المرأة في المجالس المنتخبة ومجالس الإدارات

 

 

د. عائشة بنت عبدالله العلوية

 

احتفلت المرأة العمانية هذا الأسبوع بمناسبة هي أقرب للمناسبات الوطنية التي تسعى من خلالها مؤسسات الدولة العامة والخاصة إلى تقديم صورة احتفائية، من خلال إقامة احتفالات في عدد من الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، مثل احتفالية وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كما احتفلت مدارس وزارة التربية بالحدث احتفالات معبرة عن المرأة بعروض للأزياء العمانية أو لوحات للفنون التقليدية الشعبية النسائية.

غير أن أبرز احتفالية لفتت نظري، هي مبادرة شركة أوكيو بتوقيع اتفاقية دعم وتعاون لجمعيات المرأة العمانية بمحافظة الوسطى؛ وهي اتفاقية إذا أُحسن فيها اختيار البرامج من شأنها أن تطور عمل الجمعيات وقد تكون فاتحة خير لبداية التغيير على مستوى البرامج "النمطية" التي تقدمها جمعيات المرأة للمرأة في جانب "التمكين المستدام" وإذا نجحت هذه الاتفاقية في هذه المحافظة فذلك سيشجع على البحث عن داعمين من القطاع الخاص العماني في بقية المحافظات.

سنتقدم خطوة إلى الأمام في هذا الحدث الذي جاء بهدف الاهتمام بدور المرأة في مسيرة التنمية في هذا البلد وهو دور لا يختلف عليه اثنان، حيث إن المرأة العمانية دخلت معترك عملية البناء لأن مقتضيات بناء الدولة ومؤسساتها لا تقوم إلا بجهود نصفي المجتمع (الرجل والمرأة)، فأزيحت عن طريقها العقبات ومهدت لها المسارات لتشق طريقها وتقوم بواجباتها الوطنية على أكمل وجه، ولن أقف لأكرر هنا على القارئ الكريم ما هو أدرى وأعلم به، لكونه جزءًا من هذا الوطن يشاهد ويقرأ الدور الملوس للمرأة العمانية، وسنقف عند بعض المؤشرات الخاصة بتواجد المرأة العمانية في المجالس التمثيلية بالقطاعين العام الخاص ونقف عند التراجع لهذا التواجد ونتعرف على أسبابه.

تطور طموح المرأة العمانية وشابه الكثير من النضج ولامس سقف الحياة السياسية في مرات متكررة من خلال تمثيلها في المجالس المنتخبة كمجلس الشورى، والمجلس البلدي، ومجالس الاتحادات الرياضية، وكذا مجالس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان بفروعها المختلفة  وبالرغم من أن العدد الحالي للممثلات في تلك المجالس عدد لا يمثل الحد الأدنى من التمثيل الذي توافق عليه المجتمع الدولي من خلال المواثيق المعروفة ومنها اتفاقية "سيداو"؛ فحاجز السقف الزجاجي موجود بشكل أو بآخر ويتطلب من المرأة المزيد من العمل لإثبات كفاءتها وقدرتها.. وهي قادرة.

ولبيان ما سبق، استعرضُ نسب تواجد المرأة العمانية في عدد من المجالس ومنها مثلا: مجالس إدارات الغرفة؛ حيث تضم فقط اثنتين من مجموع 70 عضوًا، وفي  مجلس الشورى تشكل المرأة ما نسبته 2.3% بعدد عضوتين فقط من مجموع  86 عضوًا، وفي المجالس البلدية تبلغ النسبة 3.4%، وفي مجلس الدولة يمثلن ما نسبته 17.6%. وهذه نسب تدعو إلى مضاعفة الجهود منها لإقناع المجتمع بأحقية تمثيلها والإيمان بقدرتها وكفاءتها. والعدد الحالي من المترشحات في انتخابات المجالس البلدية للدورة الثالثة يشير إلى تراجع درجة الطموح والعزوف عن الرغبة في المشاركة السياسية، والمجالس البلدية أحد تجلياتها التي لا يجب أن يترك فيها الميدان كاملا للشقيق الرجل. نقول ذلك على وجه الخصوص في هذه المرحلة الحاسمة والانتقالية في مستوى تطوير وتنمية المحافظات في السلطنة وما تشهده من اهتمام ورعاية سامية من لدن جلالة السلطان المُعظم، وكم كنت أتمنى أن أرى جيل المهندسات العمانيات في التخطيط الحضري وتخطيط المدن والتخصصات الهندسية والفنية الأخرى ممن غادرن الوظائف الحكومية ليكنَّ من المنافسات على مقاعد المجالس البلدية؛ فهذه المرحلة من البناء تتطلب وجودهن ومشاركتهن بما يمتلكنه من معارف ومن خبرات تراكمية بمؤسسات الحكومة.

