الادخار.. أمنية

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

احتفل العالم بالأمس باليوم العالمي للادخار والذي يوافق 31 أكتوبر من كل عام  والذي خُصص لترويج وتشجيع مفهوم الادخار وتعزيز دوره لدى الأفراد والمؤسسات في كافة أنحاء العالم، وتعزيز مفهوم أهمية الادخار، والتي تعود بالنفع الكبير على الفرد وكذلك على مجتمعه.

والطريف أن فكرة إطلاق يوم للادخار جاءت من قبل البنوك من خلال المؤتمر الأول الذي جمع بين أكبر البنوك العالمية، وكان ذلك في تاريخ 31 من شهر أكتوبر لعام 1924 في ميلانو، ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا الحالي تحرص البنوك والمصارف في بعض الدول على إحياء هذا اليوم وتحقيق أهدافه المتمثلة في زيادة وعي الجمهور حول أهمية الادخار بالتعاون مع المنظمات ووسائل الإعلام وهنا تكمن المفارقة من خلال تشجيع البنوك على ثقافة الادخار مقابل انها هي ما يستدان منها وبنسب فوائد فلكية تقصم الظهر على القروض خصوصا لدينا بل ان هناك من أطلق على البنوك مسميات ساخرة للغاية.

وحقيقية وأنا أقرا وأطالع الصحف ومواقع التواصل بما تحتويه من مقالات مختلفة ومتعددة عن الادخار، يراودني سؤال: هنا كيف للفرد أن يدخر وهو يئن تحت وطأة الديون والضرائب والالتزامات المالية التي تحاصره من كل حدب وصوب؛ فالراتب لم يطرأ عليه تغيير منذ سنين، لا سيما في ظل تأخر الترقيات التي وصلت إلى عشر سنوات خصوصا في القطاع الحكومي، ويأتي أحد الحكماء ليقول إنه من اختار  مصيره بيده، ولكنه نسى أن الظروف أجبرته وضاقت عليه الدنيا بما رحبت وعندها رضخ للبنوك مجبرًا غير مخير من باب "مُكره أخاك لا بطل".

الدراسات تقول إن الادخار جميل لمواجهة عواصف الأزمات المالية المستقبلية وهو واقع لمن يستطيع تطبيقه ولديه بحبوحة مالية في راتبه تكحل العين وتسعد القلب تكفي لمصروفاته ويبقي منه فائض يدخر منه.

ولكن ماذا عمن راتبه يطير كتطاير أوراق الشجر في فصل الخريف، وكيف يدخر من يعمل في القطاع الخاص وراتبه لا يتعدى 400 ريال، وهو يفكر في تحقيق أحلامه من اقتناء سيارة وإنشاء بيت الأحلام وتكملة الحلم بزوجة عفيفة طاهرة، وكيف يدخر من أُحيل للتقاعد وقُص راتبه وهو في الأساس ما زال غارقًا في مستنقع الديون البنكية التي دخلها غصبًا، جراء قلة الراتب والحوافز ولتوفير مسكن لأسرته وسبل حياة ملائمة لهم في هذا العصر المادي البحت، بما فيه من ضرائب وغلاء، فالكل يرتفع ماعدا الحياة الإنسانية هي من تتراجع؛ بل حتى الموظف الحالي أكاد أجزم أن قلة منهم من يستطيع الادخار نظير ما يشده الوضع الحالي من ضرائب وغلاء لم يقابلها زيادة في الرواتب تعينهم على تحمل نكبات الدهر؛ فالموظف بات يعد الأيام والليالي والساعات لانتظار الراتب لإدراجه في عجلة المصاريف الحياتية من فواتير وتكاليف ومستلزمات ليطلع بعدها من كل هذا بريالات معدودة لا تكاد تكفيه لآخر الشهر، وهو في خوف وتوجس خشية حدوث طارئ مفاجئ يلتهم منه ما بقي من الراتب.. فمن أين لهذا الموظف المسكين أن يفكر في الادخار؟!

 

باختصار.. ثقافة الادخار اختلقها أرباب البنوك من أجل تحريك الأموال يستفيد منها الأغنياء ويتمنى تحقيقها الآخرون.