وما أدراكم بالمحطة الواحدة؟!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

تبسيط الإجراءات وتسهيلها على المُواطنين في المؤسسات الحكومية والخاصة أُمنية كل مُواطن يعيش على هذه الأرض الطيبة، وواجب وطني يجب تنفيذه دون تأخير من كل المسؤولين في الوزارات المختصة بالإجراءات الرسمية.. لكن- بكل أسف- لم يتحقق إلا القليل في هذا المجال، على الرغم من المؤتمرات والندوات التي عُقدت في هذا المجال طوال العقود الماضية، وإشادة البعض بتطبيق ما يعرف بالمحطة الواحدة وفعاليتها ونجاحها على مستوى الخدمات الحكومية التي تقدمها العديد من الوزارات.

نذكر هنا أمثلة على ذلك: وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار ووزارة العمل ووزارة الصحة وشرطة عُمان السلطانية ومديريات البلديات وفروعها في مختلف محافظات السلطنة وغيرها من المؤسسات الحكومية والخاصة، التي تتعلق باستخراج أو إلغاء السجل التجاري، واستقدام العاملين من خارج السلطنة وتسجيل إقامتهم، وكذلك الفحوصات الطبية الإجبارية التي تُطبّق على الجميع، حتى ولو العاملة أو العامل لم يغادر السلطنة بين التجديد الأول والثاني، وبالطبع كل تلك الإجراءات والتعقيدات تعتمد على جمع الأموال لكل مؤسسة على حدة، حتى ولو تكبد المراجع الذهاب إلى تلك الدوائر وكأنه يوزع استبيانًا. قبل عام تواصل معي أحد الأصدقاء من الذين شملهم التقاعد الإجباري، وقد أكملوا 30 سنة في الخدمة، وبدأ في التفكير في فتح مشروع تجاري جديد لعله يعوّض ما خسره بعد التقاعد في الدخل أو الراتب؛ حيث طلب مني أن أكتب في نافذتي الأسبوعية في جريدة "الرؤية" عن التعقيدات والروتين في الجهات الحكومية المسؤولة عن التراخيص، وكذلك الوزارات المعنية بالموافقة على إقامة المشاريع التجارية كالمحلات والمؤسسات والشركات. وتعجبت من تذمره ونقده اللاذع لتلك الوزارات والهيئات الحكومية التي كنتُ أعتقد أنها قطعت شوطًا كبيرًا خلال أكثر من خمسين سنة في العمل الميداني، مما يؤهلها لتبسيط إجراءاتها والتخفيف عن المواطن وتشجيعه، في زمن ما يعرف بالحكومة الإلكترونية.

ومن المفارقات العجيبة التي جعلتني أتذكر ما قاله صديقي العزيز الذي خذلته ولم أوافق في ذلك الوقت على مناقشة التحديات التي تواجه المراجعين في منافذ الوزارات الخدمية؛ سواء في المجال الإلكتروني الافتراضي أو الحضور إلى المكاتب الحكومية، الصعوبات والتعقيدات التي واجهتني في شهر أكتوبر الماضي، عندما قررت إغلاق أو شطب السجل التجاري للشركة التي أملك فيها 99% من أسهمها، ومفوض بالتوقيع فيها. فقد ذهبتُ إلى 3 مكاتب لتخليص الإجراءات والمعروفة بـ"سند" تباعًا طالِبًا مساعدتهم في تكملة الإجراءات المتعلقة بإغلاق الشركة لكونها بدون نشاط أو عمال يتبعون الشركة منذ بداية جائحة كورونا. لكن الكل اعتذر لأنهم لا يملكون التخويل الإلكتروني لذلك، وكذلك لا يستطيعون الذهاب إلى تلك المؤسسات لعدم قدرتهم على توفير مندوب خاص لهذا العمل الميداني الذي يحتاج موظفًا وسيارة، وذلك خارج قدرة مكاتب سند التي يُفترض أن يتم تخويلها إلكترونيًا بهذه الخدمات؛ فالاستمارة التي أعدتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لشطب السجل التجاري تتطلب أولًا الحصول على تلك الاستمارة من الوزارة ثم الذهاب إلى وزارة العمل ويتم توقيعها بتأكيد عدم وجود عمال في سجل الشركة، ثم يجب التوجه إلى الإدارة العامة للجوازات والإقامة بشرطة عمان السلطانية لإثبات عدم وجود التزامات قانونية من قبل الإدارة المعنية. أما عند إرجاع الاستمارة للوزارة المختصة بعد توقيعها من كل الجهات، فيتم التوجيه من جديد بالذهاب لأحد مكاتب سند لدفع رسوم شطب السجل من الوزارة، ولكن يجب الانتظار عدة أشهر لمخاطبة بعض الوزارات الحكومية الأخرى.. إنها بحق رحلة طويلة جدًا في الوقت الذي كنت أتوقع أن هناك محطة واحدة تقوم بإنجاز هذا العمل في زيارة يوم عمل واحدة.

أين نحن اليوم من الحكومة الإلكترونية التي طُبقت بنجاح في كثير من دول العالم وخاصة في الدول المجاورة؟! لماذا لا نقلّص هذه الإجراءات ونبسّطها في محطة واحدة فقط بدلًا من جمع التواقيع على الورق من عدة جهات حكومية. كُنّا نأمل من القيادات الوزارية ذات الحماس الشبابي والسمعة الرفيعة ومن يتولون المناصب التنفيذية العليا، وضع تبسيط الإجراءات على المواطن المسكين ضمن أولوياتهم، فقد اسبشرنا خيرًا عند اعتلائهم مناصبهم.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري