سماحة المفتي في الهند

 

د. صاحب عالم الأعظمي الندوي **

وصلتْني منذ مدة قصيرة مجموعةٌ من الصور القديمة والنادرة لندوة العلماء ومنشآتها، وغيرها من الصور التي التُقطت في مناسبات مختلفة، وفي أثناء تأمُّل تلك الصور وقفتُ على الصورة النادرة لسماحة الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان.

وقد التُقطت تلك الصورة بمناسبة مشاركة سيادته في الندوة العالمية للأدب الإسلامي التي عُقِدت في رحاب دار العلوم بندوة العلماء بمدينة لكهنؤ، فخطر على بالي أنْ أبحث عمّا نُشر عن ندوة العلماء من أخبار أو كتيبات تحوي أعمال تلك الندوة العلمية، إلا أنَّ البحث على شبكة الإنترنت لم يُسفر عن شيء ثمين، بيدَ أني علمتُ بوجود تقرير منشور عن تلك الندوة في المكتبة المركزية بجامعة ميشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية.

وعليه؛ راسلتُ هذه المكتبة مُرفقًا ببيان ذلك التقرير، غير أنها اعتذرَت عن إرساله إليَّ قائلة: «بأننا لا نستطيع مسح هذا التقرير ضوئيًا وتوفيره لكم؛ نظرًا لأنه لا يزال محميًا بحقوق الطبع والنشر». ثُم خطر ببالي أنه ستكون له نسخ ورقية محفوظة في مكتبة شبلي النعماني العامة الواقعة في ندوة العلماء، وعليه تواصلتُ مع مسؤولي هذه المكتبة الثرية، والحمد لله، وُفِّقوا في العثور على نسخة وحيدة لذلك التقرير الذي نُشر آنذاك عقب عقد تلك الندوة بعنوان: «الأدب الإسلامي: فكرته ومنهاجه، تقرير عن أول ندوة عالمية للأدب الإسلامي»، يقع ذلك التقرير في نحو مائة وست وخمسين صفحة بالقطع المتوسط.

يحتوي هذا التقرير على أخبار تلك الندوة وبيانها وتوصياتها، فضلًا عن جملة من الأوراق والبحوث العربية المختارة من بين خمسين ورقة بحثية ومقالات وقصائد وأشعار باللغة العربية، بالإضافة إلى أهمِّ الكلمات التي ألقاها العلماء العرب الأجِلاء من مثل: كلمة معالي الشيخ عبد العزيز الرفاعي، وكلمة الشيخ عبد الله إبراهيم الأنصاري، وكلمة الدكتور محمد فتحي عثمان، وكلمة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، وكلمة الرياسة ألقاها سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي.

اعتمدتُ على هذا التقرير كلَّ الاعتماد في إعداد هذا المقال؛ فكان خيرَ معين للحصول على الأخبار والمعلومات المطلوبة. وقبل أنْ أورِدَ كلمة الشيخ المفتي العام أحمد بن حمد الخليلي يجدر بي أنْ أكتب مقالة وجيزة عن مضمون الندوة العلمية عن الأدب الإسلامي ومجرياتها.

لا نبالغ إذا قلنا إنه كان لندوة العلماء ولدار العلوم التابعة لها السبقُ في ترويج فكرة نشر الأدب الإسلامي وإعلاء قيمته في العالمَين العربي والإسلامي على حدٍّ سواء، فقد عملَت ندوة العلماء الواقعة في مدينة لكهنؤ بالهند على هذا المشروع منذ بداية تأسيسها، وخرَّجَت من أبنائها من اختاروا سبلًا ناجحًا وموفقة في هذا المضمار، وفاضت قرائحهم بمؤلفات طيبة في هذا الميدان باللغات العربية والهندية، خاصة باللغة الأردية من مثل: الشيخ شبلي النعماني، والسيد سليمان الندوي، وعبد الحي الحسني، ومسعود عالم الندوي وغيرهم، وقد سار الشيخ أبو الحسن الندوي على منهاجهم ووسع هذا الميدان؛ ومن ثَمَّ صارت له ريادة بين أقرانه في داخل الهند وخارجها، فلعله أول مَن نشر مقالاتٍ في الأدب الإسلامي في المجلات العربية، لا سيّما مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق.

كما أحرزَت ندوة العلماء قصبَ السبق في عقد ندوة عالمية للأدب الإسلامي برياسة الشيخ أبي الحسن الندوي، الذي كانت لمؤلفاته باللغة العربية وقْعٌ حسنٌ وأثرٌ طيب في جذب رجال الأدب الإسلامي إلى الحضور في تلك الندوة وتقديم بحوثهم القيِّمة فيها.

وقد عُقِدت تلك الندوة العالمية في المدة ما بين 11- 13 جمادي الثانية 1401هـ/الموافق 17- 19 أبريل عام 1981م أيام الجمعة والسبت والأحد، في قاعة مكتبة شبلي النعماني العامة.

وحدَّد منظمو تلك الندوة ثمانية محاور أساسية، تنتظم نقاط البحث والدراسة لتحقيق الهدف من تلك الندوة، وكان من البديهي أنْ يدور المحور الأول عن القرآن والأحاديث؛ أيْ البحث في موضوعات الدعوة في القرآن والحديث، وموضوعات التربية في القرآن وروعته البيانية، والأحاديث النبوية وخصائصها الأدبية، والبحث في الكتابات عن القرآن والحديث.

في حين جاء المحور الثاني في ميدان أدب التربية والمواعظ؛ أيْ تناوُل دور المواعظ في التربية الإسلامية، ودراسة النصوص الواردة في أقوال الصحابة والتابعين وفي كتب العلماء المتقدمين.

وخُصص المحور الثالث، للبحث في ميادين النشر الأدبي الإسلامي المختلفة مثل: التاريخ والسير والتراجم والرحلات والمذكرات واليوميات، وإعداد البحوث والمقالات والرسائل العلمية، وتأليف القصة والرواية والمسرحية وأدب الفكاهة.

أما المحور الرابع فقد عُني بالبحث في مجالات الشعر الإسلامي مع التركيز الخاص على دراسة الشعر المتضمن للمبادئ الإسلامية، والكتابة عن مدارس شعر الدعوة الإسلامية، ودراسة أشعار الشعراء العرب والمسلمين الملتزمين بتلك المبادئ الإسلامية في أشعارهم من المتقدمين والمحدثين.

وأفردوا المحور الخامس للبحث والدراسة عن خصائص المديح النبوي وتطوره عبر العصور في جميع اللغات الشرقية والغربية، فضلًا عن البحث في أشعار المديح مما قرضها الشعراء الأقدمون من الصحابة والتابعين والعلماء الأوائل.

وجُعل المحور السادس للحديث عن أهمية الأدب في المنهج الإسلامي للتعليم والتربية، وكيفية اختيار النصوص الأدبية من وجهة النظر الإسلامية، وتطبيق مبادئ النقد والدراسة من وجهة النظر الإسلامية، مع البحث في أهمية الحاجة إلى تدوين جديد لتاريخ الأدب العربي، والتركيز على إبراز قيمة القواعد العربية والبلاغة إلخ في الأدب العربي من وجهة النظر الإسلامية.

وبحَث المحور السابع في قضية تأثير الإسلام واللغة العربية في اللغات الشرقية والأوربية، خاصةً اللغات الفارسية والأردية والتركية واللغات الهندية.

وأُفرِد المحور الثامن لإجراء الحوارات والنقاشات المكثفة حول أهمية إنشاء المجاميع الإسلامية ومراكز الأدب الإسلامي في العالم العربي وفي أقطار العالم الإسلامية وغير الإسلامية، وأهمية توحيد الجهود وتنسيق العمل بين المهتمين والمتخصصين لترويج فكر الأدب الإسلامي ونشره في جميع أنحاء العالم.

لقد حضر في تلك الندوة أكثر من مائتي مندوب للجامعات ومراكز العلم والأدب في القارة الهندية والبلدان العربية والإسلامية وغيرها. كان أكثر من مائة وخمسين مندوبًا منهم من داخل الهند وأكثر من خمسين من خارج الهند. ومن أهم الجامعات ومراكز العلم والأدب الإسلامية التي حضر مندوبوها تلك الندوة من الدول العربية: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، وجامعة قطر، وجامعة الإمارات العربية المتحدة، وجامعة القاهرة، وجامعة الأردن، وإدارة الشؤون الدينية في قطر، ورئاسة القضاء الشرعي في قطر، ورئاسة القضاء في أبوظبي، ومركز الدعوة الإسلامية بالشارقة، ووزارة العدل لسلطنة عمان، ووزارة الأوقاف المصرية، وغيرها من مراكز ومعاهد علمية وإسلامية وأدبية رائدة في العالمَين العربي والإسلامي.

