إعادة هيكلة العالم

حاتم الطائي

الحديث عن إعادة هيكلة العالم سيظل محور اهتمامات المراقبين والمُحللين خلال المرحلة المُقبلة؛ إذ تتبلور الرؤية تدريجيًا مع مختلف الأحداث، سواء على المستوى الإقليمي أو على الساحة العالمية، والقول إنَّ العالم بعد فبراير 2022 لن يكون كما كان قبل ذلك التاريخ الذي شهد بداية الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تمثل نقطة التحول الرئيسية في المشهد العالمي وصراع القوى العظمى على من يقود العالم.

غير أنَّ هذا الصراع في ميزان القوى العالمي، يتمحور حول بناء التحالفات الجديدة التي ستقضي على تحالفات النظام العالمي الآيل للسقوط حاليًا، هذا النظام المستمر منذ نهاية الحرب الباردة. وعندما نتحدث عن تحالفات جديدة لا يعني بالضرورة استحداث كيانات سياسية أو اقتصادية، ولكن دخول أعضاء جُدد إلى تحالفات قائمة بالفعل ولها ثقلها السياسي والاقتصادي والتكنولوجي؛ بل والعسكري أيضًا. وقد أشرنا في مقال سابق إلى الدور المرتقب لمنظمة "شنغهاي للتعاون" التي تتزعمها الصين وتضم 9 دول أعضاء، و3 دول مراقبين، و6 دول تحت مسمى "شركاء الحوار" إلى جانب 4 دول بمسمى "ضيوف"، أي 22 دولة، وهو رقم كبير سواء من حيث إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول أو قوتهم السياسية والدبلوماسية، وكذلك القوة العسكرية، رغم أنَّ هذه المنظمة لم تُعلن عن أي تعاون عسكري من قبل فيما بينها.

ومن بين التحالفات كذلك التي باتت تسترعي الانتباه، تحالف "بريكس" والذي يضم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وهذه الدول الخمسة تمثل 40% من مساحة العالم، وهي نفسها الدول الأسرع نموًا اقتصاديًا في العالم. ونشأ هذا التحالف لمواجهة الهيمنة الغربية على تحالفات أخرى مثل: مجموعة العشرين ومجموعة السبع التي كانت تسمى قبل 2014 مجموعة الثماني قبل إقصاء روسيا.

وعندما نتأمل ذلك المشهد وما يتضمنه من تحالفات تنمو بقوة تدريجيًا، نجد أنَّ الصين هي العامل المشترك بين هذه التحالفات، وإلى جوارها روسيا، وهذا يؤكد الطرح الموضوعي الخاص بفكرة العالم مُتعدد الأقطاب، فلم تعد الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة المُهيمنة على القرار الدولي. لكن المُلاحظ في الصين أنها تختلف عن أي دولة في العالم، فإلى جانب أنَّها صاحبة ثاني أقوى اقتصاد في العالم، فإنها تمارس سياسة دبلوماسية هادئة للغاية، وتفضل العمل في صمت والإنتاج دون ضجيج، وقد استطاعت القوة الناعمة الصينية أن تعزز الحضور الصيني في العديد من البلدان حول العالم، ونجحت في بناء علاقات قوية مع العديد من الدول، مستندة في ذلك على قدرتها على دعم التنمية وحسب في هذه الدول، دون إملاءات سياسية أو اشتراطات، على عكس القوى الغربية التي إن منحت دولة دولارًا تسترده بألف، لكن في صور سياسية وتأثيرات على الاقتصاد.

وفي خضم ذلك، يبدو جليًا أن الدول العربية، وتحديدًا دول مجلس التعاون الخليجي، أدركت أهمية دعم التوجه الجديد نحو عالم مُتعدد الأقطاب، إدراكًا منها أنَّ ثمَّة تحولات كبرى يمر بها العالم، ولا بُد لدول الخليج التي تمثل ثقلًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط والعالم، أن تشارك في صناعة مستقبل العالم، وهو ما انعكس في سعيها لإعادة ترتيب أولوياتها السياسية والاقتصادية، في إطار توجهها العام لوضع مصالحها الوطنية أولًا، والعمل على ترسيخ نموها الاقتصادي عبر استثمارات متنوعة مع مختلف الدول، ومنها الصين وروسيا ودول أخرى.

ومن هنا يُمكن استشراف ما ستتضمنه القمم الثلاثة التي ستستضيفها المملكة العربية السعودية الشقيقة، مع الصين؛ حيث ستكون القمة الأولى "سعودية- صينية" والثانية "خليجية- صينية" والثالثة "عربية- صينية"، وهذا يضيف بُعدًا آخر في علاقة الصين مع الدول العربية؛ إذ إن حضور الرئيس الصيني شي جين بينج لهذه القمم الثلاثة، من شأنه أن يمنح القرارات الصادرة عنها قوة كبيرة، وستسهم- بلا شك- في رسم مستقبل جديد للعلاقات العربية الصينية وتحديدًا العلاقات الخليجية الصينية.

ويبقى القول.. إنَّ ما يشهده العالم من مُتغيرات غير مسبوقة، وتحولات كبرى في ميزان القوة العالمي، وتراجع الهيمنة الأمريكية، والصعود المتواصل للعملاق الصيني والدور المؤثر للغاية لروسيا في أهم قطاع على الإطلاق وهو الطاقة، كل ذلك يدفع بنا إلى التفكير في نتائج إعادة هيكلة النظام العالمي وتأثيراته علينا، بهدف تعزيز الإيجابيات والتقليل من السلبيات، بما يخدم مصالحنا الوطنية ويضمن تحقق السلام والاستقرار حول العالم.