عُمان.. ودروب الشُّرشر!

 

حمد بن سالم العلوي

بداية الشُّرشر شجرة حبّاية، فهي تحبو على سطح الأرض، وتزهر باللون الأصفر الجميل، وتنبت من تلقائها بعد المطر، ولها وريقات صغيرة خضراء، وتغطي مساحات واسعة من الأرض، وثمر شجرة أو عشبية الشرشر على شكل دائري مغطى بالشوك، وكل ثمرة بحجم حبة النبق، وشوكها مؤذٍ، فإن لم يصب القدم به، فإنه يعلق في الحذاء أو النعال، وقد يعلق في ملابس الإنسان، ويسبب له الإزعاج في كل الأحوال، ويضرب بها المثل في الأذى فيقال: "المجنون يرده الشرشر" بمعنى إن المجنون لا يقدر خطورة الشرشر إلا بعد السير عليه حافيًا، فيتراجع عندئذ عن السير عليه، وذلك بمجرد أن يشعر بلسعه على راحة القدم، لذلك يُعتبر الشرشر مؤذياً للإنسان رغم مظهره البريء الكاذب.

فإذ أقول؛ إن عُمان لا تختار لدروبها على شجيرات الشرشر، مهما بدا شكلها مريحاً للنظر، وامتدادها كبساط أخضر لمسافات واسعة، لأن الخبرة بهذه الشجيرات لا تطمئن للسير عليها، فالسياسة العُمانية التي عهدناها، وتعودنا على نهجها منذ العام السبعين إلى اليوم والغد، ستظل محط اطمئنان في النفوس والقلوب، ومحل ثقة لنا كعُمانيين وعرب وآخرين ممن ألِفوا ترانيم معزوفة السياسة العُمانية الهادئة والثابتة، فحتى إذا تدلت وتقاذفت أمامها حبال الفرص الخادعة، فلا تنغرّ بجمالها أو كثرتها، فلن تمسك في طرف أي حبل منها، إلا عن قناعة ويقين، والسياسة العُمانية لا تؤمن بضربة الحظ في العلاقات الدولية، ولا بالتجديف نحو المجهول.

إنَّ العالم اليوم تتقاذفه تيارات التجاذب والتنافر، ولكن عُمان لا تحشر نفسها في الزوايا الضيقة، ولا هي مع ضعين "الكومبارس" أو الحشو الذي يُملأ به الفراغات العبثية، وإنما هي قلعة الشطرنج، لا تسير إلا في الخطوط المستقيمة، ولا تؤمن بنظام التّخييم في زمن الكلأ والخصب، فالخصب حتمًا سيتبعه جدب، فإن هي قررت النزول والإقامة، فتنشئ لها القلاع والحصون لتثبّت للزمان والمكان والأثر.. إنها علم وستظل علمًا عاليًا خفاقًا.

إذن؛ فالثبات على المبدأ، عقيدة عُمانية راسخة، والصدق مع الذات نهج لا حياد عنه، فهكذا ظلت وهكذا ستبقى، فعلى سبيل المثال، يوم قررت عُمان أن تكون لها علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي عام 1986، وقد كان الاتحاد السوفييتي خصمًا لدودًا، وداعمًا للحركات الانفصالية، ولكنه تراجع عن مواقفه وأبدى احترامًا لوحدة البلاد، فقررت عُمان أن تقيم علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي- وقتذاك- واعترض من اعترض.. وندد من ندد، ولكن عُمان رجّحت مصلحتها الوطنية، ولم تتزحزح عن موقفها، وكانت عُمان بعد الكويت تفتح سفارة للروس في عاصمتها مسقط بين دول الخليج قاطبة.

إذن.. عُمان تعرف ماذا تُريد ومتى تُريد ذلك، لكنها لا تسابق الزمن في قراراتها، ولا يؤثر عليها الآخرون في إرادتها الحرة بأي تأثير كان، ولا تستمع لطنطنة الكلام في مواقفها المصيرية؛ لذلك لا تطأ على شجيرات الشرشر بأقدام عارية حتى لا يعطل مسيرها الجاد، فإذا قررت العبور من على تلك المساحات المزعجة من شجيرات الشرشر، فأنها تطأ عليها بحافر من حديد، لتسير بأمان وتفتح الطريق لمن يأتي من بعدها.

نحن لا نسارع في نهج النقيض والنقيض المضاد، فلا تنهج عُمان هكذا سياسة، وإنما تنهج سياسة الثقة بالذات، والنظر إلى المصالح الوطنية العُمانية، وهي مقدمة على كل المصالح الأخرى، والعالم ينظر إلى المواقف العُمانية بعين الفخر والإعجاب، وهي تشع بالحكمة والبصيرة، وتعطي القدوة الحسنة لمن يحتاجها، وذلك دون فرقعات إعلامية، وطنطنة مزامير جوفاء، فترى الصمت العُماني فيذهلك مقصده، ولكن يأتيك الخبر السعيد من مكان بعيد عن نتيجة مُفرحة؛ فسياسة الحكمة والهدوء لم يألفها معظم العرب، لذلك يشقون على أنفسهم في فبركاتٍ، لعلهم يفسدون فعل خير لكي لا يتحقق، ولكن ديدن عُمان في محبة الخير يعد زادها ووقودها في الاستمرار..

حفظ الله عُمان وثبّتها على فعل الخير، ونبذ أفعال الشر، وأعز الله حكيمها المبجل جلالة السلطان الهيثم المعظم.