أما على مستوى تمثيل المرأة في مجلس الشورى بعدد عضوتين فقط فهذا لا يعكس مطلقا طموح المرأة السياسي ولا يعد كافيا لقياس كفاءة أدائها مع أهمية هذا العنصر كمؤشر يُراقبه المجتمع ليعطيها الثقة في تمثيله فيأتي التصويت لها في الدورات القادمة، مبنياً على هذا الأداء ومن هنا يجب أن تعطي المرأة أهمية لتثقيف نفسها بمهارات العمل البرلماني وألا يقف ذلك عند حدود الفوز بل يتعداه إلى توظيف الأدوات البرلمانية لتحسن أداءها وكسب ثقة المجتمع، وعلى الجهات المسؤولة تبني دراسة هذا التراجع ولا يمر مرور الكرام حتى لا نخسر مشاركة نصف المجتمع في بناء دولة المؤسسات.

أما في مجالس الإدارات في القطاع الخاص فقد أجريتُ تحليلًا بسيطًا على تواجد المرأة في مجالس إدارات البنوك التجارية وكذا شركات الحكومة التابعة لجهاز الاستثمار العماني، ومن إجمالي 9 مجالس إدارات بنوك محلية تمثل المرأة فقط 3.1% من خلال عضويتها في مجلس إدارة البنك الوطني فقط، وعلى مستوى الإدارات التنفيذية لنفس البنوك تمثل المرأة 16.6% في بنك مسقط، وصفر% في بنك ظفار، و26% في البنك الأهلي، و18.7% في البنك الوطني العماني، وصفر% في بنك العز، و15.3% في بنك نزوى، و14.2% في بنك عمان العربي.

وفي مجالس شركات جهاز الاستثمار العماني تشكل نسبة تواجد المرأة فقط 8.6% في عدد 13 مجلس إدارة تضم 67 عضوًا، ما يعني أن التواجد على رأس مجالس الإدارات ما زال لا يحظى بالاهتمام الكافي وأن المرأة العمانية العاملة في القطاع الخاص، أو الشركات الحكومية دون النسب المتعارف عليها عالميًا. وهنا نقترح وضع نسبة استهداف ومدى زمني من أجل استكشاف العناصر النسائية وتأهيلها وتمكينها في مراكز صنع القرار، خاصة على صعيد مجالس الإدارات وعدم تركه للصدفة، وذلك من أجل تعزيز مكانة السلطنة في تحسين مكانة المرأة، والوصول إلى تحقيق مؤشرات التنمية المستدامة 2030 على هذا الصعيد، وكذلك المؤشرات الوطنية في رؤية "عمان 2040"؛ فالسلطنة تسير على طريق إعادة بناء اقتصادها وهيكلته ليكون قائدا لقاطرة القطاعات التنموية الاخرى، ولا بُد ان تكون المرأة حاضرة في هذا الحراك الاقتصادي نظر للدور الاقتصادي المتنامي للمرأة، وهو ما برهنت عليه دراسة أجريت على الشركات الأمريكية المتواجدة بمجلة "فورتشن 500" الأمريكية التي تنشر سنويا 500 شركة أمريكية من حيث الإيرادات. وقد خلصت الدراسة إلى أن الشركات التي تضم نساء أكثر بين مجالس إداراتها تحقق عوائد مالية أكثر من غيرها وتمثلت الزيادة في حقوق الملكية للمساهمين بنسبة 53%، وفي المبيعات بنسبة 42% و67% في روؤس الأموال المستثمرة.

إنَّ رحلة المرأة العمانية في بناء قدراتها الذاتية مستمرة ولا تتوقف، وهي في بحث دائم عن الثقة وعن الإيمان بمقدراتها الاستثنائية في تحمل المسؤولية والقدرة الكاملة على صناعة واتخاذ القرار، وحينما ستتمكن المرأة من حصد المزيد من الثقة ومن الدعم الكامل من شقيقها الرجل فإن عدد من سيتولين الحقائب الوزارية وكذا المناصب التنفيذية كمنصب وكيل وزارة ومدير عام سيرتفع دون شك وبما يتناسب مع طموح المرأة العمانية التي تشارك في بناء الوطن في كافة الميادين العملية.

ومن أجل بلورة جهود التمكين، فإننا نقترح عبر هذا المقال أن تتبنى الأكاديمية السلطانية للإدارة إطلاق برامج إدارية تمكينية عليا خاصة بالمرأة، تستهدف بناء قدرات المرأة في مهارة اتخاذ القرار والتخطيط والقيادة؛ بهدف رفع كفاءتها وتحفيز مشاركتها وتكريس الاهتمام الرسمي والإداري بها، ومراقبة مؤشرات التحسن والتطور في وجود المرأة في مراكز صناعة القرار، التي ما زالت كما نلمسه منخفضة ولن نكون مخطئين إن وضعنا اليد على مواضع الضعف ووضعنا الخطط المنهجية والزمنية لتقويتها، فبناء القدرات المعرفية للمرأة من شأنه رفع مساهمتها الوطنية.

تعليق عبر الفيس بوك