لماذا يسرقون؟

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

دُعيتُ لإلقاء مُحاضرة في إحدى القاعات العامة، وعند وصولي إلى موقع القاعة تفاجأت بوجود الناس خارج القاعة التي كان ينبغي إلقاء المحاضرة فيها، وبعد السؤال عن ذلك علمت أنَّ بعض السُّرّاق استغلوا موقع القاعة البعيد عن الحي السكني، فسوّلت لهم أنفسهم، فما كان منهم إلا أن كسروا باب القاعة وسرقوا بعض أجهزة التكييف وكل ما استطاعوا حمله بأيديهم ثم هربوا بلا عودة، تاركين خلفهم قضية من قضايا الفساد الاجتماعي، وعند مجيء الناس إلى القاعة تفاجأ الجميع بعدم وجود أجهزة التكييف.

اليوم هناك الكثير من القضايا المشابهة التي نسمع عنها عبر الصحف والمجلات ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي منها سرقة أبواب دورات مياه المساجد، وصناديق الصدقات والزكاة، وممتلكات الناس من سيارات ودراجات وذهب وفضة وغيرها الكثير، مما يجعلنا نأسف مما يحصل بين فترة وأخرى لدور العبادة وأماكن تلقي العلم من انتهاكات واضحة وصريحة ممن لا يخافون الله تعالى ولا يعملون بأمره ونهيه.

قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة المائدة: 38ـ 39).

إن أكثر حالات السرقة اليوم في الوطن العربي لها أسبابها المختلفة، ومن بينها:

أولًا: الفقر؛ في بعض الدراسات المعلنة على سبيل المثال لوحظ أن نسبة معدلات الجريمة كانت واضحة في الأماكن التي تزداد فيها البطالة، وذلك لقلة دخل الفرد فيها، مما يجعل من ضعفاء النفوس والذين هم بحاجة ماسة إلى المال يقدمون على سرقة أملاك من حولهم من المؤسسات الحكومية والخاصة، بل ووصلت بهم الجرأة إلى سرقة بيوت الله تعالى وانتهاك بيوت الناس وعدم احترام وتقدير الأعراف الدينية والاجتماعية في الأسرة والمجتمع.

ثانيًا: نقص الأمن أو ظهور الفوضى في المجتمع، فالسارق يرى في نقص الأمن والفوضى في المجتمع بيئة صالحة له لممارسة التعدي على ممتلكات الآخرين.

ثالثًا: الضغوطات الاجتماعية؛ فالبعض يمارسون السرقة بهدف الانتقام، وهذا ما يحصل في كثير من الأحيان عند المراهقين عندما يشعرون أن أقرانهم أفضل منهم ماديًا، فيقدمون على السرقة لتغطية النقص المادي الذي يشعرون به في الأسرة.

رابعًا: إدمان المخدرات؛ فهي آفة اجتماعية يلجأ إليها البعض للهروب من ضغوطات الفقر والبطالة، مما يجعلهم يمارسون جريمة السرقة، وذلك لتوفير احتياجاتهم المادية، فيقعون في خطر آخر وهو فخ الإدمان الذي يفقدهم صحتهم وعافيتهم وحياتهم، وهناك أيضًا من الأغنياء من يرتكب الجرائم ومنها السرقة بسبب الإدمان وتحت تأثير المخدر.

خامسًا: ضعف الوازع الديني؛ فعندما لا يرتبط الإنسان بدينه وأخلاقه وقيمه ومبادئه فمن الطبيعي لن يحترم الآخرين، وسيرى فيهم لقمة سائغة يسرقها متى ما شاء وأحب.

لذا.. فإن اليوم هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق الحكومات العربية والإسلامية، بل على المجتمع ومن فيه من أهل الحكمة والدراية، على حل المسببات المذكورة أعلاه وفي طليعتها حل مشكلة البطالة والفقر وتفاقمها في المجتمع العربي والإسلامي، فهما سبب من أسباب توجه الكثير من الشباب العاطلين عن العمل إلى مواقع الجريمة، وعدم احترام خصوصية الآخرين.

وينبغي توعية المجتمعات العربية والإسلامية بأهمية الأحكام الشرعية واحتضان الإسلام وتعاليمه، والعمل على تطبيق أحكامه وآدابه، والتي من أهمها احترام الوطن ومكتسباته، وحفظ أملاك الناس من التلف والضياع والسرقة، وهذا بكل تأكيد لا يتحقق إلا بالتوعية المستمرة وبث روح المحبة والمودة والسلام بين الجميع، وذلك من خلال تفعيل الإعلام الرسمي في الدولة، واستغلال المدارس والجامعات والكليات والمساجد والمآتم والحسينيات وغيرها من مواقع اكتساب العلم  والمعرفة والآداب والأخلاق، وذلك بهدف إيصال الفكر الصالح والسليم والنموذجي لأبناء المجتمع، وإبعادهم عن الأفكار الفاسدة التي لا تعود عليهم وعلى المجتمع إلا بالخراب والدمار للأسرة والمجتمع.

وإن من أهم الواجبات والعلاجات التي ينبغي على الدول تحقيقها وتنفيذها لمواطنيها هو توفير الوظائف اللائقة للمواطنين، لكي يستطيع المواطن العيش في وطنه بكرامة وشموخ وعزة نفس، ولكي تكون الدولة ناجحة في ذلك عليها أن تؤدي واجباتها تجاه مواطنيها، وذلك لضمان نجاح منظومتها الوطنية تجاه الوطن والمواطنين، فكلما تميزت الدولة ونجحت في تنفيذ واجباتها الملقاة على عاتقها حظيت باقتصاد ناجح ومزدهر ونظام محترم يحترمه الجميع أساسه العدالة الاجتماعية في المجتمع.

إنَّ المواطن هو أساس الدولة ومحورها وواقعها ولا غنى للدولة عنه؛ بل ولا تبنى الدولة إلا به وبقدراته وإمكانياته، فمن الواجب على المواطن والدولة معا التعاون الجاد في سبيل ازدهار الوطن وحفظه من تفاقم مشكلة البطالة والفقر والفساد بمسمياته وأشكاله، والذي لا يعود على الوطن والمواطنين إلا بالويلات والخسائر الفادحة؛ بل ويؤثر على تحقيق أهداف التنمية في جميع المجالات الاجتماعية المختلفة، لذا يجب تطهير كل شبر من أرض الوطن العزيز من جراثيم الفساد والإفساد وضرب الفساد بيد من حديد، وهو أمر واجب على الدولة والمجتمع وذلك لتحقيق المساواة بين أبناء الوطن الواحد.