عُقِدت جلساتُ تلك الندوة باللغات العربية والفارسية والأردية والإنجليزية، قُدِّم فيها نحو ثمانين بحثًا، كان أكثر من أربعين منها باللغة العربية، والبقية موزَّعة بين اللغات الأردية والإنجليزية والفارسية.

رأس الجلسات المشتركة العامة سماحةُ الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، رئيس جامعة ندوة العلماء، وناب عنه في الجلسات العربية كلٌّ من: الشيخ عبد العزيز الرفاعي من الرياض، والشيخ عبد الرحمن حسن الميداني، واختير الأديبُ الإسلامي المعروف الدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا مقررًا عامًا للندوة، وكان مساعده في ذلك العمل فضيلةَ الشيخ محمد مصطفى المجذوب، والسيد صباح الدين عبد الرحمن مدير دار المصنفين بأعظم گره بالهند.

وبدأت فعاليات الندوة في الساعة التاسعة والنصف صباح يوم الجمعة 11 جمادي الثانية، واستمرت جلستُها الافتتاحية إلى الساعة الثانية عشرة ظهرًا. وقد افتُتحت الندوة بتلاوة آي الذكر الحكيم، ثم قُرئت أسماء أهمِّ الحاضرين والمشاركين، وأهمِّ الرسائل الواردة، ثُم قال رئيس الندوة كلمة تحية وترحيب، ثم ألقي كلٌّ من: معالي الشيخ عبد العزيز الرفاعي، وسماحة الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري مدير الشؤون الدينية في قطر، والدكتور فتحي عثمان، مدير مركز البحوث بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلمة عن الوفود المشاركة. ذكر فيها كلٌّ منهم أهمية الموضوع وأثنوا على دار العلوم ندوة العلماء؛ لسبقِها إلى عقد ندوة عالمية علمية في الأدب الإسلامي، وتطرَّق كلٌّ منهم إلى ذِكر داعيها سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي وتقدير دوره واهتمامه بالموضوع. ثُمَّ قدَّم منظم الندوة ورئيسها العام سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي كلمة الترحيب والرياسة. وانتهَت تلك الجلسة بشكر المشاركين والحاضرين.

افتُتحَت جلساتُ اليوم الثاني بكلمة قيِّمة عن الموضوع لسماحة الشيخ أحمد حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان. واستمرَّت جلساتُ الندوة من مساء يوم الجمعة إلى مساء يوم الأحد. وقد طلب مقرر الندوة من أصحاب البحوث والمقالات أنْ يُلخِّصوا بحوثهم في أفكارها الرئيسة حتى يستوعب الوقت المعين للندوة أكثر بحوثها، فكان من تأثير ذلك أنَّ الجلسات العربية السبع للندوة قد استوعبَت أربعين بحثًا كان أغلبها بأقلام السادة الضيوف العرب. كما أُلقِيَت في مختلف جلسات الندوة كلماتٌ توجيهية، وأنشد الشعراء قصائدهم التي بلغَت في عددها نحو عشر قصائد.

ولأهمية موضوع الندوة ولكونها أول ندوة تعقد في الأدب الإسلامي؛ أراد مندوبوها ألّا تنتهي جلساتها إلّا على توصيات تضم الأفكار المهمة في ميادين الأدب الإسلامي، فشُكِّلت في صباح اليوم الثالث لجنة لقبول المقترحات ودراسة البحوث المقدَّمة، ثُم صياغة التوصيات بناءً عليها. وقامت اللجنة بدراسة الاقتراحات والبحوث المقدَّمة في الندوة نهار يوم الأحد فوصلت إلى مشروع بالتوصيات قدَّمتها في الجلسة المسائية الأخيرة المشتركة، ووافقَت عليها الندوة بالإجماع.

