حقيقة التجارة المستترة

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

التجارة المستترة أو تجارة الظل؛ هي الشبح الجاثم على الكثير من فرص الأعمال المتاحة في مختلف القطاعات الاقتصادية لدينا، وهي أيضًا المضلّل للمؤشرات التي يتم استخدامها في وضع السياسات الاقتصادية.

وعلى الرغم من تعدد تعاريفها إلا أنها باختصار تعني وجود منشأة رسميًا مملوكة للمواطن مالك السجل التجاري، لكن فعليًا يُديرها مقيم وافد يكون صاحب رأس المال الحقيقي وهو المتحكم في قرارات المنشأة، وهو من يجني الأرباح، ويُعطي مالك السجل الفتات على فترات محددة متفق عليها فيما بينهما، ولهذا الفعل آثار اقتصادية واجتماعية سلبية للغاية. وأحد أهم أسباب وجود هذا النوع من التجارة ومنذ البدايات هو تراجع التاجر المواطن عن موقعه في قيادة مسار دفة أعماله، وتسليمه مهام قيادية للعامل الوافد لديه ممن يتوسم فيه الأمانة والإخلاص، بقصد مساعدته، إما في توسيع الأعمال أو لكبر السن أو لعدم التفرغ؛ الأمر الذي أمدّ الوافد بكل سُبل التمكين حتى أصبح ربانًا ماهرًا، وباقي التفاصيل الأخرى لا تخفى على أحد. وهناك أسبابٌ أخرى؛ منها استخراج البعض سجلات تجارية ومنح الوافد كافة المستندات الرسمية لفتح أنشطة تجارية تعود لهذا السجل بوجود اتفاق ضمني على سداد الوافد مبلغًا شهريًا لمالك السجل التجاري، ويُعدّ هذا الفعل استغلالًا سيئًا من المواطن للتشريعات المُنظمة لمزاولة أعمال التجارة داخل البلاد.

ومن ضمن الأسباب أيضًا، استغلال بعض العمالة الوافدة خبرتها وعلاقاتها من خلال عملها لدى بعض أصحاب الأعمال في أي من مناطق امتياز النفط والغاز، وبسبب نفوذ الأخير فإن بعض أصحاب الأعمال المواطنين يميلون إلى جانب الراحة ويوكلون مهمة الإدارة للوافدين لديهم؛ الأمر الذي يمكن الوافدين من التغلغل بمساعدة أقرانهم في دخول مناقصات ومنافسة الشركات الأخرى، مما يُطلق عليها شركات تنمية المجتمع المحلي، وذلك أيضًا نظير عائد مادي مُتفق عليه بين الوافد والمواطن مالك المنشأة. كافة هذه الأسباب دفعت الكثيرين للقيام باستخراج العديد من السجلات التجارية وتمكين الوافد من الاستفادة من كافة الأوراق الرسمية والتراخيص لأجل فتح أنشطة تجارية ليس للعُماني منها إلا الاسم ومبلغ متفق عليه سلفًا، مع تحمُله لأية تبعات قانونية أمام جهات الاختصاص؛ سواء كان مُدركًا لذلك أم لا، فهو بشكل مُباشر في مواجهة الخصوم فيما لو وجدت هناك أية دعاوى قضائية تجاه هذه المؤسسة. وبالطبع فإنّ هذا الشكل من أشكال تمكين الوافد لا ينطبق على جميع مالكي السجلات التجارية؛ لأن منهم الجاد والممارس لأعماله التجارية والمتفرغ، ومنهم الموظف إضافة إلى وظيفته، ومنهم من مهدت له تجارته مغادرة الوظيفة للتفرغ لإدارة أعماله الخاصة.

وتعدُ التجارة المستترة أحد أهم أسباب المنافسة غير الشريفة، التي تؤدي إلى ضياع فرص تجارية متعددة على التاجر المواطن الذي يقف على عمله بنفسه؛ الأمر الذي قد يُؤدي إلى تحمّله العديد من الخسائر أو إغلاقه لأعماله التجارية بسبب وجود مواطن آخر يتصف بالأنانية وغير مكترث بما تمارسه العمالة التي مكنّها من أوصال اقتصاد البلد، وسمح لها بالاستفادة من كافة التسهيلات التي تقدمها جهات الاختصاص للمنشآت الصغيرة والمتوسطة على الرغم من وجود شركات تنطبق عليها قواعد الاستثمار الأجنبي، لكن عبر التجارة المستترة يكون الدخول للأسواق أسهل وبكلفة تشغيلية أقل مع ضمان محصلة أرباح أعلى للوافد.

هذا المقال ضمن مقالات عديدة كُتبت لتحديد وتشخيص المشكلة والمطالبة بإيجاد المعالجات للحد منها أو منعها بشكل نهائي، ويبقى الأهم وهو أننا كعُمانيين يتوجب علينا أن نعي أنَّ من يمتلك مثل هكذا أعمال فإنه يتسبب بالضرر للبلاد وأبناء وطنه الآخرين، وعليه هو قبل غيره مُعالجة الأمر وفقًا للوسائل القانونية المتاحة حتى يبرئ ذمته أمام ربه ووطنه.