ثقافة الابتكار بين الأجيال

 

فاطمة الحارثية

مجال التواصل الفكري الاجتماعي يشوبه الكثير من المُغالطات، فالاستدامة التطويرية ليست وليدة اللحظة، والحضارات السابقة أظهرت قصور البشر في الاحتفاظ بالتطور بذات الوتيرة، نظرًا لاعتماده على الطفرات الابتكارية الذي يتبعه استنساخ وتكرار لعقود، ولا خطأ في ذلك.

نعم بين فترة وأخرى وإن طال الوقت يأتي الابتكار زائرا كحدث نادر لنخبة يختارها الله ليتنفس بهم الناس، ويقضي حاجاتهم على شكل فكر أو اختراع يبني خدمات جديدة وأسلوبا جديدا للحياة، مثال على ذلك الانتقال من استخدام الطبيعة البسيطة مثل الخيول في حاجات التنقل إلى استخدام أدوات أكثر تعقيدا على هيئة مركبات.

إن صح لي استخدام تعبير "تصادم الأجيال"؛ فالقصد منه الوعي الفكري ورغبة التجريب، فرضا، إن ما قد استلذ به جيل أربعة عقود مضت كموضة الثمانينات، قد يرغب الجيل الجديد في تجربته، نعلم هو ليس بالابتكار والجديد للجيل القديم، لكنه يُعد أمرا جديدا كليا وربما يُعد ابتكارا للجيل الذي بعده، وهنا أقول للجيل القديم رفقا بمن أراد تجربة تعتبرها قديمة، لأنها في عين الجيل الحديث جديدة؛ بعد هذا لنفكر قليلا في منطق الابتكار والتغيير والتجديد، هل يُلام الجيل الحديث إن أتى بما قد لا يعلم عنه، لكنك كجيل قديم تعلم به؟ أم علينا قبول الإضافات البسيطة لذات الابتكار من تصغير أو إعادة صياغة؟ وإعادة تعريف مفهوم الابتكار والاختراع؟. الحال ذاته عندما يُكرر المُرسل في تواصل اجتماعي ما، فقد يمل من التكرار، سواء قولا أو فعلا وقد يقل لديه نسبة الحماس أو التفاعل الاجتماعي (مشاعر الرسالة) في المضمون الذي يرسله، بعد تكراره لأكثر من ثلاث مرات أو أكثر، لكن لنقف للحظة ولنبتعد قليلاً عن "أنا المرسل"، ولنفكر في "أنا المتلقي" والمستقبل، نعم، ليس هو ذاته ولن يفهم معنى الرسالة إن تغير المُرسل في أسلوب الإرسال، لذلك ومن أجل تحقيق الهدف، علينا إما الحفاظ على ذات وتيرة الإرسال، وهي قدرات وإمكانيات لا تتساوى بين الناس، أو تغيير المُرسل مع مراعاة قدرته على إرسال فحوى المحتوى كما يجب.

حسب التاريخ، متى يتوقف الإنسان فعليا عن الابتكار والإبداع والتجديد؟، بصدق نادرا ما ربط التاريخ الإبداع بالعمر أو الجيل، لأنه أي الابتكار بكل بساطة وليد حاجة أو موقف أو هبة يُنزلها الله ويُفهمها من يشاء من عباده، إذًا، لتكن العدالة الاجتماعية ولنكف عن الضغط على شباب يحتاج أن يجد لنفسه متسعا من علم، ومتعة، وحرية التجربة، ولنقبل منه جهده في إيجاد الفكرة والحلول دون تأطير أو تلويث، ولتعم دعوة الابتكار والإبداع كاجتهاد على الجميع كبارا وصغارا، ولنتقبلها دون تحيز لعمر أو جنس أو مُعتقد.

الكثير من الناس يُريد أن يتميز، وقد تتحول هذه الرغبة إلى مرض اجتماعي، يأتي بالسلبيات عند النظر في الطرق التي قد يستخدمها البعض من أجل فرض ذلك الاعتقاد بالتميز علينا، وأيضاً قد يفقدنا الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية، عند استخدام الراغب بالتميز لأساليب غير أخلاقية، وقبلونا به رغم علمنا بأساليبه الملتوية الدميمة والقبيحة، (وعموم القبول هذا، يكمن في المصالح الشخصية)، وأعتقد أنَّ ما قد يحد من هذا التفشي الضار، الإخلاص في تنظيم مفهوم التميز، ورفضه إن جاء إلينا بطرق غير سوية، مهما كان ذا قيمة، فالمبادئ والأخلاق ركن أساسي من أركان تميزنا وبشريتنا وهوية وجودنا على هذه الأرض الفانية.

سُّمو...

مفهوم العين، ليست بالظن فنحن لا نرى قلب الآخر ولا نيته، لكن نستند على أدلة، قد تكون مصطنعة أو مختلقة لإخفاء الكامن وتضليل الرائي، لكن الأيام بالمرصاد، فلكل مسرحية نهاية، ولا يدوم إلا الصدق لأنها سُنة الله في خلقه، ويعلم ما يُسرّ ويُحاكى في الخفاء.

بصيرة من الله يهبها لمن يشاء تُسقط الأقنعة.