ومن أهم توصيات تلك الندوة العالمية للأدب الإسلامي: دعوة الباحثين إلى إبراز مفهوم الأدب الإسلامي وإيضاح سلوك الإسلام في الأدب، وتبيان مكان الأدب في بناء الإسلام للفكر والمجتمع، والكتابة في تاريخ الأدب العربي بمقتضى النظرة الإسلامية الصحيحة، وإنشاء أمانة دائمة لندوة الأدب الإسلامي مقرها ندوة العلماء لكهنؤ، وإعادة النظر في المناهج الدراسية مع مراعاة أنْ تنمي وعي الناشئ المسلم، وفي هذا الصدد طلبوا في توصياتهم إرسال الدعوة إلى الجامعات في البلاد العربية والإسلامية لوضع خُطط الدراسة بها على مقررات في الأدب الإسلامي، وإنشاء مراكز وكراسي متخصصة للأدب الإسلامي، وتنظيم الندوات المحلية والعالمية لمناقشة قضايا الأدب الإسلامي وتحديد منهج العمل لأجله، وأنْ تتعاون هذه الجامعات والمراكز فيما بينها في هذا الميدان. كما أوصوا بتنسيق جهود الأدباء المسلمين في مجال نشر الأدب الإسلامي؛ داعين إلى اختيار النماذج الإسلامية الرفيعة من التراث الأدبي الإسلامي وإبراز الأخلاق والسمات لذلك الأدب الإسلامي، وبذل الجهود لنشر المختار من تراث الأدب الإسلامي ونتاج الأدب الإسلامي الحديث عن طريق دور النشر القائمة ما أمكن ذلك، وإصدار مجلة للأدب الإسلامي بجميع اللغات، والاهتمام بميدان الترجمة لنقل الروائع من أدب الإسلام وفكره من العربية إلى سائر لغات الشعوب الإسلامية - ومن هذه اللغات إلى العربية - ونقل الروائع الإسلامية كافة إلى اللغات الحية الأخرى.

كما ركزوا في توصياتهم على مجال التربية الإسلامية، وعلى نشر أدب الأطفال واليافعين والشباب، ومن جملة توصياتها في هذا الصدد: التخطيط لإصدار مجموعة من الكتب تُبيِّن أصول الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقًا وتاريخًا؛ لتلبي حاجة الأسرة المسلمة في كلِّ مكان، خاصة أُسَر الأقليات المسلمة والمغتربين المسلمين. والإفادة التامة من الوسائل التقنية الحديثة لنشر المعرفة في نشر التوجيه الإسلامي والثقافة الإسلامية وتشجيع المحاولات الرائدة في هذا الميدان، وبذل الجهود لإنشاء مدارس إسلامية ذات مستوى متميز وكفاءة عالية في مراكز تجمع المسلمين بالبلاد غير الإسلامية تعمل على تعليم الإسلام واللغة العربية بصورة أساسية من جهة، كما تراعي متطلبات التعلم القائمة في الدولة التي تقوم فيها المدرسة من جهة أخرى، على أنْ تشتمل على رياض للأطفال لتنشئ أبناء المسلمين على قيم دينهم وتحوطهم بالرعاية الإسلامية منذ نعومة أظفارهم، وتُعنى عناية بالغة بالأدب الإسلامي الموجه للأطفال واليافعين والشباب، بمختلف قوالبه الأدبية عبر وسائل الأعلام والنشر المتاحة، وتشجيع الأفلام المبدعة في هذا الميدان والعمل على نشر إنتاجها، وحثّ الأجيال الناشئة في مختلف أعمارها على القراءة والمطالعة والإفادة من الثقافة النافعة بكلِّ وسائلها المتاحة. وطلب من أعضاء الندوة أنْ يهيبوا بالمسؤولين جميعًا في البلاد العربية والإسلامية وبأجهزة الدعوة والتربية والثقافة والإعلام وبالمجامع والمؤسسات الإسلامية أنْ يبذلوا كلَّ طاقاتهم في تأييد هذه التوصيات، وتهيئة كلِّ السبل الممكنة لتنفيذها.

هذا، ولعلَّ من المناسب الآن أنْ نضع فيما يلي ودون تصرُّف، نصَّ كلمة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام بسلطنة عمان، مما افتتح بها معاليه جلساتِ تلك الندوة باليوم التالي فقال:

«الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على علَم الهدى وإمام الدعاة سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وعلى كلِّ مَن اهتدى بهديه واستنَّ بسُنَّته وصار على نهجِه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

أما بعد؛

فسلام الله عليكم أيها المؤمنون ورحمته وبركاته، وإنها لفرصة سعيدة أنْ نلتقي في هذا الصرح العلمي العتيد، وفي هذه القاعدة الإسلامية الصامدة، في ندوة العلماء التي قطع أهلُها على أنفسهم عهدًا أنْ يقوموا بواجب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وأنْ ينشروا الوعي الإسلامي في أرجاء الأرض. لقد مرَّت على هذه الأمة الإسلامية فترة حالكة غشيتْهم فيها غاشية من الفتنة العمياء؛ فالتبس الحقُّ بالباطل، وضاقت صدور الناس من همة الحق واتسعت بضجيج الباطل، وثقلت على النفوس كلمة المعروف وخفَّت عليها وطأة المنكر، وتبدلَت المقاييس وانقلبَت المعايير، وأصبح الدعاة في محنة وأصبحت الدعوة الإسلامية مكبوتة الأنفاس خافتة الصوت.

