ساعٍ.. ومسعى!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"حفظ المسافة في العلاقات الإنسانية مثل حفظ المسافة بين العربات أثناء السير فهي الوقاية الضرورية من المصادمات المُهلكة" مصطفى محمود.

 

لا شك قد تتغير القناعات بين وقت وآخر إما بسبب تجارب حياتية مؤثرة، أو لسبب موضوعي يتعلق بذات القناعة، والقناعة هي مبدأ فكري يعد جزءًا لايتجزأ من فكر الإنسان وقيمه الأخلاقية، وقد تسير حياته وفق هذا المبدأ وهذه القيمة الأخلاقية وتنسحب على بقية تصرفاته الشخصية، وهذا ديدن القناعة عندما يشعر موافقها بأنها حقيقة واقعة تستحق الاعتناء الفكري.

أحد الأصدقاء كانت لديه قناعة فكرية معينة تتعلق بالطبيعة الثقافية والاجتماعية للمجتمع وقيمه الفكرية، وكان يحاول بشتى الطرق سواء عن طريق عمله الرسمي، أو حتى عن طريق التجمعات الاجتماعية الخاصة والعامة، لم يكن يكل ولايمل من نشر قناعاته وأفكاره، وكان يجد مؤيدين مثلما يواجه المناهضين، وكان يمضي قدما نحو نشر رسالته الفكرية من أجل إيجاد مجتمع صالح منفتح يحتوي الجميع أيًا كانت الأفكار والرؤى والمعتقدات.

كان يعتقد أن الفكر الذي يحرك المجتمع هو فكر مسيس بإطار ديني وأنه في الواقع الوضع مختلف عما هو مشاهد على الأرض، وأن الناس وكأنها تخشى من الظل، وأن الغالب يدعي أخلاقا تختلف عن أخلاقه الحقيقية، أي بوجهين، قلت له بأنك تحكم على الناس حكما تسلط به أفكارك على أفكارهم، رفض كلامي وأكد كلامه وقناعته، ولا أعلم هل كان يتحدث عن أمر واقع أم أن قناعته هي من وجهه لهذا الاعتقاد؟

حاول قدر المستطاع نشر أفكاره والتي في مجملها مقبولة لكن أحيانا لا الزمان ولا المكان مناسبين، وحتى أتحدث بصراحة فأنا أتفق معه بأن العادات والتقاليد تملك سطوة تسيطر على الفكر أكثر من سطوة الدين، بالطبع هنا أؤكد بمقصود بعض العادات غير المتعارضة مع الدين ومع ذلك فهي محرمة كعادات وتقاليد وليس كمحرم شرعي.

مضت الأيام وأصبح الغياب هو عنوان التواصل، ربما بسبب المشاغل اليومية وممرات الحياة، وأثناء هذا الغياب قام الصديق بمحاولة وتجربة مهمة لعلها تشق  لبزوغ ضوء في نفق مظلم ينشر النور- كما أسماه- بعد الظلام، كان متفائلًا ولو على مضض بنجاح التجربة، لكنها فشلت وخابت الآمال، لكنه تعلم جيدا وفهم أن النتائج لا تأتي  بقدر السعي إنما للسعي مداخل ومخارج ودروب، قد لا يكون الفكر أحد أدواتها.

بعد تلك التجربة المرهقة قابلته صدفة وكان لقاء عابرا سريعا، ولم يحمل سوى عبارات السلام التي اختتمت بعبارة قد تكون الأهم : حدسي يخبرني بأنك تتابع خطواتي وأتوقع دوما بأن الانتقاد هو الواجهة الأكبر في فكرك (قالها مبتسما) قلت: يا ليت قومي يعلمون!

الغريب أنني بعدما توجهت لسيارتي للخروج من مأزق المقابلة أو سمه ماشئت، قررت الاتصال هاتفيا عليه لترتيب لقاء قادم لربما تصفى به النفوس، وللأسف وجدت رقمه قد مسح من لائحة الأرقام.

وَيَجهَدُ الناسُ في الدُنيا مُنافَسَةً

وَلَيسَ لِلناسِ شَيءٌ غَيرَ ما رُزِقوا

أبو العتاهية