت، لأنه يعمل.

في عالم المستقبل لن تكون السيرة الذاتية مطلوبة، وسيكون الاعتماد على تقنية رسم أو تنميط الشخصية بمساعدة الذكاء الصناعي، الذي سيتولى تحديد ما إذا كان الشخص ملائما للوظيفة أم لا. حتى أنّه سيتمكن من تحليل المهارات التي يمتلكها الفرد، دون الحاجة إلى سماع المتقدم؟

 أما تقييم الأداء، فإن الذكاء الصناعي هو من سيقيم الأداء وليس المدير وبدأت بعض الشركات العالمية في تطبيق تقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزّز في مجالات التدريب واختبارات المهارات.

ولن يتمكن الموظف الذي يعاني من مشكلات صحية، أو نفسية، أو سلوكية، من تجاوز اختبارات التكنولوجيا الصحية، اذا لم يكن يتمتع بلياقة تامة.

تميل الأجيال الشابة إلى عدم الاستقرار في وظيفة واحدة أكثر من ثلاث سنوات، أو أقل، فلن نشاهد موظفا يستمر في وظيفة لمدة عشرين عاما، كما كان يحدث في العقود الفائتة، وستعمل الشركات على استبقاء الكفاءات بالمكافآت، والبرامج التدريبية المستمرة، وسيعزز الاعتماد شبه الكلي على التكنولوجيا على استقطاب الأصغر سنًا لتمتعهم بمرونة، والسرعة تتناسب مع روح المستقبل.

وسيكون للمبتكرين مكان في عالم الأعمال المستقبلي، بل إن التنافس بين المؤسسات سيكون على جذب المواهب والمبتكرين، وسنرى الكثير من الشركات الناشئة يقودها الشباب.لن نرى المزيد من المباني أو المكاتب كمقرات عمل فالمؤسسات فقط سيكون لها موقع افتراضي وموظفون من جميع دول العالم، أما مقرات العمل فستكون عبارة عن مبانٍ وبيئات عمل جاذبة محفزة، يختار الموظف مكان عمله كما يحلو له، وهذا هو الحال مع كبريات الشركات التكنولوجية التي طبّقت مفهوم مؤسسات بلا مقرات عمل.

الآلاف من الوظائف ستصبح من التاريخ، فمن المتوقع أن يتم التخلص مما يقارب 50% من الوظائف الحالية ليحل محلها الذكاء الصناعي.

والفرص الوظيفية ستتاح لمن يمتلك أكثر من مهارة، ويستطيع أن يعمل في أكثر من موقع، وطبعا التعلم المستمر والنشط ضرورة مع التقدم المتسارع في التكنولوجيا والعلوم، وسنشهد نموا للعاملين المستقلين، وهو مجتمع جديد من الموظفين ينمو بوتيرة متسارعة حول العالم، الذين لا ينتمون إلى مؤسسة محددة لكنهم قادرون على إنجاز الأعمال بكفاءة.

ستتراجع هياكل المؤسسات والسلم الوظيفي بشكلها الحالي، وسيكون متاحا للجميع أن يصبحوا قادة والعمل ضمن فريق مشترك، يتمتعون بقدرة أكثر على اتخاذ القرار.

من أبرز مهارات العمل في المستقبل مهارات حل المشكلات المعقدة، ومهارة التعلم النشط، ومهارة الكتابة المتخصصة، والقراءة، والتحليل الكمي، والإحصائي، وتحليل البيانات، والتفكير النقدي، ومهارات التواصل الاجتماعي، والذكاء العاطفي، والاجتماعي، والمهارات التكنولوجية المختلفة.

هكذا يبدو مستقبل العمل، المزيد من الذكاءات الصناعية والوظائف عبرالإنترنت والطابعة ثلاثية الأبعاد والملايين من الشركات الشبابية والافتراضية العابرة للقارات.

بعض الدول قطعت شوطًا كبيرًا للتعايش مع المستقبل، بمراجعة محتوى التعليم والأنظمة العملية ودعم الابتكار وبتوظيفها التكنولوجيا المتطورة في مؤسساتها، وتطوير التعليم بما يتوافق مع المعطيات المتوقعة للعمل المستقبلي.

أتحدّث عن الغد القريب أي بعد أقل من عشر سنوات من اليوم، سيكون علينا أن نواجه التغيير الحتمي وتقبله، وأن نكتسب المهارات اللازمة للتعايش مع المستقبل ومجاراته، أو الخروج من سباق الحضارة والغد، ليس ببعيد.