وفي هذه الفترة الحالكة، قامت هذه الندوة بواجب الدعوة؛ فأخذت تبوح في وسط تلك الدياجير بتلك المصابيح الوضّاءة من خلال صحافتها ومن خلال تآلُف أهلها. وعند انعقاد هذه الندوة العالمية للأدب الإسلامي الذي تدفَّق به البيان العربي لدليل على الرباط العقائدي الذي يوجد بين الأمة، لا فرقَ بين العربي والأعجمي، ولا فرقَ بين الأبيض والأسود، إنما تُوحِّد الجميع كلمة التوحيد، فكلمة التوحيد كما تنبئ عن وحدة الله سبحانه وتعالى تنبئ كذلك عن وحدة هذه الأمة في ظلال الإيمان بالله تبارك وتعالى، والله سبحانه وتعالى قد بيَّنَ لنا في مُحكَم كتابه العزيز أنَّ مقياس التفاضل بين الناس تقوى الله سبحانه وتعالى فلا يفضل العربي على العجمي بشيء إلا بتقوى الله، ولا يفضل الأبيض على الأسود بشيء إلا بتقوى الله. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [سورة الحجرات : 13]

وإذا كانت لي كلمة أقولها حول الأدب الإسلامي، فإنني أؤكد ما قيل سابقًا من أنَّ الأمة في حاجة إلى أدب إسلامي نظيف، تُطهَّر ساحتُه من كلِّ تلك اللوثات التي اتصلت بالأدب العربي. إنَّ الشباب المسلم بحاجة إلى الأدب العالي الذي يُلهب مشاعر الغيرة في قلوبهم على دين الله، ويؤكد الحماسة في نفوسهم، ويبعثهم على النصيحة في سبيل الله. أمّا الأدب الرخيص - ذلك الأدب الذي تقذف به قرائح الفساق الذين يلهجون وراء الشهوات والذين يسعون وراء معاصي الله سبحانه وتعالى - فيجب أنْ يُبعَد عن الساحة الإسلامية، ويجب أنْ يُبعَد عن الإعلام الإسلامي، ويجب أنْ يُبعَد عن المناهج التربوية، ويجب أنْ يُبعَد عن الندوات الإسلامية؛ حتى ينشأ الشباب الإسلامي شبابًا مضطلعًا بأمانته، قائمًا برسالته، مُضحٍّ بكل غالٍ ورخيص في سبيل هذه العقيدة، وحتى يعود إلى هذه الأمة ماضيها اللامع. ولقد قيل قديمًا: لا يُصلِحُ آخِرَ هذه الأُمَّة إلا ما أصلح أوَّلَها، وأول هذه الأمة إنما صلح بالدعوة الإسلامية. وقد كانت جميع الوسائل تُسلِّم الدعوة الإسلامية، ووسائلنا في هذا العصر متوافرة جدًا ولكنها مع ذلك مع الأسف الشديد في أيدٍ غير أمينة عليها.

ولذلك؛ استخدَموا هذه الوسائل في تدمير هذه الدعوة وفي الوقوف في وجه الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى؛ لذلك أهيبُ بالجميع أنْ تُقرِّر هذه الندوة في ضمن مقرراتها تطهيرَ وسائل الإعلام وتطهير مناهج التربية من كل تلك اللوثات التي لا تتفق مع عقيدة الإسلام، ولا تتفق مع سمو الإسلام، ولا تتفق مع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريقة السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم.

وأخيرًا، أشكر ندوة العلماء وعلى رأسها سماحة أستاذنا الكبير العلامة الشيخ أبي الحسن علي الندوي. وأشكر كلَّ العاملين في إنجاح هذه الندوة، وأسأل الله التوفيق للجميع وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

** باحث أكاديمي من الهند

تعليق عبر الفيس بوك