"قمة الجزائر" والتكامل الاقتصادي العربي

 

د. أم السعد عبد الرحمان مكي **

 

تتزامن القمة العربية في دورتها الواحدة والثلاثين؛ والرابعة التي احتضنتها الجزائر يومي 1 و2 نوفمبر 2022، مع إحياء الذكرى الثامنة والستين لاندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954، في وقت يتوافد القادة العرب ومُمثليهم  تباعًا بعد حلول وزراء الخارجية العرب قبل القمة بيومين لتمهيد أرضية أعمال هذه الدورة التي ركزت على تحقيق أسمى غاياتها وهو التكامل الاقتصادي العربي والذي يشكل عصب قيام أي دولة.

القمة الرابعة على أرض الجزائر التي حملت شعار "لم الشمل العربي" تُريد من ورائها الجزائر تجاوز كل الخلافات الصورية وهو ما سيظهر من خلال أشغال الدورة بأن أي خلاف لن يقضي على صلة الرحم العربية ولن يبتر مشيمة العرب تحت أي شكل؛ لأن الجزائر وكل القادة العرب يتطلعون إلى غايات مشتركة وهي العيش بسلام؛ وتحقيق كل أشكال التنمية وبأبعادها المختلفة؛ وقد تمكنت الجزائر منذ فترة وجيزة من تحقيق لم الشمل للبيت الفلسطيني على أراضيها.

وفي سياق الحديث عن تحقيق التنمية؛ فإنَّ عنصر تحقيق التكامل الاقتصادي الذي تركز عليه قمة الجزائر هو رهان  الدورة الواحدة والخمسين  وهي النقاط التي ناقشها خبراء ومختصون جزائريون على مدار الأيام الماضية عبر "بلاطوهات" مختلف وسائل الإعلام؛ مشيرين إلى أهمية البحث في آليات تحقيق وتفعيل الاتحاد العربي الجمركي لرفع الحواجز وتحفيز التجارة البينية؛ وتحفيز المستثمرين؛ ورفع مخصصات صناديق الاستثمار التي تبقى مفتوحة على الخارج دون الانفتاح العربي الداخلي- بما يعادل 10 بالمائة فقط- وهو معدل يبقى دون مستوى تطلعات الشعوب العربية.

كذلك يأتي مطلب تحقيق التكامل الاقتصادي من زاوية تشكيل الغرف العربية للتجارة؛ وتحرير السوق العربي من مختلف الحواجز والمثبطات يدعم هذا التوجه وحدة التراب والتقارب الجغرافي؛ وجعل الأسواق العربية تحقق التبادل فيما بينها عبر اختيار القطاعات الحيوية .

كما إن تحقيق التكامل الاقتصادي وهو الكلمة المفتاحية في قمة الجزائر يأتي من أجل تحقيق مطلب الشعوب العربية بالبحث في كيفية تسليط الضوء على نوع الاقتصاديات التكاملية فيما بين هذه الدول؛ وذلك بالنبش في أهم أوجه الاقتصاد لكل دولة وبناء قاعدة لتحقيق هذا التكامل؛ مع الحرص على أن تكون كل هذه الاقتراحات عملية وقابلة للتجسيد وفقاً لنموذج "SWOT" بالبحث في الفرص والتهديدات ونقاط القوة والضعف.

كما إن القمة تتطلع إلى البحث في سبل تسهيل التواصل عبر طريق الإنتاج والاستهلاك في مختلف الميادين؛ وكيفية خلق الثروة الاقتصادية خارج المحروقات؛ والتسليح الاقتصادي؛ حيث الحاجة إليه تفرض وضع الأطر القانونية لتعزيز الاقتصاد العربي؛ وتحسين مناخ الأعمال عربيا؛ وتعديل قوانين الاستثمار لاستقطاب الاستثمار الخارجي  العربي ووفقًا لقاعدة اقتصادية (رابح-  رابح)؛ فضلا عن أهمية تحقيق الأمن في أبعاده المختلفة وخاصة الأمن الغذائي الذي ترى الجزائر نفسها وخاصة مع اختبار كوفيد19 بأنها تجاوزت الحاجة الداخلية عبر مواردها الخاصة؛ لذلك فإن الأمن الغذائي العربي يشكل في ذاته رهانا مشتركا.

كما تتطلع القمة وفقا لما تحدث عنه خبراء ومختصون جزائريون إلى إنشاء البنوك المشتركة؛ وتفعيل دورها على مختلف  الأصعدة؛ وتوحيد العملة كما هو حاصل في الاتحاد الأوروبي؛ حيث من شأن هذا أن يشكل قوة للدول مجتمعة؛ وهذا يتطلب تفعيل العمل العربي المشترك ووضع خطط واستراتيجيات من أجل الوصول إلى كل هذه النقاط المشتركة.

من جهة أخرى، ومن بين النقاط التي تناولتها القمة العربية بالجزائر تفعيل الدبلوماسية العربية في شقيها الرسمي وغير الرسمي عبر المنظمات والفعاليات الناشطة وأرباب العمل في جانبها الاقتصادي والسياسي والثقافي وغير ذلك. دون إغفال بقية الملفات العالقة طبعا والتي تحتاج إلى خطوات جريئة لحلها منها الملف الفلسطيني؛ الليبي واليمني وغير ذلك؛ والتي وعلى أهميتها إلا أن الخبراء والمختصين أرادوا لقمة الجزائر  أن تكون قمة استثنائية الطرح بالبحث في آليات تحقيق التكامل الاقتصادي العربي؛ والذي هو من وجهة نظرهم  كفيل بتحسين واقع البلدان العربية المتعثر؛ وباعتبار التنمية أهم رافد للعيش الكريم.

** كاتبة جزائرية

تعليق عبر الفيس بوك