كيف نواجه البلاء؟

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

يسعى الإنسان دائمًا للحصول على حياة هادئة، بعيدة عن المشاكل والمصائب والمحن، ويجتهد في توفير السعادة والفرح والسرور له ولمن حوله، لكن التجارب الحياتية تقول إنَّ السعادة الكاملة غير قابلة للتحقق في الحياة مهما فعل الإنسان واجتهد وأعد واستعد، فهو لا يستطيع إيقاف الابتلاءات والمحن والمصائب، كما لا يستطيع تحقيق السعادة الكاملة والمطلقة، لأنها لا تتأقلم مع طبيعة الحياة البشرية المليئة بالمُفاجآت.

وطبيعة الحياة البشرية تحكمها الكثير من السنن والقوانين الكونية المعدة خصيصًا للإنسان، لذا نستطيع أن نقول بلسان طلق، وثقة تامة، يكذب من يقول إنه سعيدٌ في حياته اليومية بشكل متكامل، وذلك لأنَّ الله تعالى أراد للإنسان أن يكون مستعدًا دائمًا لمواجهة الابتلاءات المفاجئة والعظيمة والمختلفة في الحياة، سواء كان ذلك البلاء في جسده أو عمله أو أسرته أو مجتمعه، والبلاء أمر لا فرار منه في الحياة.

عندما نتأمل قصص الأنبياء، نتعرف على أهمية البلاء، وأن البلاء مهما عظم وتفاقم وقسى على الإنسان إلا أنه يصب في مصلحته، وذلك بحسب قدرته على تحمل ذلك الابتلاء، والبلاء في حد ذاته يشكل اختبارًا عظيمًا للإنسان، وعلى الإنسان أن يجتازه بنجاح حتى ينال بذلك رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة.

اليوم عندما نقرأ على سبيل المثال قصة نبي الله أيوب عليه السلام نرى إنه لم يرتقِ لدرجات الإيمان العالية لولا صبره على البلاء العظيم الذي اختبره الله به في حياته، وهو مرضه الذي استمر معه لسنين طوال، وقلة حيلته وعدم قدرته على العمل، وتدهور أوضاعه الصحية التي أثرت بشكل كبير على معيشته، إلا أنه أثبت قدرته وجدارته وإصراره على تحمل ذلك الابتلاء الذي اختبره الله به، فكان صابرًا محتسبًا ذلك في طاعة الله تعالى، وكلما تحمل قساوة البلاء، كلما رفعه الله بذلك درجات الصابرين، وفرَّج عنه همه وغمه ومرضه، قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83 – 84].

اليوم عندما نتأمل قليلًا حال مجتمعاتنا العربية والإسلامية نرى أن من أهم الابتلاءات التي وقعت عليها هي انتشار الفقر والبطالة والسرقة وكثرة الأمراض، وغيرها من الابتلاءات التي إن لم يحسن الإنسان التصرف لحلها فحتماً ستكلفه الكثير من الخسائر الجسدية والفكرية والأسرية والاجتماعية، فيا ترى كيف نواجه البلاء العظيم الذي تواجهه مجتمعاتنا العربية والإسلامية حتى ننال بذلك رضا الله تعالى وحماية مجتمعاتنا من تلك الابتلاءات؟

يستطيع الإنسان مواجهة الابتلاءات المختلفة في حياته وهو قادر على ذلك، خصوصًا وأن الله تعالى وهبه العقل وميّزه به على سائر المخلوقات، فهو الوحيد من بين المخلوقات الذي يمتلك القدرة الكاملة على التفكير والتحليل والتدبر وحل المشكلات المستعصية، ومن أجل مواجهة البلاء فلابُد من الالتزام بتفعيل نقاط مهمة في الحياة الاجتماعية والأسرية والعمل عليها، فهي تشكل عاملًا ناجحًا في مواجهة الابتلاءات العظيمة بأنواعها وأقسامها، وهنا نذكر بعض من تلك النقاط الضرورية، وهي كالآتي:

  • أولًا: الصبر؛ وهو مفتاح الفرج لكل المشكلات والمعضلات التي يمر بها الإنسان في حياته الأسرية والاجتماعية، ويعد الصبر السلاح الذي لا يخطئ، وقد استخدمه الأنبياء والحكماء وأوصوا به للوصول إلى ساحل النجاة، قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].
  • ثانيًا: تقوى الله تعالى والعودة إليه، فهناك الكثير من الابتلاءات التي تقع على الناس سببها الأكبر هو الابتعاد عن الله تعالى وعصيانه فيما أمر، لذا فإن الرجوع إلى الله تعالى واجتناب المعاصي والآثام هو من أهم الأمور التي يستطيع الإنسان بها مواجهة البلاء، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].
  • ثالثًا: التركيز على الاستغفار المستمر، وهو يُعد من المُنجيات الضرورية التي بها يستطيع الإنسان أن ينجي نفسه ومن حوله من البلاء العظيم الذي يقع عليه، قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء: 110].

وأخيرًا.. على الإنسان أن يعلم أن البلاء نعمة له وليست نقمة عليه، وذلك أن البلاء سخره الله تبارك وتعالى في الحياة بهدف رجوع الإنسان إلى جادة الصواب وعدم التفكير في الانحرافات الأسرية والاجتماعية المختلفة والمتنوعة، والتي قد تؤثر سلبًا على الإنسان وأسرته ومجتمعه، لذا جعل الله البلاء محطات في الحياة، من خلالها يستعيد الإنسان قواه للتفكير بما يصلحه ويجعل منه إنسانًا عارفًا كيف يدير حياته بما يرضي الله تعالى وكيف يكون في خدمة دينه ووطنه ومجتمعه.